عز الدين البغدادي
في مثل هذا اليوم 18 شباط 2005 الموافق ليوم عاشوراء 1426 هـ، كنت
يومها منشغلا بكتابة مسودات كتاب "بيت العنكبوت نظرية عدالة الصحابة بين الإثبات
والثبوت" الساعة قاربت الثانية عشر ظهرا، قمت بسرعة وارتديت ملابسي وتهيئت
للخروج إلى صلاة الجمعة، وكان قلبي يحدثني أن أمرا ما سيحدث، أن أمرا كبيرا
ينتظرني، بصدق أقول لكم: كانت عندي جبة شتوية قماشها ثقيل لبستها وأنا أقول في
نفسي: إذا حدث تفجير ربما تخفف عني من الشظايا، ثم سخرت في نفسي من نفس وقلت: وهل
يصد القماش شظايا النار والحديد؟ كان والدي (رحمه الله) على سجادته يتهيأ للصلاة،
ودعته فقال لي: أين تذهب؟ قلت له: أذهب للصلاة، بدا من وجهه أنه لم يكن راغبا
بخروجي لكنه لم يعترض واكتفى بالقول "اقرأ الفاتحة وآية الكرسي" قلت له:
إن شاء الله أفعل.
وضعت مسدسي في جيبي، وخرجت، أشرت إلى سيارة الأجرة، وطلبت منه أن
ينطلق إلى جامع الكاظمين حيث تقام الجمعة، وصلت والخطيب قد بدأ توا بالخطبة. كان
هناك عدد من الشباب يقومون بحماية المكان، لم يكن تنظيمهم جيدا، أردت أن أقول لهم:
بأن إجراءاتهم ليست نظامية، لكني فضلت أن اترك هذا بعد الصلاة بسبب تأخري. دخلت من
الباب الرئيس نحو الحرم، وفي المسافة الفاصلة بين بابي المسجد والحرم حدث ما كنت أتوقعه،
انتحاري فجر نفسه، وعصف رفعني إلى الأعلى ثم سقطت على وجهي، عمامتي ذهبت بعيدا
عني… هناك انفجار، وماذا بعد؟ أول ما نظرت إلى يميني رأيت شابا صغيرا قد تمزقت
بطنه وخرجت أحشاؤه، أول ما خطر لي وأنا أراه أن أتأكد من أن بطني ليست ممزقة مثله،
استدرت وأنا على الأرض فشعرت بان عظام الفخذ الأيسر تتحرك فعلمت أن هناك كسرا،
نظرت فإذا الجثث حولي ولم ينج من الموت إلا أنا ورجل كان أمامي حميته كما حماني من
كان خلفي.
أول ما خطر لي في نفسي وأول ما حدثت بي نفسي أن قلت: لن أموت، أنا
اعتقد بأني لن أموت من هذه، لن أموت واعتقد ان هذه درجة وكرامة من الله (هكذا
فهمتها) ولأني أمي ستجن لو وصلها الخبر، ولن أموت لأن كتاب "بيت
العنكبوت" لم ينته بعد. كلام النفس ليس منطقيا بالضرورة وإلا كيف تصورت أن
الجبة الشتائية ستحميني من الموت؟!
17 شهيدا، احدهم توفي في مستشفى اليرموك، نقلت الى المستشفى وهناك
جمدت رجلي اليمني بل تحولت إلى قالب ثلج، كما لم اعد قادرا على تحريكها، نقلت إلى
مستشفى الكاظمية تم تشخيص حالتي على أن هناك قطعا في الشريان الذي يغذي الساق
اليمنى، كان الطبيب الخفر المقيم د. أحمد عبودي، وهو إنسان بسيط جدا قصير القامة
نحيف تقريبا، طلب بإدخالي الى صالة العمليات واخبر أهلي بأنه سيقوم ببتر الساق
اليمنى لأنها الآن ماتت فقد مضى على التفجير ما يقارب 8 ساعات، ولم يتكف بذلك بل
قال لأخي: العملية ليست سهلة وعليك أن لا تستبعد أسوأ الاحتمالات بسبب النزيف.
دخلت صالة العمليات، وكان هناك عدد كبير من الأهل والجيران والأصدقاء
وكلهم كانوا يتوقعون ان أخرج بغير ساق، لكن كان هناك لطف الله ومشيئته مهارة هذا
الطبيب الشاب التي تمكن من ربط الشريان.. بعد ذلك أجريت سلسلة من العمليات للكسر
في رجلي اليسر وعمليات لإخراج شضايا من البطن، ومن الظهر واليدين والرجلين، الإصابات
في كل جسدي، لم يكن احد يتوقع ان أخرج حيا، حتى بعد إكمال العمليات كان وضعي خطيرا
جدا، لدرجة أن احد المشايخ زارني في المستشفى وعندما ذهب الى النجف سأله بعض الإخوة
عن حالي، فأجابه: أدعو له ان يموت ليستريح‼
تذكرت د. بشار عند رآني أمشي في المستشفى فصعق، وقال: معقولة؟ أنت
تمشي؟ ود. حيدر مخلف جراح الأعصاب الذي تفاجأ عندما زرته للعلاج وتحدث مع زائر كان
عنده عن الإصابة التي لم يتوقع ان اخرج منها سالما، ثم الطبيب السوري جراح الأعصاب
د. حسام تلاوي الذي أعرب عن إعجابه بعمل الطبيب العراقي وقال: أطباؤكم ممتازون
فحسب قانون الطب حالتك تستحق البتر حتما، ثم قال لي: استطيع أن أقول أنك رجل مات
وأحياه الله‼
أتذكر عندما أخذت لي صورة شعاعية لصدري ولأني كنت البس الجبة فقد
ظهرت صورة المسدس الذي كان في الجيب ولم ينفعني حمله، ونفعني لطف الله، وكما قال
الشاعر:
وإذا العناية
لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان
يحذرني بعض الأحبة فأقول لهم: لقد كتبت "النجاة من دجل
الغلاة" "وفصل المقال في وظيفة علم الرجال" و"مغالطة الإلحاد"
و"بيت العنكبوت" و"تنقية العبادة" و"فلسفة الموت"
و"الإنصاف في حقوق الأشراف" و"في نقد الإسلام السياسي"
و"تعريف البدعة" و"كشف الموهوم" و"نقد نظرية
التقليد" و "وظيفة المجتهد" وغيرها وصارت واقعا وفكرا موجودا يبقى
ان شاء الله وينفع وأنا على ثقة بأن غدا أفضل ينتظرنا في العراق ووعيا أفضل
كشيعة.. والله المستعان.
رحم الله شهداء
العراق..
0 تعليقات