ملخص ما سبق :
كان ساسان الأول ( Sasan ) كاهنا لمعبد النار في مدينة برسبوليس(إصطخر) التي كان يحكمها
الأسرة البارازنجية كحكام خاضعين للبرثيين؛ وعهد لإبنه بابك بوظيفته ككاهن من بعده
.. توسط بابك لدى (إمبراطور البرثيين) لتعيين ابنه أردشیر قائدا عسكريا في إقليم
فارس ، وسرعان ما قوي نفوذه ؛ فقتل بابك ملك إصطخر المحلى و أعلن نفسه ملكا مكانه
؛ ثم طلب من الإمبراطور البرثي بالمدائن؛ أردوان الخامس الاعتراف به ملكا على
إقليم فارس ؛ إلا أن الأخير لم يوافق و أعلنه عاصيا و حرك الجيوش لتأديبه ؛ وتوفي
بابك وورثه ابنه القائد أردشير و استولى على الأقاليم المجاورة و أصبح لديه قوة
تضارع قوة الإمبراطور ؛ وفي المعركة التي نشبت بينهما في وادي هرمزدجان انتصر
اردشير ، وقتل أرطبان وسار إلى عاصمته المدائن التي دخلها في ۲۸ نیسان ( أبريل ) سنة ٢٢٤م ،
وأعلن نفسه وريثا للملوك البارثيين ومؤسسا لسلالة حاكمة جديدة هي الأسرة الساسانية
.
تولى سابور الأول الحكم بعد وفاة والده أردشير سنة (۲٤١م) واحتفل بتتويجه رسميا
سنة( ۲٤٢ م ) ،و
كان واحدا من أشهر ملوك الدولة الساسانية ، فقد كان وسيما شجاعا صاحب همة ومحبوبا
من قبل الشعب ؛ وفي سنوات قليلة جمع بیدیه القويتين أجزاء مملكة البارثيين ، وأضاف
إليها أقاليم جديدة ،
وانتصر على الإمبراطور الروماني فاليريانوس سنة ( ۲٥٨ م ) شمالي سورية و وقع
أسيرا في يده و أذله ، ثم مات بعد ذلك في الأسر.
وصل غرور سابور بانتصاراته إلى ادعائه ملكية العالم ، وأطلق على
نفسه لقب ( شاهنشاه إيران وأنیران ) أي ملك ملوك إيران وغير إيران ؛ على أن سابور
مع كل انتصاراته السابقة لقي هزيمة منكرة من أذينة ملك مدينة تدمر العربية في
الصحراء السورية ، فقد قام أذينة بترصد جيش سابور العائد من آسية الصغرى إلى إيران
، و أنزل به هزيمة فاحشة ، وغنم منه غنائم وفيرة وعددا من نسائه ، و لم يتمكن
سابور من الانتقام لهزيمته هذه طيلة حياته التي استمرت حتى سنة ( ۲۷٣ م).
( فترة الضعف الأولى )
للإمبراطورية الساسانية (۲۷۲ - ۳٦٠م) وقد حكمها بعد سابور خلال تسعة عقود
سبعة ملوك ضعاف .و ثامنهم أمضى نصف حكمه فترة ضعف.
1 : هرمزد الأول
حكم بعد أبيه سابور لمدة سنة واحدة ( ۲۷۲ - ۲۷۳ ) ، ولا يعلم شيء عن الحوادث
السياسية التي جرت في عهده باستثناء استدعائه النبي ( ماني ) للإقامة في قصره ،
وأنه كان عسكريا متميزا ، وأنه شارك في حروب والده ضد الرومان .
2 : بهرام الأول
وهو أخو هرمزد الأول حكم هذا الملك مدة ثلاث سنوات ( ۲۷۳ - ۲۷۹ م ) ، ولعل أبرز حوادث عهده
عندما طلبت زنوبيا* ( Zenobia *) ملكة تدمر بعد وفاة
زوجها أذينه معونة بهرام عند اشتداد ضغط الإمبراطور الروماني أورليانوس ( Aurelianus ) (۲۱۰
-
۲۷۰
م) عليها ، فأمدها بنجدة متواضعة لم تفلح في منع هزيمة زنوبيا، وساهمت في تكريس
عداء أورليانوس للدولة الساسانية وخطط للانتقام منها بإثارة أعدائها الشماليين
،ولكنه لم يتمكن من متابعة انتقامه من الفرس؛ فقد مات وهو يعد العدة لتسيير جيوشه
باتجاه الشرق ، كما مات بهرام الأول في الفترة نفسها .
(*) (زنوبيا أو الزباء )
في المصادر العربية . تسلمت الحكم بعد وفاة زوجها باسم ابنها "وهب
اللات" : (Vaballathus) ، واختلفت مع الرومان
مما دفعها لاحتلال آسية الصغرى ومصر . ولكنها لم تستطع الصمود في وجه القوات
الرومانية الهائلة التي أرسلتها روما ضدها، والتي حاصرت تدمر بعد هزيمة جيشها
ودمرتها
3 : بهرام الثاني
وفي سنة ( ۲۷۹ م ) تسلم الحكم بهرام الثاني ابن الأول
الذي استأنف حربه ضد روما ، ومع أنه لم يحقق أي مكاسب عسكرية أو سياسية ضدها، إلا
أنه خلف على صخور مدينة سابور عددا من النقوش التي تؤكد انتصاراته على عدد من
الأقوام المتاخمة لدولته التي تصدى لها خلال فترة حكنه الطويل نسبيا ( ۲۷۹ - ۲۹۳م ) . أي ١٤ سنة.
4 : بهرام الثالث
وبعد موت بهرام الثاني تولى ابنه ( بهرام الثالث ) العرش لمدة
أربعة شهور حيث ثار عليه عمه نرسي (Narssai) واستولى على الحكم .
5 : نرسي
لم يكن نرسي موفقا أيضا في حروبه ضد الرومان ، التي نشبت نتيجة
مطامع الدولتين في أرمينية ، وكان نرسي قد طرد ملك أرمينية تريداتس ( Tiridates ) الذي كان صنيعة الرومان ، مما دفع
الإمبراطور الروماني جالريوس Galerius (۲۹۳ - ٣٠٩م) إلى قيادة جيشه فانتصر على جيش نرسي
انتصارا کاملا وغنم من بين غنائمه زوجة الملك نرسي: الملكة أرسان ( Arsan ) ، مما دفع الملك الساساني إلى عقد معاهدة
سلم تنازل فيها عن منطقة الرافدين وأرمينية للرومان الذين أعادوا تنصيب تيريداتس
ملكة ، وقد مات نرسي إثر هذه المعاهدة نحو سنة ( ۳۰۲م).
6 : هرمزد الثاني
وحكم هرمزد الثاني مدة ثماني سنوات (٣٠٢-٣١٠م) ، وكان ملكا مستنيرا
ومحبوبا ، رغب في نشر العمل داخل مملكته ، مما أدى لصدامه مع نبلاء دولته صداما
أدى أخيرا إلى مقتله في إحدى معاركه ضد عرب منطقة الخليج ، وبشكل خاص عرب الأحساء
، الذين كانوا قد استولوا على البحرين واتخذوها قاعدة لشن هجماتهم على الدولة
الساسانية
7 : آذر نرسي
حکم آذرنرسي ابن هرمزد الثاني سنة ( ۳۱۰ م ) ، وتعاظم خلافه ضد نبلاء
دولتهالدرجة أنهم أقدموا على اغتياله بعد سنة من حكمه ، وتولية أخيه الجنين
سابور" ملكا على الدولة الساسانية ..
و تذكر المصادر الفارسية أن زوجة هرمزد الثاني كانت حاملا بعد وفاة
زوجها وتولية أذرنرسي ، کا تذکر أن الأمير هرمزد شقيق اذر نرمي هرب إلى روما بعد
اغتيال أخيه ، مما أتاح لنبلاء الدولة أن يختاروا الجنين ملكا ، وكان ما يزال في
بطن أمه عندما علق التاج في غرفة والدته قبل ولادته بشهرين -
8 : سابور الثاني
يعد الملك سابور الثاني واحدا من أشهر ملوك الدولة الساسانية نظرا
لإنجازاته الكبيرة في الداخل والخارج ، إضافة إلى طول فترة حكمه ، فقد حكم سبعين
سنة متواصلة ( ٣١٠-٣٧٩م) ؛ منها عدة شهور قبل ولادته 😀 ، وبقي ملكه تحت الوصاية حتى سن السادسة عشرة
، ويبدو أن الملك الشاب كان ميالا للإصلاح منذ حداثة سنه ..
كما يبدو أن إحجام المصادر عن ذکر معلومات كافية عن السنوات
الثلاثين الأولى التي قضاها في الحكم ، خاصة في مجال السياسة الخارجية ومحاولته
الرد على هزائم جده الملك نرسي ، مرده إلى أن اهتمامات سابور الأولية كانت منضبة
على تذلیل مصاعب البلاد الداخلية ، والتي تجلت أكثر ما يكون في تسلط النبلاء على
القصر الملكي ، وكذلك حماية الحدود ضد القوى الصغرى المشاكسة ، والتي كان من بينها
عراب الجزيرة الذين تمادوا على ما يبدو في طلباتهم من الملك لدرجة قرر معها القيام
بحرب حسمت الوضع لصالحه .
حتى إن إحدى تفسيرات اللقب الذي حمله سابور الثاني ، وهو ( ذو
الأكتاف ) ، تزعم أنه أمر بثقب أكتاف الثائرين العرب بعد انتصاره عليهم . !!
وكانت الأمور تسير في الغرب في غير صالح التفاهم بين الدولتين
الكبيرتين ، فقد تنصر (*٢) الإمبراطور الروماني قسطنطين ( CONSTANTINE ) ( ٢٧٤-٣٣٧م)، وانتشر إثر ذلك الدين
النصراني في أرمينية بشكل لافت ، وعلى هذا توثقت الصلات بين روما وأرمينية ، ولم
تعد الخلافات بين الدولة الساسانية وروما خلافات قومية فقط ، بل خلافات دينية أيضا
.
وبعد أن اطمأن سابور على وضع مملكته الداخلي بدأ يبحث عن سبب أو
ذريعة لإعلان الحرب ضد روما ، وقد وجدها في الخلافات التي استعرت بين الأرستقراطية
الأرمنية ، والتي انقسمت بين مؤيد لروما النصرانية ومؤيد للدولة التاسانية .
وخاض سابور حربا في أرمينية استمرت اثنتي عشرة سنة ( ٣٣٨- ٣٥٠م) ،
تركزت أكثر ما يكون في حصار مدينة نصيبين الرومانية دون أن يحقق أي من الطرفين
نتائج حاسمة ، وقد اضطر سابور إلى فك حصار نصيبين وإيقاف الحرب عندما ظهرت قبائل
الهون ، وهي إحدى قبائل إقليم الصين الغربية، على حدود إيران الشرقية ، وبعد حرب
طاحنة ضد قبائل الهون استمرت سبع سنين ( ۳٥٠ - ۳٥٧م ) تلتها معاهدة صلح عاد
إلى قتال الرومان بعد أن انضم بعض الهون إلى جيشه.
وكان سابور قد تلقى بعد انتهائه من حرب الهون رسالة من الإمبراطور
الروماني كونستانس ، يعرض فيها صلحا ، لكن سابور رد على الرسالة بجواب يورده لنا
المؤرخ الروماني أميانوس مارکلینوس على النحو التالي :
" من سابور ملك الملوك رفيق النجوم أخو الشمس والقمر إلى أخيه
القيصر ، يبدو أن الإمبراطور أراد إصلاح خطئه والعودة إلى الطريق القويم فقد كان
أجداد سابور قد مدوا نفوذهم إلى حدود مقدونية في أوربا " ، ....
ولما كان هو ، أي ساہور ، يفضل(*يعني أفضل من) أجداده في الجلال
والفضائل فعليه أن يستعيد أرمينية وبلاد الرافدين التي اغتصبت من جده بالحيلة ،
وليس بالشجاعة .
"وإذا عاد سفرائي دون أن يحملوا موافقة الإمبراطور على هذا
التنازل عن الأراضي المغتصبة ، فإن الملك العظيم سيسير بكل قواه لحرب الإمبراطور
بعد استراحة الشتاء " ..
ورد.الإمبراطور کونستانس بجواب ذكره أميانوس على النحو التالي :
« من كونستانس المظفر في الأرض والبحر ، والعظیم دائما ، إلى أخيه
الملك سابور ، أرفض عرضك رفضا تاما مع لومي لك على الجشع الذي يتزايد على الدوام .
وإذا كانت روما قد آثرت أحيانا الحرب الدفاعية فإنه كان إيثارا عن اعتدال وليس عن
خوف ، وكانت معظم نتائج المعارك تسير في صالحها ".
وقد بدأ سابور الحرب سنة ( ۳٥٩م) بهجوم على قلعة آمد ، وهي ديار بكر
الحديثة ، واستولى عليها بصعوبة بالغة ، ولم يتمكن الإمبراطور الروماني من الرد
على هذا العمل بالسرعة الكافية لانشغاله ببعض المشكلات الداخلية التي انتهت بوفاته
سنة(۳۹۱م)
واستلام جولیان منصب الإمبراطور ، الذي اصطحب في حربه ضد سابور عددا من أدعياء
العروش في طیسفون(المدائن) وأرمينية من الذين التجؤوا إلى روما .
ولكن هذه الشخصيات لم تغير من واقع الأمور شیئا ، إذ إنه بعد حصاره
الفاشل للعاصمة الساسانية (طيسفون) انسحب لتعقب جیش ساساني آخر ، وأثناء انسحابه
قتل بحربة فارسي ، فانتخب الرومان أحد قادتهم ، وهو جوفيان ( Jovian ) ، إمبراطورا فأصبح غاية مرامه سحب الجيش
الروماني من منطقة دجلة ، ورحب جدا بعقد هدنة لمدة ثلاثين عاما ، وصلح تعهد
بمقتضاه الرومان بالتخلي عن قلعة نصيبين ، وبإعادة.منطقة أرمينية وبلاد الرافدين
إلى الدولة الساسانية ، وبعدم التدخل في أمور الدولة الساسانية وحليفاتها .
ومنذ ذلك التاريخ بدأت المصادر الساسانية ، و البيزنطية فيما بعد ،
تطلق على سابور لقب "الكبير "وقد وجه الرومان انتقادات شديدة لهذا الصلح
. ولكن الإمبراطور جوفيان لم يتمكن من تعديل الاتفاقية بالسياسة أو بالقوة العسكرية
؛ لأنه مات ، وتسلم الحكم الإمبراطور فالنس ( Valens )، الذي حاول التمرد على بنود المعاهدة ،
مما استتبع حربا ثانية استغرقت حتى سنة ( ۳۷٦م ) حتى تعب الطرفان ، وتداعيا إلى صلح
يكفل لهما حدودا هادئة ..
وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ مات سابور الثاني سنة ( ۳۷۹ م) بعد حکم دام سبعين سنة ترك
خلالها دولة قوية مهابة الحدود غنية الموارد .
تاريخ الدولة الساسانية في بلاد فارس ...(2)
0 تعليقات