حمدى عبد العزيز
8 اكتوبر2018
شهدت مصر أول ظهور لشعار (الإسلام هو الحل) كشعار سياسي أطلقته
جماعة الإخوان المسلمين وكل جماعات الإسلام السياسي التي كانت قد وصلت إلي ذروة
تمددها مع بدايات عقد الثمانينيات من القرن الماضي بالتزامن مع بدء الحرب
الأفغانية ..
وتمثل هذا الظهور لأول مرة عبر صدور كتاب (الإسلام هو الحل) الكتاب
الذي صدر لخالد الزعفراني أحد قيادات الجماعات الإسلامية الذين التحقوا بجماعة
الإخوان المسلمين (باتفاق الرئيس الأسبق أنور السادات مع عمر التلمساني مرشد جماعة
الإخوان حينذاك )
والكتاب ظهر عن دار القادسية للنشر والتوزيع ، وكانت تقوم بتوزيعه
وقتها مكتبات محطات ترام الإسكندرية شأنها شأن كثير من المكتبات المتناثرة التي
كانت تديرها هذه الجماعات في ذلك الوقت في مدينة الإسكندرية قبلة النازحين من
مختلف أقاليم مصر من شباب الجماعات الإسلامية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي
، والتي كانت تشهد حركة تأسلم سلفي وسياسي عارمة .
، ونظراً لأن جامعاتها كانت تستحوذ علي الغالبية الساحقة من الطلاب
المتقدمين لمكاتب تنسيق الجامعات من مناطق شرق وغرب ووسط دلتا النيل .. كان من
بينهم خالد الزعفراني القادم من احدي قري مركز فوة التابع لمحافظة كفر الشيخ ، وهو
الذي سيؤلف فيمابعد هذا الكتاب أو بمعني أدق سيكلف في عام 1984 بإعداد مادة هذا
الكتاب للطبع والنشر في توقيت يتناسب مع بدء الانتخابات البرلمانية في مطلع صيف
عام 1984 .
، والكتاب بدون رقم إيداع أو ترقيم أو تاريخ يسمح لنا بمعرفة توقيت
نشره ، إلا أن كونه قد كتب أساساً ليتضمن نص الدستور الذي أقره المجلس الإسلامي
العالمي والذي انعقد في 10 ديسمبر 1983 ، وكذلك ظهور الشعار الانتخابي الذي شكل
عنوانا لهذا الكتاب (الإسلام هو الحل) كشعار لأول ظهور انتخابي سياسي منظم لجماعة
الإخوان المسلمين وجماعات التأسلم السياسي يجعلنا نجزم بأن هذا الكتاب قد صدر علي
الأكثر في بدايات عام 1984 وليس قبل ذلك ..
الكتاب يبدأ في نصفه الأول والأقل أهمية من وجهة نظري بالحديث عن
لماذا "الإسلام" هو الحل ؟
وبالطبع علينا أن نعرف أن المقصود ب(الإسلام) هنا هو الإسلام الخاص
بالجماعات والتيارات التي نظرت للدين الإسلامي علي أساس أنه وسيلة لانتزاع السلطة
ونظام للحكم ، وفرض طريقة حياة معينة للعيش في ظل هذا الحكم .
، وعليه علينا أن نفرق بين مصطلح(الإسلام) الديانة وبين اصطلاح
شيوخ وعمائم وزعماء هذه الجماعات علي مر التاريخ لقراءتهم وتفسيرهم الذي يشكل
إسلامهم هم ، وبما أنهم يريدون فرض رؤيتهم هذه علي الجميع فيطلقون عليها مسمي
(الإسلام) ..
فالإسلام الوارد إذن في محتويات هذا الكتاب لاينصرف إلي الإسلام
الذي يمثل دينا للملايين من البشر في أنحاء العالم ، وهذه بديهية جديرة بأن
تصاحبنا طوال تأملنا لشعار الإسلام هو الحل ، ففي حقيقة الأمر هنا أن الحل المقدم
ماهو إلا رؤية هذه الجماعات ..
يتحدث الكتاب عن ضرورة الحل الإسلامي كبديل من وجهة نظره للفشل
الذي وصلت إليه مصر بعد سقوط الخلافة العثمانية ، وكأن شعبها قد واجه اليتم بعد
ذلك .. فهي قد طبقت الحل الليبرالي حتي عام 1952 (الكتاب يفترض ذلك) ثم فشل هذا
الحل الليبرالي وسقط في هزيمة 1948 فقام (انقلاب) يوليو 1952 وقام بتطبيق (الحل الاشتراكي)
فجاءت هزيمة يونيو 76 لتعلن فشل هذا الحل ..
ويهمني هنا أن أوضح إلي أي مدي يمكن أن هذا المنهج التلفيقي المزيف
للوعي فهو يصل التمادي الساذج فيه إلي درجة شبيهة بطريقة تأليف المواقف الكوميدية
الشديدة السذاجة والركاكة بصورة لاتحترم العقل ولا المنطق ولا الأمانة في تأليف
حكايات تعبر عن التشوه والتشوش الذهني لقيادات هذه الجماعات ومالكي ناصية خطابها
.. إذ يقول الزعفراني أو يقول من كلفوه بطبع هذا الكتاب ونشره وقتها(ص 9) :
((ثم جاءت هزيمة يونيو 1967 ، وأخذ زعماء الحل الثوري الاشتراكي
يقتلون بعضهم البعض ، وتنعاهم زوجاتهم الراقصات ..بينما تجمع الجنود اليهود حول
حائط المبكي يهتفون مع موشي ديان :
هذا يوم بيوم خيبر .. يالثأرات خيبر
حطوا المشمش ع التفاح ، دين محمد ولي وراح
محمد مات .. خلف بنات ))
وبنفس هذه الطريقة الفجة التي تتصور أن المتلقي ساذج وأن الحقيقة
هي حصرياً ماينسجه أصحاب العمائم من روايات هزلية هشة المنطق يورد الكتاب حكايات
يدلل بها علي تآمر الدول الاشتراكية علينا ، وأن تحالفنا معها كان أحد الأسباب
الأساسية لهزيمة 67 فيحكي نفس حكايات السادات التي حكاها لكي يبرر بها تحولاته نحو
أمريكا بعد منتصف السبعينيات - عن عدم إمداد الإتحاد السوفيتي لمصر بالسلاح
اللازم!!!
، ويستمر علي نفس المنوال إلي أن يورد حكاية غريبة في (ص 32) عن
جلوس الزعيم الكوبي فيدل كاسترو مع دبلوماسي إسرائيلي (!!!) ليرسل عبره رسالة
تحذير إلي إسرائيل من خطورة حركات المقاومة الفلسطينية ((ويسميها الكتاب
هنا"حركات الفداء الفلسطيني")) ، وينصح كاسترو (!!!!) إسرائيل ألا تترك
هذه الحركات تتخذ "طابعاً إسلامياً" لأن هذا الطابع العقائدي سيشعل
الحماس في صفوف الشعب الفلسطيني ويستقطب الجماعات الإسلامية في البلاد الأخرى للانضمام
إلي حركات "الفداء الفلسطيني" إلي أن يجعل ذلك من المستحيل علي إسرائيل
أن تدافع عن بقائها ، وأن علي إسرائيل أن تجعل من كل دول جوارها دولاً اشتراكية لان
ذلك في صالح التعايش السلمي"الاشتراكي" العربي مع إسرائيل (!!!!!!!)
وبالمناسبة هنا فاللافت للنظر أن هذا الكتاب أو "المانفستو
التاريخي لم ترد فيه أية إشارة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تتم في
هذه الفترة علي يد السادات وخليفته الجديد حينذاك مبارك ، ولا أية إشارة إلي موقف
ما من معاهدات كامب ديفيد ، وكذلك لاتوجد أية إشارة إلي إلقاء السادات ل99% من
أوراق حل الصراع العربي الإسرائيلي في يد الولايات المتحدة الأمريكية ، ولاعن تعدي
ذلك الأمر إلي البدء في سياسات التكيف الهيكلي التام مع سياسات المركز الرأسمالي
العالمي ، والاندماج الهيكلي في سياسات الهيمنة الأمريكية علي منطقة الشرق الأوسط
، وسياساتها الاستعمارية في أفريقيا وباقي العالم ..
أما فيما يتعلق بالإتحاد السوفيتي فمسألة مساندته لمصر ولجميع حركات
التحرر الوطني في هذا الوقت لايمكن أن يكون محل بحث وتحقيق ، بل أنه في 67 قد أنقذ
مصر بالفعل من توغل العدوان الإسرائيلي داخل مدن المصرية وعربية بالشكل الذي كان
سيؤدي إلي دخولها لأحد العواصم العربية ، وربما يعرف الكثيرون أن مجلس الأمن قد
اتخذ قراراً بالإجماع في السادس من يونيو 1967 بوقف إطلاق النار ، لم تمتثل له
إسرائيل ، وتلاه قرار ثان في السابع من يونيو ، ثم في الثامن من يونيو وبعد أن
أبلغت الحكومة المصرية قرارها بالموافقة علي وقف إطلاق النار وبالرغم من ذلك لم
تتوقف إسرائيل عن العدوان علي الأراضي المصرية
حتي جاء اليوم العاشر من يونيو 1967 .. فبعد ثلاث ساعات من إبلاغ
الإتحاد السوڤيتي للإدارة الأمريكية برسالة مفادها أنه "إذا لم توقف إسرائيل
عملياتها العسكرية فإن الإتحاد السوڤيتي لن يتواني عن اتخاذ تدابير ذات طابع
عسكري"
توقفت إسرائيل عن إطلاق النيران (المصدر : أليكسي فاسيلييف
"من لينين إلي بوتن : روسيا في الشرق الأوسط)
أما بالنسبة لكاسترو فمواقفه ومواقف كوبا من الحق الفلسطيني ومن
مساندة القضية الفلسطينية معروفة تماماً ويكفي أن كوبا هي أول دولة في الأمريكتين
تقطع علاقاتها مع إسرائيل بعد يونيو67 ، وكاسترو كانت تربطه صداقة قوية بياسر
عرفات وقادة منظمة التحرير الفلسطينية وحتي مات كانت مواقفه دائمًا إلي جانب حقوق
الشعب الفلسطيني ، ولكن العقل المتجمد والذهن المشلول والفكر المشوش لعمائم
وزعامات تيارات وجماعات التأسلم الفاشي كلها أسباب لم تستطع معها هذه العمامات
واللحي أن تضع هذه الحقائق أمامها وهي تقوم بهذا التأليف الساذج المريض للحكايات ..
المهم هنا لدي الزعفراني أو المؤلفون الحقيقيون للكتاب الزعم بأن
كلا من الحل الليبرالي والحل الاشتراكي قد طبقا في مصر (كل بدوره كما ورد في
الكتاب) ، وكلاهما قد فشل ، وبالتالي فإن الدور في التطبيق قد جاء علي الحل
الإسلامي ، وعلي اعتبار أن تلك كانت حلول صناعية مستوردة فرضها الاستعمار، وأن
الحل الإسلامي (قلنا مسبقاً أن الإسلام هنا هو إسلامهم هم) هو حل طبيعي من صنع
الله ، ومن ثم يعرج الكتاب إلي مبدأ الحاكمية (الحكم باسم الله) باعتباره هو سر
قوة الأمة..
(ملحوظة : والأمة هنا هي ليست "الأمة المصرية" التي
ترتبط برابط الوطنية ، إنما هي كناية عن "الأمة الإسلامية" التي ترتبط
برابط الدين باعتبار أن رابط الوطنية هو بدعة من بدع الكفار الأوربيين) .
ونلاحظ في (ص13) من الكتاب جملة تتبجح تبجحاً شديداً لتبرر وتشرعن الاستبداد
والطغيان إذا ما أتي علي أيدي هؤلاء المتزعمين للحاكمية إذ يقول :
((لم يفكر حاكم من الحكام طول هذه القرون الثلاثة عشر أن يرفض الالتزام
بمبدأ الإسلام ، والاحتكام إلي شرعه ، وإن بلغ في الاستبداد والطغيان مابلغ .
ولم يخطر ببال شعب من الشعوب المسلمة أن يحكمه يوماً ما نظام
الإسلام ، أو تسود فيه فكرة غير فكرة الإسلام ))
وهكذا إلي آخره كتمجيد لمبدأ الحاكمية التي يعد الأساس الذي بدونه
لن يتم تشييد "الحل الإسلامي" من وجهة نظر الكتاب وصاحبه ، وأصحابه ..
وقد يسأل أحدنا عن معالم ذلك "الحل الإسلامي" الذي يطرحه
الكتاب ويطرحه عنوانه((الإسلام هو الحل)) الذي سيصبح فيما بعد هو شعار جماعة
الإخوان المسلمين وكافة جماعات فاشية التأسلم السياسي في كل المعارك السياسية التي
أعقبت صدور ذلك الكتاب في أنحاء مصر مما يجعل الاعتقاد بأن هذا الكتاب كان عبارة
عن تكليف سياسي و"مانفستو" عام يحدد الأجندة السياسية لهذه التيارات
فيما بعد..
والحقيقة أن الحلول التي سيبحث عنها المهتمون في هذا الكتاب لاتعدو
كونها شعارات عامة ، وشكوي من سيادة القوانين "الوضعية" التي كانت السر
وراء فشل الحلين الليبرالي والاشتراكي ، والشكوي من أن الشريعة الإسلامية قد حصرت
منذ سقوط الخلافة العثمانية في ركن ضيق هو (الأحوال الشخصية) وهكذا .. إلي أن يصل
الكتاب في ص 38 إلي حالة تشبه الهتاف الصاخب علي النحو التالي :
((فلم يبق إلا حل واحد
هو الحل البديل
وهو الحل الحتمي
وهو الحل الوحيد
ذلكم هو الحل الإسلامي ..))
ولكن ماهي معالم هذا الحل ؟
لنترك هذا لمرة قادمة ..يتسع لها المزيد من الوقت
ـــــــــــــــــــــــــ
0 تعليقات