د. وسام الدين محمد
السادس من رجب الفرد 1443هـ
السابع من فبراير
فرانتز فانون مفكر يساري من جزر المارتينيك، ترجمت كتبه إلى معظم
اللغات الحية نظرًا لقيمة أفكاره للإنسانية، ويتم قراءتها حول العالم، بما فيها
العالم العربي.
باولو فيريري مفكر برازيلي انصب عمله على تطوير نظريات تربوية
تتحرر من النزعة الاستعلائية الأوروبية وتناسب أهداف التنمية في العالم الثالث،
ترجمت أعماله من لغته البرتغالية البرازيلية إلى لغات عدة أوروبية وأسيوية،
لأهميتها في تطوير التربية.
آخيل مبيمبي فيلسوف ومنظر سياسي كاميروني، اشتهر بنقده لليبرالية
الجديدة وأعماله المتعلقة بإعادة بناء التاريخ الأفريقي، وترجمت مؤلفاته إلى عدد
من اللغات الأوروبية، وتقرأ في أرجاء العالم المختلفة.
ثلاثة مفكرين ينتمون إلى العالم الثالث، حملت أصالة أفكارهم
والتزامهم بقضايا مجتمعاتهم العالم على قراءة هذه الأفكار واعتبارها، وهناك غيرهم
كثر.
السؤال، هؤلاء الذين يتبناهم إعلام (الخالة نوسة) ويصدرهم للناس
باعتبارهم مفكرين؛ لماذا لم تترجم أعمالهم إلى اللغات الأخرى وتعتبر في الثقافات
الأخرى؟
وقبل أن تجيب، فكر معي ... هؤلاء الذين قدموا أعمال ثقافية تستند
إلى أصول منهجية موضوعية، وحملت الآخر على احترامها حتى ترجمت ودرست في
الأكاديميات العالمية، مثل (نيللي حنا) و(لطيفة سالم) في حقل التاريخ و(محمد
الشاهد) في حقل التاريخ العمراني، لماذا يتم تجاهلهم في الفضائيات والمنابر
الإعلامية المختلفة؟؛ وفي الوقت نفسه يقدم أمثال (إبـرـــ عــى) و(وــم الســـي)
و(ولــ ــري) باعتبارهم مؤرخي مصر، وتحجز لهم البرامج بالساعات في الفضائيات يطلوا
منها على الجماهير يقيئون عليها هرائهم، رغمًا عما شهد به المشتغلين بالتاريخ في
مصر من أصغر طالب إلى شيخ المؤرخين من أن هؤلاء دجاجلة لا يملكون فكرًا ولا
يحترمون منهجًا علمي.
ولو كنت من هؤلاء الذين يؤمنون أن هناك مؤامرة كونية ملوخية لحصار
المصريين، وبالتالي تستنتج أن هؤلاء الذين يحتفي بهم الإعلام المصري ويقدمهم
كمفكرين ومثقفين ... لا يتم ترجمة أعمالهم ولا دراستها ... بسبب تجاهل أنجازهم
الفذ الفريد العجيب الغريب التيييييييييييييييييييييييييييت ... بل سوف تكون مؤمن
بهذا إيمانك بأي حقيقة كونية مثل شروق الشمس وغروبها كل يوم. ولكن، ما لا تعرفه أن
هناك مراكز علمية أجنبية في مصر، مثل الجامعة الأمريكية مثلًا، دورها البحث عن
الأعمال الفكرية المؤثرة ومن ثم ترجمتها ليتثنى للمثقف والأكاديمي في البلد الذي
تبنى الترجمة، الاطلاع على المؤثرات التي تشكل الثقافة في مصر، وعبر هذا الطريق
ترجمت رواية (يوتوبيا) لأحمد خالد توفيق إلى الإنجليزية بعدما رشحها للترجمة أحد
كبار مترجمي الجامعة الأمريكية بسبب تأثير مؤلفها على قطاع الشباب ومحتواها
النقدي.
إذًا لا يوجد حصار للمفكر
الحلمنتيشي الجالس يصب علينا نوره أو ناره من محطة شباب الحتة التنويرية الفضائية،
ولكن يوجد انتقاء للفكر الحقيقي من كوم من الهراء والخزعبلات التي يروجها إعلام
الخالة نوسة جنبًا مع جنب مع بضاعته الأثيرة دراما العري والمخدرات والبلطجة.
في الحقل العلمي - نفس العلم الذي يتشدق به إعلام الخالة نوسة
ومثقفيه - هناك ما يسمى (المراجعة والتقييم من قبل النظراء)، فإذا طرح أحدهم فكرة،
فإن فكرته لابد أن تخرج عبر منهج علمي صارم، منهج علمي يقوم على الدليل الموضوعي
الغير متحيز، ينفي عن الفكرة الهوى والشخصانية وبالتأكيد التدليس والتزوير، ومن ثم
تراجع الفكرة والمنهج الذي ولدها من قبل عاملين نظراء في نفس حقل التخصص، فإذا
ثبتت منهجية وموضوعية الفكرة، قبلت من المجتمع العلمي حتى ولو كان هناك من يختلفون
معها، وهؤلاء بدورهم سوف يخضعون هذه الفكرة للنقد المنهجي ومن ثم يطرحون نقدهم على
المجتمع العلمي ليتم مراجعته وتقييمه من قبل نظراء فإذا كان منهجيًا قبل، وهكذا
يبنى الفكر والعلم والثقافة، وهكذا فإن أعمال لمؤرخ مثل هشام جعيط أو محمود
إسماعيل قد تختلف معها من قبل ايدولوجيا المؤلف، ولكن تقبلها موضوعيًا ويتثنى لك
نقدها منهجيًا، في المقابل هناك الصحفي الذي يجلس في محطة تلفزيونية يهذي بحكايات
اجتزئها فريق الإعداد من مواقع على الانترنت، لا يدرون إن كانت صحيحة أم خاطئة،
وحشدها بدون نقد ولا تفسير، حتى يوهم مشاهده بما يريد، دون أن يحاسبه احدًا على
منهجيته وموضوعيته ... هل يسمى هذا فكرًا وثقافة ... أم إثارة تستهدف الحمقى
والمغفلين.
إعلام الخالة نوسة الذي يروج لكل قبيح وسخيف ورذل، ويحتفي بحيزبون
متصابية وبلطجي باعتبارهم فنانين، ويسخر من آلام البسطاء ومطالبتهم بحقوقهم، هل
تتوقع منه أن يقدم مفكرًا ومثقفًا حقيقيًا؟؟؟
صراحة، كلما نعتت الخالة نوسة أحدهم بهذه الألقاب أعرف على الفور
أنه كما يقول المثل الإيطالي العبقري (بالون مليء بالضراط)، من آن إلى آخر ينفضح
وينفقأ البالون فيزكمنا برائحته النتنة الكريهة.
ويل لكم أيها الحمقى ...
كان اليونان يقدسون أصنام صنعها فنان عبقري أبدع في اختيار خامتها
وصنعها، ونشر حولها الكهنة أدخنة العود والبخور، فكان في إبداعها والعطر البخور
المخدر حجة لهم أن يخدعوا ويقدسوا حجر لا يضر ولا ينفع... وها أنتم ذا قد بلغتم
الدرك الأسفل من الغباوة والحماقة ورحتم تقدسون بالونات ملئت ضراط ترفعونهم فوق
أعناقكم.
0 تعليقات