آخر الأخبار

عمر المختار شيخ المجاهدين (6)

 

 

 


 

 

 

نحن لن موت .. ننتصر أو نموت .... عمر المحتار

 

كانت معركة أم الشفاتير بداية نقطة فاصلة في إتباع المجاهدين إستراتيجية جديدة ...

 

حيث رأى عمر المختار رحمه الله ضرورة إعادة تنظيم المجاهدين على هيئة فرق صغيرة، تلتحم مع العدو عند الضرورة، وتشغله في أغلب الأوقات مما يقلل في عدد الشهداء أثناء المعارك ويلحق الخسائر الفادحة بالأعداء وفق التكتيك الجديد لحرب العصابات (اهجم في الوقت المناسب وانسحب عند الضرروة). ....(*1)

 

لمح عمر المختار بنظره الثاقب ملامح السياسة الفاشستية الجديدة وهي الإبادة والتدمير (للمصالح والرجال)، فاتخذ إجراءات ترحيل النساء والأطفال والشيوخ الى السلوم لحمايتهم من الغارات الجوية الايطالية ، وتيسيراً لسهولة تحرك المجاهدين وفق مايتطلبه الموقف الجديد.

 

كما سُمَحَ لكل أخوين بالهجرة لأحدهما للمحافظة على وريث لهما فيما بعد حتى يكون دائماً هناك من يطالب بحقوقه ويزعج المستعمرين الطليان، وللتعريف بالقضية الليبية بتلك البلدان ونتج عنه فيما بعد تشكيل الجاليات الليبية في الخارج ......(*2).

 

أيقن الايطاليون أنه لاجدوى من الاستمرار في العمليات العسكرية ضد المجاهدين، مما كان سبباً في توقفها طلية سنة 1928م ......(*3).

 

لقد تحققت مقولة موسليني من قبل :

( إننا لانحارب ذئاباً كما يقول غراتسياني بل نحارب أسوداً يدافعون بشجاعة عن بلادهم ..إن أمد الحرب سيكون طويلاً) ! ......(*4).

 

 عمر المختار شيخ المجاهدين (5)

🔸 استشهاد حسين الجويفي والمختار بن محمد في معركة ابيار الزوزات 13/8/1927م :

 

استشهد الشيخ حسين الجويفي رئيس دور البراعصة، وكان صاحب مكانة عظيمة عند المختار ......(*5)،

 

كان حسين الجويفي سباقاً للخيرات، حريصاً على الشهادة في سبيل الله، وكان يحرص على الخروج للمعارك مع مرضه حتى أن عمر المختار في إحدى المعارك طلب منه أن يبقي حفاظاً على صحته وقال له (الجايات أكثر من الفايتات) والطليان لايبطلوا لمحاربتنا ونحن لانبطل الهجوم عليهم وستشبع من القتال فأيامه كثيرة ......(*6).

 

لقد تأثر عمر المختار لاستشهاد القائد العظيم الجويفي ووقف عند قبره وقال:

 

شهير لَسَم وَافِ الدين

تمَّا غفير في فاهق خلا

 

لقد فقد عمر المختار عدداً كبيراً من رفاقه الأبطال الذين وقعوا شهداء في ساحة الوغى وكان من بينهم المختار ابن شقيقه محمد فشق عليه فقده رغم انه لا يزيد مكانة عند عمه السيد عمر المختار أكثر من إخوانه المجاهدين،..

 

لقد كان ابن أخيه عائلاً له يهتم بشؤون أسرة عمر المختار ويشرف على شؤونه الخاصة وخدمته الشخصية وكان بمثابة الابن حيث لم يكن لعمر ابن يتولى شؤون العائلة لأن ابنه الوحيد محمد صالح كان لايزال طفلاً،....

 

ثم إن السيد عمر المختار تعود مصاحبة الفقيد منذ سنة 1916م والى جانب كل ذلك فإنه من أبطال الجهاد ومن الأبناء البررة.

 

لقد احتسب المختار وأظهر التجلد وصبر صبراً جميلاً وكان يقول لكل من جاء لتعزيته :

 

إن كل فرد من رفاقي المجاهدين هو عندي بمنزلة المختار. إنني فقدت مختاراً واحداً ، ولكنني أعيش بين عدداً من المختارين كل منهم يملأ مكان ابن اخي . (*7)

 

 🔸 استمرار العمليات والدخول في المفاوضة

 

في سبتمبر عام 1927م غزت جموع الزوية الجخرة ومرسى بريقة وجالو وأوجلة، وأنزلوا بالطليان خسائر فادحة، واشتدت مقاومة المجاهدين في الجبل الأخضر على الرغم من احتلال الطليان للواحات ومراكز السنوسية الهامة، ...

 

فلم يعد هناك مناصا من أن يعيد الطليان النظر في خططهم، مما أدى إلى وقوع أزمة كبيرة في روما، وبدأت الحكومة تبحث بصورة جدية وسائل إخماد المقاومة وترسم الخطط السياسية الجديدة التي ترأى ضرورة التقيد بها في كل من برقة وطرابلس، ....

 

وقد اضطر فيدرزوني وزير المستعمرات، وديبونو والي طرابلس وتيروتزي والي برقة للاستقالة في ديسمبر 1928م، فعين ديبونو وزيراً للمستعمرات وأعلن موسوليني توحيد الإدارة في القطرين الليبيين، وعين الماريشال بادوليو حاكماً على طرابلس وبرقة.

 

كان مجئ بادوليو إلى ليبيا بداية مرحلة الجهاد الحاسمة بالنسبة للمجاهدين وكان تاريخ تعيينه في شهر يناير من عام 1929م وكان برنامجه الجديد يتلخص في تخفيض الجيش إلى القدر الذي يكفي للقيام (بحرب العصابات) والمحافظة على هيبة الحكومة مع إنفاق الأموال المتوفرة في مد الطرق في الجبل الأخضر مما يسهل عليه التنقلات العسكرية، ...

 

فإذا ما أتم له ذلك قام بهجوم شامل كاسح على المجاهدين يقضي على المقاومة نهائياً، ومن أجل ذلك سعت إيطاليا إلى مفاوضة السيد عمر المختار لتهدئة الأحوال ....(*8)،

 

فكان برنامج بادوليو مبنياً على كسب الوقت أولاً ثم العمل رويداً رويداً من أجل تقوية المراكز المحتلة.

 

واهتم بادوليو بكسب الرأي العام وتخويفه، فأعلن العفو عن الأفراد الذين يسلمون أنفسهم وسلاحهم مختارين للحكومة، ويتوعد كل معاند بالعقوبة الصارمة ....

 

وقد أسقطت الطائرات هذا المنشور من الجو على البلدان والقرى والنواجع في أنحاء ليبيا جميعها وكان لهذا المنشور آثار مباشرة، فظن بعض زعماء ليبيا بمدينة طرابلس الضعف ووهن العزيمة في الحكومة...

 

وقام أحمد سيف النصر ومحمد بن الحاج حسن (من قبيلة المشاشة) بالزحف على منطقة القبلة لجمع البدو المحاربين وإرسالهم إلى الجبل الأخضر حتى يعززوا قوات المجاهدين في الجبل ويرغموا الحكومة على اتخاذ لهجة متواضعة عند بدء المفاوضات مع عمر المختار وصحبه،...

 

وشرع صالح الأطيوش ينظم في جبل الهروج جماعات من المحاربين للاشتباك مع الطليان في برقة أو في طرابلس.

 

وفي منتصف فبراير 1929م نزلت قوات المجاهدين من الهروج الأسود للانقضاض على النوفلية من جانب وعلى إجدابية من جانب آخر، فاجتمعت من الجيفة ثم انقسمت ثلاث فرق التحمت إحداها مع الطليان في معركة عند قارة سويد في 5 مارس،....

 

واشتبكت الثانية معهم في معركة كبيرة عن النوفلية في 14 مارس واتجهت الثالثة بقيادة عبدالقادر الأطيوش من الجيفة صوب منطقة العقيلة في 23 مارس، ثم استقر المجاهدون في جبل سلطان واضطر المجاهدون إلى الانسحاب أمام قوات العدو العظيمة صوب وادي الفارغ .....(*9).

 

كان لتلك الأعمال أكبر الأثر في إقناع بادوليو بضرورة العمل فوراً من أجل استمالة المجاهدين إلى المفاوضة إذا أراد أن يضع برنامجه الواسع موضع التنفيذ فبدأ من ثم متصرف المرج الكولونيل باريلا من أوائل مارس 1929م يطلب الاجتماع بالسيد عمر المختار للمفاوضة في شروط الصلح،

 

وحدد باريلا موعداً للاجتماع غير أن باريلا لم ينتظر جواب المختار وأراد أن ينتهز فرصة اطمئنان المجاهدين لقرب بداية المفاوضات وانشغالهم بعيد الفطر المبارك، فانقض الطليان على المجاهدين وهم يقومون بصلاة العيد (1347هـ) وردهم المجاهدون على أعقابهم، ....

 

ولكن مناوشات صالح الأطيوش وجماعته ونشوب المعارك المستمرة اضطرت بادوليو إلى تحديد المسعى، فكلف متصرف درنة دودياشي لتمهيد المفاوضة مع عمر المختار وصحبه، فاتصل بالمجاهدين واقترح على السيد عمر أن يكون الاجتماع يوم 2 مارس في منزل علي باشا العبيدي للبحث في موضوع الصلح....

وأصر عمر المختار على أن تظهر الحكومة الإيطالية حسن نواياها ويكون ذلك بإطلاق السيد محمد الرضا وإعادته إلى برقة واضطرت الحكومة الإيطالية للرضوخ وأحضرت السيد محمد الرضا من جزيرة أوستيكا إلى بنغازي....

 

واجتمع بعد ذلك عمر المختار مع مندوب الحكومة دودياشي في منزل على العبيدي في 20 مارس، وحضر الاجتماع عدد كبير من مشايخ البلاد وأعيانها ثم تم تأجيل التفاوض إلى أسبوع ..

 

وانعقد اجتماع آخر في سانية القبقب ولم يستطيع المتفاوضون الوصول إلى نتيجة مجدية، ..

 

واجتمع المختار مع باريلا في الشليوني في الجبل الأخضر في يوم 6 إبريل ولم يصل المتفاوضون إلى نتيجة...

 

وفي 20 إبريل عادت المباحثات في بئر المغارة (في وادي القصور)، وقد حضر هذا الإجتماع محمد الرضا والشارف الغرياني، وخالد الحمري، وعبدالله فركاش ورويفع فركاش وعلي باشا العبيدي وعبدالله بلعون مدير المرج، ...

 

وحضر كل هؤلاء اجتماع المختار بالسيد رضا، ثم خير مندوب الحكومة عمر بين ثلاثة أمور:

 

● الذهاب إلى الحجاز،

● أو إلى مصر،

 

● أو البقاء في برقة،

 

فإذا رضي بالبقاء في برقة أجرت عليه الحكومة مرتباً ضخماً وعاملته بكل احترام ولكن المختار رفض هذه الشروط وكان السيد رضا يخضع لرقابة صارمة منعته من تبادل الرأي مع عمر المختار.

 

واستؤنفت المفاوضات في هذه المرة في مكان يسمى قندولة بالقرب من سيدي رويفع وحضر اجتماع قندولة باريلا، وكمباني وعدد من الضباط والأعيان وكان سيشلياني قد بيت النية على الإيقاع بالمختار وأسره، ولكن عمر المختار احتاط للأمر ولم يسفر هذا الاجتماع عن شيء.

 

وفي 26 مايو بدأت المفاوضات من جديد، فحضر المختار إلى مكان قريب من القبقب.

 

وفي هذا الاجتماع دارت المباحثات على أساس ماجاء في منشور بادوليو فعرض دودياشي شروط الحكومة وهي:

 

● أولاً : عودة السيد إدريس، وأحمد الشريف والسيد صفي الدين وسائر أعضاء الأسرة السنوسية إلى البلاد على أن يكونوا تحت إشراف الحكومة وأن يتم رجوعهم بترخيص من الحكومة بوصفهم مهاجرين يبغون العودة إلى أوطانهم وتعهدت الحكومة بمعاملتهم المعاملة اللائقة بهم على غرار ماتفعله مع السيد الرضا.

 

● ثانياً : احترام الزوايا وأوقافها ودفع المرتبات لشيوخها.

 

● ثالثا ً: إرجاع أملاك الأسرة السنوسية.

 

● رابعاً: إعفاء الزوايا وأملاك السنوسية من الضرائب.

 

● خامساً : تسليم المجاهدين نصف مامعهم من أسلحة لقاء ألف ليرة إيطالية تدفع ثمناً لكل بندقية يسلمونها، وعلى أن ينضم بقية المجاهدين المسلحين إلى المنظمات التي تنشئها الحكومة تحت إشرافها وإدارتها وذلك لمدة معينة تحددها الحكومة فيما بعد في نظير أن تعد أماكن لإقامتهم يسهل على الحكومة إمدادهم فيها بالمؤن فضلا عن إحكام الرقابة عليهم.

 

● سادسا ً: إبعاد كل الإخوان السنوسيين من الأدوار وتتعهد الحكومة بإعطائهم المرتبات التي تناسب مراكزهم،.

 

فاعترض المختار على تسليم الأسلحة وحل الأدوار، وأصر على بقاء الأدوار تحت قيادة السيد حسن الرضا على أن يكون للحكومة نوع من الإشراف العام فحسب ...

 

وأيد رأي المختار عبدالحميد العبار، ورفض دودياشي عروض المختار وانفض الإجتماع على أن يعرض دودياشي هذا الحل - كما طلب المختار من نائب الوالي في برقة حتى يفصل فيه سيشلياني بنفسه ......(*10).

 

وبعد أربعة أيام فقط طلب دودياشي مقابلة المختار في قندولة (30مايو) فجاء المختار إلى نجع علي العبيدي شيخ العبيدات بالقرب من القبقب، وحضر معه السيد حسن الرضا والفضيل بو عمر وعبدالحميد العبار وحامد القماص وآخرون ومعهم حرس يتألف من مائة وخمسين فارساً وجاء من طرف الحكومة دودياشي وباريلا....

 

كما حضر هذا الاجتماع علي العبيدي وخالد الحمري ورويفع فركاش، وأظهر فيها المختار استعداده للتفاهم طالما أنه يؤدي إلى المحافظة على كرامة السنوسية.

 

وفضلاً عن ذلك فقد أصر المختار على عدم حدوث أي اتفاق بينه وبين الحكومة الإيطالية إلا إذا حضر مندوب عن الحكومة المصرية وآخر عن الحكومة السنوسية كدليل على رغبة الطرفين الصادقة في الاتفاق بصورة قاطعة....

 

ولكن دودياشي اعترض على هذا الطلب، وقال بأن الطليان معروفين بوفائهم للعهود وحفظهم للمواثيق، فرد عليه عمر المختار وذكر مافعله الجنرال متزتي بقبيلة العبيدات، وهي من القبائل التي سالمت الطليان، عندما اغتصب هؤلاء كل ماتمتلكه هذه القبيلة حتى أنهم نزعوا حلي النساء من آذانهن،

 

وذكر مافعله لويللو مع أسرة إبراهيم من قبيلة العواقير، وقد سالم هؤلاء الطليان كذلك، فأخذ لويللو منهم أربعين رجلاً قتلهم رمياً بالرصاص ثم جعل السيارات تمر على جثثهم (فما زالت السيارات تدهسهم ذهاباً وإياباً حتى اختلطوا بالتراب

 

وتدخل بعض الحاضرون لتهدئة الموقف وتمسك المختار بحقوق الحركة السنوسية وزعامتها وأصر على أن يكون للقطر البرقاوي الطرابلسي نفس الامتيازات التي تتمتع بها جاراته مصر وتونس ...

وكان عمر المختار وحده هو الذي يتحدث، وأما سائر المجاهدين فقد صمتوا ثم قرر الذهاب إلى معسكره وقال إذا أراد المتصرف دودياشي الحديث فإن موعد ذلك جلسة أخرى، ...

 

وبعد أيام اتصل علي العبيدي بالسيد عمر، وقبل عمر المختار استئناف المفاوضة، فعقد اجتماع آخر في يوم 7 يونيه حضره دودياشي وباريلا ثم سيشلياني الذي جاء الاجتماع موفدا من قبل الماريشال بادوليو بغية الوصول إلى اتفاق حاسم مع العرب، ...

 

وجدد الطليان عروضهم القديمة وتمسك المختار بمطالبه، وأصر على حضور مندوبين من قبل الحكومتين المصرية والتونسية ووعد سيشلياني بأن يحمل مطالب المختار إلى بادوليو.

 

وفي 13 يونيه اجتمع نائب الوالي سيشلياني بالسيد عمر في قلعة شليوتي، وأظهر المختار رغبته الصادقة في الاتفاق إذا أقرت الحكومة الإيطالية مطالبه، وهي نفس المطالب السابقة وتأجل الاجتماع إلى يوم آخر حتى يتم الاتفاق النهائي بحضور والي طرابلس وبرقة نفسه....

 

وفي يوم 19 يونيه حصل الاجتماع سيدي رحومه المشهور بحضور بادوليو وسيشلياني وعدد من الطليان والأعيان كالشارف الغرياني، وعلي باشا العبيدي، ..

 

وظل عمر المختار متمسكاً بضرورة حضور مندوبين عن الحكومتين المصرية والتونسية وعرض شروطه النهائية بحضور والي ليبيا،...

 

فقرأ الفضيل بو عمر هذه الشروط ووافق الطليان عليها، ثم تسلمها بادوليو ووعد بأن يعمل على حضور مندوبي الحكومتين المصرية والتونسية في اجتماع يحدد فيما بعد قريباً، واتفق الفريقان على عقد هدنة لمدة شهرين حتى يتسنى لكل منهما مراسلة مرجعه ....(*11).

 

وقال بادوليو إنه على استعداد تام لقبول عودة أمير البلاد السيد محمد إدريس إلى برقة مادام المختار والمجاهدون يصرون على ذلك.

 

وكانت الشروط التي عرضها المختار تكفل المحافظة على هوية الشعب وعقيدته ودينه ولغته، وتحفظ أوقاف الزوايا وتعطي عمر المختار الحق في أخذ الزكاة الشرعية من القبائل .

 

ومن أهم هذه الشروط :

 

●1 - أن لاتتدخل الحكومة في أمور ديننا، وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية معترفاً بها في دواوين الحكومة الإيطالية.

 

●2 - أن تفتح مدارس خاصة يدرس فيها التوحيد، والتفسير، والحديث، والفقه، وسائر العلوم.

 

●3 - وأن يلغى القانون الذي وضعته إيطاليا والذي ينص على عدم المساواة في الحقوق بين الوطني والإيطالي إلا إذا تجنس الأول بالجنسية الإيطالية .....(*12)

 

كما كانت شروط المجاهدين تنص على إرجاع جميع الممتلكات التي اغتصبتها الحكومة من الأهالي وإعطائهم مطلق الحرية في حمل السلاح وجلبه من الخارج إذا امتنعت الحكومة عن بيع السلاح لهم،...

 

كما نصت هذه الشروط على أن يكون للأمة رئيس منها تختاره بنفسها ويكون لهذا الرئيس مجلس من كبار الأمة له حق الإشراف على مصالحها، كما يكون للقاضي الإسلامي وحده الفصل بين المسلمين ...

 

وطالب عمر المختار بإعلان العفو الشامل عن جميع من عدتهم إيطاليا مجرمين سياسيين سواء كانوا داخل ليبيا أم خارجها، وإطلاق سراح المسجونين، وسحب كل المراكز التي استحدثها الطليان في أثناء الحرب بما في ذلك مراكزهم في الجغبوب وجالو ...(*13)

 

كما اشترط بأن لزعماء المسلمين الحق في تأديب من يخرج عن الدين أو يهزأ بتعاليمه أو يتهاون في القيام بواجباته ...(*14).

 

إن حرص عمر المختار على رفض الخضوع لأي إرادة أو سلطة غير سلطة الله واضح في حياته، ويظهر ذلك جلياً في شروطه، فقد كان دائماً مصراً على شرط تطبيق الشريعة الإسلامية بين المسلمين ورفض كل ماعداه من قوانين وضعية في مفاوضاته ...(*15).

 

أظهر بادوليو قبول الشروط ولكنه نكث بوعوده وأخذ يستعد للقضاء على المجاهدين، وشرع الطليان يبذرون بذور الشقاق في صفوف المجاهدين على أمل أن يضعفوا من قوتهم، وفي اجتماع سيدي رويفع ادعى سيشلياني أنه لايمكن إبرام الاتفاق النهائي إلا في بنغازي .....(*16).

 

أراد المجاهدون أن يقطعوا حجة الطليان فاتفقوا على أن يحضر اجتماع بنغازي السيد الحسن رضا السنوسي، وكان عمر المختار مقتنعاً بعدم جدوى الاجتماع ولكنه اضطر مكرهاً، ....

 

وعاد الحسن يحمل شروطاً إيطالية مجحفة فرفضها عمر المختار والمجاهدون، وكتب المختار إلى نائب الوالي يخبره برفض الشروط الإيطالية جملة وتفصيلاً، ويلفت في هذه الرسالة نظر الحكومة الإيطالية إلى الشروط السابقة التي تسلمها المارشال بادوليو من السيد عمر نفسه وقطع على نفسه عهداً بالإجابة عنها بعد دراستها إذ لايوجد سبيل لحل المشكلة بدونها،

 

 

وطلب عمر في نفس الرسالة تحديد موعد لمقابلة الجنرال سيشلياني نائب الوالي، وفي حالة الرفض أو عدم الإجابة يكون السيد عمر المختار في حل مما قيدته به آداب المجاملة في انتظار نتيجة المفاوضات وسوف تعود الأمور لما كانت عليه، وكان جواب إيطاليا هو أنها على استعداد ولاداعي للإنذار بإعادة الحرب ....(*17).

 

لما ذهب الحسن بن الرضا إلى بنغازي تأثر ببعض أقوال الليبيين التابعين للحكومة الإيطالية وقبل أن يوقع على شروط الصلح التي خالفت ماطلبه المجاهدون، ....

 

فلما رفض عمر المختار تلك الشروط عز على الحسن أن ينقض المختار كلمته وانفصل بجماعته من البراعصة والدرسة، وكانوا يبلغون حوالي الثلاثمائة واتخذ مكانه في غوط الجبل وهو مكان قريب من مراكز الطليان في مراوة .....(*18).

 

كان عمر المختار بجانب إيمانه الراسخ واسع الأفق عالماً بواقعه مدركاً لما يجري حوله متابعاً له وقد كان ذلك أكبر عون له بعد الله على صحة مواقفه وقوتها التي فرضت الاحترام على أعدائه قبل أصدقائه،....

 

وما أعظم أن يجتمع الإيمان والفقه بالواقع، وما أقبح أن يتفرقا، ولئن كان هذا واضحاً جلياً في كل المواقف التي خاضها عمر المختار رحمه الله وآرائه التي قالها إلا إنه يتجلى كأوضح مايكون في إدراكه لعدم جدوى المفاوضات السياسية .....(*19).

 

🔸 النداء الأخير :

 

خاطب السيد عمر المختار المجاهدين وأبناء شعبه قائلا :

 

فليعلم إذاً كل مجاهد أن غرض الحكومة الإيطالية إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ....

 

ولكن بحمد الله لم توفق إلى شيء من ذلك.

 

وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطالية شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قومية تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه ...

 

فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا قلوب تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخص وغال،....

 

ثم ختم المختار هذا النداء بقوله:

" هذا نحن غير مسؤولين عن بقاء هذه الحالة الحاضرة على ماهي عليه حتى يتوب أولئك الأفراد النزاعون إلى القضاء علينا إلى رشدهم ويسلكوا السبيل القويم ويستعملوا معنا الصراحة بعد المداهنة والخداع" ...(*20).

 

وقد نشرت بعض الصحف المصرية هذا النداء في 2 يناير 1929م.

من كان عبداً لله يستحيل أن يرضى بأن يكون عبداً لحكومة ظالمة كافرة أو لدنيا أو مال أو لهوى، فأكثر الناس أحراراً وتحقيقاً للحرية على مفهومها الصحيح ذلك العبد الذي رضى بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولا ً.

 

 

🔸 غدر وخيانة الطليان

لقد نقضت الحكومة عهودها وغدرت بالمجاهدين وكان السيد حسن الرضا أول من ذاق مرارة غدرهم، فقد غادر المعسكر في غوط الجبل جماعة من عائلة عريف وانتهز الطليان هذه الفرصة فطلبوا من الحسن أن يتقدم بالدور إلى ناحية مراوة وأجاب الحسن رغبتهم وعندئذ سيرت الحكومة قوة كبيرة على الدور لجمع الأسلحة من أتباعه بدعوى أن رجاله قد غزوا بعض الأهلين في مراوة.

 

وأبدى الحسن ورجاله معارضة شديدة، ولكن معارضتهم هذه سرعان ما أكدت للطليان - على حد قول هؤلاء - أن الدور كان مركزاً لدعاية سنوسية خطيرة، وأن حل الدور قد بات لذلك أمراً لامناص منه ولامحيد عنه،....

 

وكان مما جعل الطليان ينقلبون على الحسن أن امتنع في المدة الأخيرة عن إجابة رغبتهم عندما طلبوا منه الانتقال إلى بنغازي، وعلى ذلك فقد اشتبكت القوات الإيطالية مع الدور في قتال عنيف ذهب ضحيته كثير من المجاهدين ووقع الباقون في أسر هذه القوات 😢

 

وفي 10 يناير 1930م قبض الطليان على الحسن نفسه وساقوه أسيراً إلى بنغازي ثم مالبثوا حتى نفوه إلى جزيرة اوستيكا ثم إلى فلورنسه بعد ذلك.

 

وقد بقى الحسن منفياً بهذه المدينة الأخيرة حتى وفاته في عام 1936، وبعد ذلك اندلعت المعارك بين المجاهدين والطليان في الجبل الأخضر .....

 

وكانت الطائرات الإيطالية تلقي قذائفها على معسكرات المجاهدين ونشطت عمليات الطليان العسكرية بعد أن غدروا بالحسن وهاجموا دور المجاهدين في وادي مهجة (28 يناير 1930) وألقت الطائرات قذائفها على العرب، وانتشرت المعارك في منطقة الجبل حتى أقفلت جميع الطرق (*21).

 

 (*1) انظر: تاريخ ليبيا، جون رأيت، ص153.

(*3) انظر: كفاح الليبيين السياسي في بلاد الشام (192-1950) تيسير بن موسى.

(*3) انظر: مجلة البحوث، السنة السادسة، العدد الاول، ص17.

(*4) انظر: عمر المختار نشأته وجهاده، ص14.

(*5) انظر: السنوسية دين ودولة، ص284.

(*6) انظر: عمر المختار للاشهب، ص81.

(*7) انظر: عمر المختار للاشهب، ص100، 101.

(*8) انظر: حياة عمر المختار، ص119.

(*9) انظر: السنوسية دين ودولة، ص321

(*10) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص392،296.

(*11) انظر: السنوسية دين ودولة، ص298.

(*12) انظر: شروط عمر المختار في قضية ليبيا، ص111-114.

(*13) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص298.

(*14) انظر: عمر المختار نشأته وحياته، ص62.

(*15) المصدر السابق نفسه، ص62.

(*16) انظر: السنوسية دين ودولة، 299.

(*17) انظر: عمر المختار للأشهب، ص111، 112.

(*18) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص300.

(*19) مجلة البيان العدد الخامس عشر ، ربيع الثاني، 1988، ص87.

(*20) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص303.

(*21) انظر: السنوسية دين ودولة ، ص34

 

عمر المختار

 

إرسال تعليق

0 تعليقات