نحن لن نستسلم ... ننتصر أو نموت ... عمر المختار
تعيين الجنرال السفاح رودولفو غراتسياني حاكماً لبرقة ونائباً
للمرشال بادوليو الحاكم العام .. صورة
بشعة للطغيان الايطالي والاستعمارية الغربية ضد ليبيا.... العام 1930م
كان الجنرال غراسياني عند الطليان معظماً ومقدماً وقد قام بأعمال
عسكرية في فزان شنيعة للغاية واستطاع أن يقضي على حركة الجهاد في فزان بدخوله غات
في 25 فبراير 1930م وكان نصرانياً حقوداً على الإسلام والمسلمين لم يرقب في مؤمن
إلاً ولا ذمة.
بعد بقائه في ليبيا لمدة تسع سنوات متتالية وبعد احتلاله الغاشم
لفزان، دعوه إلى إيطاليا لتشريفه وتكليفه .
ذكر في مذكراته وداعه لطرابلس فقال:
(وداعاً طرابلس أرض آلامي وعذابي، غير انه تبقى في روحي، وداخل
نفسي ذكريات كل حجر مرتفع في جبالك، وفي صحرائك الواسعة، ولكن لن ينطفئ أبداً ألمي
وعذابي من أجل إفريقيا وأنت ياطرابلس.....
وفي روما كانت تنتظرني الاحتفالات التي يطمع كل جندي مخلص أمين
يحظى برضا وتصفيق الزعيم الدوتشي (موسليني) .. وقد نلت هذا وصفق الزعيم ومجلس
الأمة الإيطالي لي في جلسة بتاريخ 21/3/1930م،..
هذا الاحتفاء وهذا الرضا، كان أعظم مكافأة في حياتي، فلقد جددت في
نفسي حب العمل والتضحية في سبيل الواجب الكبير الذي ينتظرني في ليبيا بجسم متعب في
الأعمال التي تحملها في الماضي، ولكن بالروح والقلب الحريص والحاضر للعمل..
وبعد أن استلمت التعليمات العليا سافرت على السفينة إلى برقة ..
ويوم 27/3/1930م وصلت بنغازي التي غادرتها سنة 1914م خلال الحرب العالمية الأولى
وكانت رتبتي ملازم أول في الجيش الإيطالي.
إن التعليمات التي صدرت عن رغبة الزعيم الدوتشي، وقسمت ونظمت من
قبل صاحب السيادة دي بونو (والفريق) الماريشال بادوليو، بيتوا فيها تصميم الحكومة
الفاشستية القضاء المبرم على الحركة الوطنية (الثورة) مهما كلف ذلك وبكل الطرق
والوسائل لأنها القضية البرقاوية ....(*1).
والتعليمات هي:
1- تصفية حقيقية لكل العلاقات بين الخاضعين وغير الخاضعين من
الثوار سواء في قاعدة العلاقات الشخصية أو الأعمال والحركات التجارية.
2- إعطاء الخاضعين أمناً وحماية ولكن مراقبة لكل نشاطاتهم.
3- عزل الخاضعين عن أي تأثير سنوسي ومنع أي كائن منعاً باتاً من
قبض أي مبالغ من الأعشار والزكاة.
4- مراقبة مستمرة ودقيقة في الأسواق وقفل الحدود المصرية بكل صرامة
بحيث تمنع أي محاولة تموين لقوافل العدو (أي المجاهدين).
5- تنقية الأوساط المحلية التي توجد بها عناصر تدعي الوطنية
ابتداءً بالمدن الكبيرة وخاصة بنغازي.
6- تعيين عناصر غير نظامية من الطرابلسيين لكي يكونوا قوة مضادة
للمجاهدين وتعني بتطهير الإقليم من كل تمرد أو ثورة.
7- حركة دقيقة وخفية لكل قواتنا (الطليان) المسلحة في المنطقة لخلق
جو مذبذب ضد كل (الأدوار)، والمعسكرات، والضغط عليها حتى تتكبد الخسائر وتشعر بأن
قواتنا موجودة دائماً وفي كل مكان مستعدة للهجوم.
8- الاتجاه السريع للاحتلال الكامل لكل أراضي مستعمرة الكفرة
.......(*2).
هذا هو جزار ليبيا غراسياني الذي جاء محملاً لتنفيذ الأوامر
السالفة الذكر من أسياده في روما الكاثوليكية الفاشستية الميكيافلية .
ومنذ عودة غراسياني إلى بنغازي، بدأ نائب الوالي الجديد يضع هذا
البرنامج موضع التنفيذ من غير إبطاء معلناً إنه سوف :
(يتبع بكل إخلاص تعاليم الدولة الفاشستية ويسير على مبادئها، لأنه
وإن كان قائد من قواد الجيش وأحد الرجال العسكريين إلا أنه يدين بمبادئ فاشستية
محضة ويعلن هذه الحقيقة بكل وضوح وصراحة تامة).........(*3).
كان الجنرال غراسياني معروفاً بالعجرفة والطيش وبالجبروت الوهمي،
وكان أول عمل قام به في الدوائر المدنية بعد وصوله هو استبدال غالب الموظفين
الإيطاليين بآخرين ممن يتمتعون بثقته عندما كان يعمل في طرابلس، ...
كما جاء بقائد جديد للكربنير (الضابطية) هو الكولونيل كاستريوتا،
وبالجنرال نازي ليكون مساعده الأول في القيادة العسكرية،....
واستعان بعصابة من المدنيين قد أخذوا ينفذون أهدافه الشريرة
وأفكاره الشاذة بكل الوسائل ومن ضمن هذه العصابة الكمندتور موريتي (السكرتير
العام) الكمندتور أجيدي متصرف لواء بنغازي، ...
ثم بدأ غراسياني زيارته للمناطق الخاضعة لنفوذ إيطاليا وكانت
السلطات تجمع لاستقباله جميع الأهالي بما في ذلك النساء والأطفال والعجزة، فيخطب
فيهم متوعداً ومهدداً ....... (*4)،
وكان يستفتح خطاباته الطائشة بقوله : (صموا أفواهكم وافتحوا
آذانكم) ليلقى الرعب في نفوس المستضعفين الذين استسلموا وخضعوا لإيطاليا !!
وكان قد ألقى كلمة تهديدية في جموع حشدتها السلطات في موقع
(البريقة) إستهلها بقوله :
(ما أنتم إلا مثل سيجارة موقودة من الجانبين تلتهمها النار من هنا
ومن هناك حتى تصبح رماداً وها أنا ذا أولع السيجارة من جانبي ويوقدها عمر المختار
من جانبه حتى يؤتى عليكم)....... (*5).
وقال في خطاب ألقاه من شرفة قصره في بنغازي :
(تحت يدي وتصرفي باخرة تقف في الميناء وبأقل إشارة مني تنقل كل من
أرى من الصواب نقله إلى إيطاليا وهذا أخف مانعاقب به) .....(*6)
وفي خطاب تهديدي آخر قال :
( عندي لكم ثلاثة حالات، الباخرة الموجودة في الميناء، وأربعة
أمتار فوق الأرض - مشيراً إلى أعمدة المشنقة - ورصاص بنادق جندنا - مشيراً إلى
القتل رمياً بالرصاص)(*7)،
لقد قام غراسياني وحكومته بحشد المجهودات الضخمة للقضاء على عمر
المختار بالصورة التي كلفت الخزانة الإيطالية في سنة واحدة مالا يقل عن النفقات
التي تتكبدها دولة عظيمة لمجابهة دولة تماثلها في عدة سنوات.
فقد قال السنيور فيتيتي وكيل وزارة الخارجية في حديث له مع سماحة
مفتي فلسطين الأكبر الأستاذ محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا
لفلسطين، وقد أورد سماحته هذا الحديث في مذكراته التي أخذت تنشرها جريدة أخبار
اليوم، ....
قال وكيل وزارة الخارجية المذكور :
( حقاً أن ماوقع في ليبيا سبب لنا متاعب كثيرة فعندما كانت السياسة
الايطالية تتأثر في الماضي كثيراً بالسياسة البريطانية قبل عهد الفاشيست خدعتنا
انكلترا وفرنسا فاستولت على أغنى وأغلى أقطار أفريقيا، وأغرتنا باقتحام ليبيا عام
1911م، ....
فلم نجد فيها رغم الجهود المضنية والخسائر الفادحة في الأنفس
والأموال غير الرصاص والرمال، ولم نجن من ذلك إلا بغض العرب ومقت المسلمين لنا ).
......(*8).
المحكمة الطائرة
لم يمض على وصول غراسياني سوى أيام قلائل حتى أنشاء ماعرف في تاريخ
الاستعمار الايطالي الأسود باسم المحكمة الطائرة (ابريل 1930م) ،...
كانت تلك المحكمة تقطع البلاد على متون الطيارات وتحكم على الأهالي
بالموت ومصادرة الأملاك لأقل شبهة وتمنحها للمرتزقة الفاشست وكانت تلك المحاكم
تنعقد بصورة سريعة وتصدر أحكامها وتنفذ في دقائق وبحضور المحكمة نفسها لتتأكد من
التنفيذ ...
ثم تغادر الموقع الذي انعقدت فيه لتنعقد في نفس اليوم بموقع آخر،
وفتحت أبواب السجون في كل مدينة وقرية ببرقة وانتزعت الأموال من الليبيين بدون
مبرر، ونصبت أعواد المشانق في كل من العقيلة، وأجدابية، وبنغازي، وسلوق، والمرج،
وشحات ودرنة، وعين الغزالة، وطبرق،..
ولأتفه شبهة وأقل فرية يصدر حكم الإعدام وينفذ في حينه شنقاً أو
رمياً بالرصاص،
وكان مما قتل شنقاً أو رمياً بالرصاص في مدة لا تزيد عن شهرين من
استلام غراسياني مقاليد الحكم في برقة؛ المشايخ :
● بحيح الصبحي، ●على بويس العربي ● وابنه عبدربه بوموصاخ، ●
خيرالله هليل، ● محمد يونس بوقادم، ●علي حميد ابوضفيرة، ● وإثنان من قبيلة سعيد
أشقاء حمد الرقيق،
وهؤلاء من منطقة جدابية، ثم محمد الحداد وابنه بنغازي، وعبدالسلام
محبوب من الإخوان السنوسين، سليمان سعيد العرفي (المرج) ، وخمسة عشر شخص بينهم
الشيخ سعيد الرفادي (عين الغزالة وغيرهم كثير) ....(*9).
عزل و الاعتقال الجماعية :
بدأ غراسياني ينفذ سياسة عزل الأهالي الخاضعين عن المجاهدين ، وشرع
في جمع الإخوان السنوسيين من شيوخ الزوايا وأئمة المساجد ومعلمي القرآن بها مع
ذويهم جميعاً، وكل من تربطه بأحد هؤلاء أية صلة، وكذلك بمشايخ وأعيان القبائل،
وبكل من يربطه أي نوع من أنواع الصلات بأحد المجاهدين او المهاجرين، .....
جيء بهذه المجموعات يساقون الى مراكز التعذيب ثم الى السجون ولم
يشفع في أحدهم سن الشيخوخة الطاعنة، أو الطفولة البريئة أو المرض المقعد، أو الضرر
الملازم، وأنشئت معتقلات جديدة في بنينة والرجمة، وبرج توبليك ...
وخصص غراسياني مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء،
والمقرون وسلوق في أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الاعتقال والنفي والتشريد
والتعذيب لجميع سكان منطقتي الجبل الأخضر والبطنان بصورة جماعية،
ولم يكن أهلها ممن تحوم حولهم أية شبهة، أو تلفق ضدهم اقل فرية،
وأمر بنقل قبائل هاتين المنطقتين المذكورتين الى هذه المعتقلات الخاصة و عددهم
ثمانين ألفاً، ...
ولم تكن تلك المعتقلات في الحقيقة إلا مقابر يدفن فيها الأحياء
وأداً ،...
وقد خصص معتقلا العقيلة والبريقة لقبائل العبيدات والمنفا،
والقطعان ، والشواعر، والمسامير،... ولبعض عائلات الإخوان السنوسيين بما في ذلك
سكان الجغبوب، ولبعض من سكان مدينتي بنغازي ودرنه، واسند حكم هذين المعتقلين
لممثلي الظلم والجبروت والوحشية الفظيعة لكل من كسوني، باريلا (غير باريلا متصرف
المرج).
وخصص معتقلاً المقرون وسلوق لكل من قبائل البراعصة والدرسا والعرفا
والعبيد وأتباعهم وشطر كبير من عائلات الإخوان السنوسييين الذين سبق أن أبعد
غرسياني رجالاتهم الى ايطاليا أو فرقهم بين السجون المختلفة، ...
لقد جيء بهذه القبائل التي بلغ تعدادها الثمانين ألف نسمة يساقون
زمراً الى المعتقلات المذكورة، فمنهم من جاءها عن طريق البحر حيث حشروا بالمراكب
حشراً ومنهم من جاءها عن طريق البر ....
وسيق كل هؤلاء إلى المعتقلات بعد أن أتت إيطاليا على جميع
المنقولات حرقاً بالنار، كما أحرقت الزراعة ومحصولاتها، وأهلكت الحيوانات فيما عدا
ما استعملته للنقل،
وأحيط القسم المساق عن طريق البر بجنود من الصوماليين والاريتريين
ليتعقبوا كل من يتخلف عن المساقين الى حتفهم، ...
ويرمى المتخلف بالرصاص ، وكان الرامي غير مسؤول عن عمله هذا،
وأصبحت جميع مناطق الجبل والبطنان هلاكاً تلعب فيه الرياح .......(*10).
لقد أراد غراسياني الانتقام من القبائل التي أثبتت الأيام أنها نعم
العون للمجاهدين بعد الله، فجمع النواجع المنتشرة في منطقة الجبل الأخضر في أماكن أحاطها
بالأسلاك !!!
وحدث في تلك المعتقلات الجماعية مالم يصدقه بشر ولا خطر على بال إنسان
يعقل، ..
لقد اشتدت المحنة واعتدى الايطاليون على الأبدان والأموال والأعراض
في تلك المعتقلات ولقد قام الباحث يوسف سالم البرغثي بدراسة متميزة سماها
المعتقلات والاضرار الناجمة عن الغزو الايطالي وذكر فيها تفصيلاً محزناً، ووثائق
تاريخية من أفواه من عاش تلك المرحلة العصيبة التي مربها شعب ليبيا المظلوم
.....(*11).
لقد وصف مراسل جريدة ألمانية زار معسكرات الموت التي جمع فيها
غراسياني أكثر من 80 ألف نسمة فقال :
( إن الانتقادات التي يوجهها الآن الفرنسيين والانكليز الى خطة
الفاشيست في برقة، موجهة في الدرجة الأولى إلى التدابير التي اتخذها الجنرال
غراسياني لإجلاء 80 ألف بدوي عن أراضيهم ،.. ..
وبدون أن يرعوا حالة هؤلاء البدو الروحية، أو يلاحظوا تأثير مثل
هذا القيد والحصار فيهم، ولا يجوز لأحد أن يخرج من نطاق الحصار إلا في النهار،
بشرط أن يرجع الى مكانه قبل أن يخيم الظلام وكل واحد من رؤساء القبائل مسؤول عن
اتباعه فرداً فرداً.
يجب أن نقول أن الحالة السيئة للغاية تفوق كل تصور ، فان معدل
الاموات من الأطفال يبلغ 90 % ....
وأمراض العيون التي ينتهي أكثرها بالعمى كثيرة جداً ومنتشرة ويكاد
لا ينجو احد من الأمراض،..
أما غذاء هؤلاء المساكين، فالأحسن أن لا نتكلم عنه بالمرة، ومن
الطبيعي أن نرى هؤلاء يتألمون أشد الألم، وفي الدرجة الأولى من هذه الأسلاك
الشائكة ، رمز الأسر،....
ورغم تلاصق الخيام ، وشدة تقاربها ببعضها، فإن حصرها ضمن أسلاك
شائكة ، يجب ان نعتبره من المتناقضات الغريبة التي لايتصورها العقل .....(*12).
إن ما ارتكب في العقيلة والبريقة وغيرها من المعتقلات من جرائم جعل
المناضلين في العالم يصرخون وينددون بالاستعمار الفاشيستي في ليبيا ....
فقال عبدالرحمن عزام يصف حالة المعتقلين ويلفت الأنظار إليهم :
(يبحثون عن أخبار الأندلس وكيف أجرى الاسبانيون بالمسلمين هناك
ومالهم والأندلس والأمور جرت في القرون الوسطى فأمام أعينهم طرابلس الغرب فليذهبوا
ويشاهدوا بأعينهم في هذه الأيام فضائح لاتقل عما جرى بالأندلس)........ (*13).
وعبرّ غراسياني نفسه عن المأساة التي كانت اكبر من قلبه القاسي
فقال :
(لقد نتج عن هذا كله ان أكثر الناس هاجرت ونزحت الى مصر وتونس
والسودان تاركة وراءها أهلها وذويها...فاني حاسبت نفسي وضميري.. الأمر الذي جعلني
لم أنم هادئاً أكثر الليالي)(*14)
ويقول مبرراً جرائمه البشعة :
( لانستطيع إنشاء حاضر جديد إذا لم نقض على الماضي القديم)
.....(*15).
عمر المختار يغير إستراتيجية الحرب:
كانت معسكرات المجاهدين قريبة من نواجع الأهالي حتى يسهل على
المختار وصحبه أخذ العشور والحصول على الذخائر والأسلحة والمؤن....
ولكن بعد حشر القبائل في المعتقلات الجماعية تغيرت خطة عمر المختار
وطور أساليبه القتالية لما يتماشى مع المرحلة واعتمد على عنصر المباغتة وركن الى
مفاجأة القوات الايطالية بعد كشفها والاستطلاع عليها في أماكن متفرقة .......(*16).
يقول غراسياني :
(بالرغم من إبعاد النواجع والسكان الخاضعين لحكمنا يستمر عمر
المختار في المقاومة بشدة ويلاحق قواتنا في كل مكان)......(*17).
وقال عنه ايضاً:
(عمر المختار قبل كل شيء لن يسلم أبداً لأن طريقته في القتال ليست
كالقادة الآخرين فهو بطل في إفساد الخطط وسرعة التنقل بحيث لايمكن تحديد موقعه
لتسديد الضربات له ولجنوده،..
أما غيره من الرؤساء فإنهم أسرع من البرق عند الخطر، فيهربون الى
القطر المصري تاركين جنودهم على كفة القدر معرضين لخطر الفناء، ....
عمر المختار عكس هذا فهو يكافح الى أبعد حد لدرجة العجز ثم يغير
خطته ويسعى دائماً للحصول على أي تقدم مهما كان ضئيلاً بحيث يتمكن من رفع الروح
العسكرية مادياً ومعنوياً حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً وهنا يسلم أمره لله
كمسلم مخلص لدينه) ......(*18).
كان عمر المختار قطب تدور عليه رحى الأعمال، والتف المجاهدون حوله
التفاف السوار بالمعصم واستمر العمل بقيادته ومساعدة معاونيه كيوسف بورحيل،
والفضيل بوعمر، وعصمان الشامي، عوض العبيدي، وعيسى الوكواك العرفي، عبدالله
بوسلوم، وعبدالحميد العبار ....
وكانت مواقف عمر المختار تدل على شخصيته القيادية البارعة في أحلك
الظروف وأثناء المحن،
ففي احد الأيام وعقب انتقام الايطاليين من احد المنتجعات التي كانت
تقدم مساعدات للمجاهدين تقدم بعض زعماء القبائل باحتجاج الى عمر المختار وطلبوا
منه إما ان يسلم الى الايطاليين أو أن يرحل عن مواطنهم أو أنهم سوف يحاربونه لكي
يتجنبوا انتقام الايطاليين،.. .
وعلى اثر تسلم هذا الإنذار دعا عمر المختار الى عقد اجتماع في
منطقة قصر المجاهير وقد ساد هذا اللقاء حالة من التوتر وشدة في النقاش في محاولة
لتجنب حرب أهلية بين المجاهدين والليبيين الواقعين في المناطق الخاضعة للاحتلال ،
...
فرأى بعض المجاهدين تجنباً لهذا الوضع الحرج أن يهاجروا الى مصر
لكي لا يتعرض الأهالي الى الانتقام وبعد حوار طويل، اظهر المختار مصحفه واقسم عليه
بأنه لن يتوقف عن مجاهدة الايطاليين، وانه لن يترك الجبل الأخضر حتى يتحقق النصر أو
الشهادة،
وفي نفس الوقت أعلن للمجاهدين انه من يريد الهجرة الى مصر فله مطلق
الحرية في السفر او التسليم للايطاليين وعندما رأى المجاهدون موقف قائدهم عدلوا عن
رأيهم وأطاعوه وانفض الاجتماع على وحدة صف المجاهدين ..........(*19).
استمر غرسياني في تدابيره العسكرية، فلم يأت يوم 14 يونيو حتى كان
الطليان قد استولوا على منطقة الفايدية، بأجمعها واحتلوها ونزعوا من الأهالي
الخاضعين لهم 3175 بندقية ، 60.000 خرطوش.
نقل عمر المختار دائرة عملياته الى الناحية الشرقية في الدفنا
نظراً لقربها من الحدود المصرية وذلك حتى يتمكن من إرسال المواشي التي يأتيه بها
الأهالي الى الأسواق المصرية في نظير أخذ حاجته من هذه الأسواق ،
وهذا ما جعل غراسياني يقرر إقامة الأسلاك الشائكة على طول الحدود
الشرقية.
وقد قال غراسياني عن ذلك :
ان عمر المختار بعد أن أطمأن على خطوط تمونيه البعيدة عن أيدينا
أصدر أمره الى قواته الموزعة في كل مكان ألا تزعج بعد الآن الليبيين الخاضعين
لسلطاتنا حتى لايكونوا سلاحاً آخر ضده وألا يغضبوا من حركته، وهكذا يصبح أمام
ضميره بأنه مسلم حقيقي، ونظيف...
إن مد الأسلاك الشائكة المكهربة على حدود مصر كادت أن تنتهي وستضيق
الخناق على عمر المختار تدريجياً حتى يقع في الفخ الذي سننصبه له ...
إن مصر هي المأوى الآمن لعدد كبير من الآلاف المؤلفة من البرقاويين
الذين ينتمون الى القبائل العمامة والتي لها إمكانياتها البشرية والمادية،
....وكذلك لها تأثير كبير على كثير من النفوس التي يسهل تجنيدها وتوجيهها نحو
القتال مقتنعين بأنهم يدافعون عن الدين الإسلامي وعن كيانهم معتبرين أننا مغتصبين
ومعتدين على حقوقهم ...
هؤلاء الخارجين عن القانون ومن بينهم اعداؤنا يكونون المخازن
الثانية لتمويل الثورة بالأسلحة والمؤن والرجال لكل الأدوار رغم كل الاحتياطات
التي اتخذتها سلطاتنا الحاكمة،
زد على ذلك الأموال التي تجمع من لجان التبرعات من الأقطار العربية
لمساعدة الثوار القائمين بالحرب المقدسة فوق الجبل الأخضر في برقة وحتى أن اتخذنا
كل الاحتياطات ضد الخاضعين لسلطاتنا وإبعادهم فالثوار لايزالون أقوياء يهاجموننا
في كل مكان ....(*20).
عزم غراسياني على مد الأسلاك الشائكة في الحدود الليبية المصرية
المصطنعة من قبل الاستعمار مايزيد على 300كم من البحر المتوسط الى مابعد الجغبوب
وقد كلف الدولة الايطالية عشرين مليوناً فرنكاً ايطالياً.
وقد حقق لهم ذلك العمل أمور عدة ذكرها غراسياني في كتابه منها :
1- قضى على الثوار.
2- قضى على التهريب وأصبح دخل الدولة الايطالية في ازدياد من ناحية
الضرائب الجمركية.
3- قضى على حركة الإمدادات التي كانت تأتي للثوار المجاهدين من مصر
عن طريق المهاجرين .....(*21).
--------------------------------------------------------------------
(*1) انظر: برقة الهادئة ، للجنرال غراسياني، ص82،83، 84
(*2) انظر: برقة الهادئة ، ص84، 85.
(*3) انظر: عمر المختار ، محمود شلبي، ص126.
(*4) انظر: عمر المختار للاشهب، ص124.
(*5) المصدر السابق نفسه، ص124.
(*6) المصدر السابق نفسه، ص124.
(*7) المصدر السابق نفسه، ص125.
(*8) انظر: عمر المختار للأشهب، ص126.
(*9) انظر: عمر المختار للأشهب، ص126،127.
(*10) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده، ص113 الى 149.
(*11) المصدر السابق نفسه.
(*12) انظر: عمر المختار ، شلبي، ص188.
(*13) انظر: السنوسية دين ودولة، ص346.
(*14) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده، ص145.
(*15) المصدر السابق نفسه، ص145.
(*16) انظر: عمر المختار لمحمود شلبي، ص127،128.
(*17) انظر: برقة الهادئة، ص227.
(*18) انظر: برقة الهادئة، ص129.
(*19) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده، ص71.
(*20) انظر: برقة الهادئة ، ص229.
(*21) المصدر السابق نفسه، ص232،233
0 تعليقات