نصر القفاص
شعبك وأمتك يذكرونك دائما.. يتذكرون ما احترقت من أجله مثل شمعة
أضاءت الظلام.. وأصارحك بسبب اندفاعى لأن أكتب إليك.. كنت فى مكتبى أقلب باحثا عن
كتاب أريده.. فوجئت أمامى بكتاب "يا ولدى هذا عمك جمال" الذى كتبه
"أنور السادات" فرحت أقلب فى صفحاته.. أخذتنى نوبة ضحك فى زمن عز فيه
الضحك.. فالرئيس الأسبق كتب عنك لابنه: "جمال يارب من صنعك الرائع.. إبداعك
القاهر.. إنه عبدك المؤمن بك.. المتوكل عليك.. المسير بإلهامك.. الباعث فى شعبه
وقومه رسالة الحق والعزة والسلام"!!
هكذا كان يرى "أنور السادات" وكتب عن "جمال عبد
الناصر" وهو أمر عادى.. لكن غير العادى والمدهش جدا أنه قال: "أمريكا
تعتقد أنها تستطيع أن تشترى كل شئ بالدولار.. الضمائر.. الخلق.. الكرامة.. وتعانى
هيستيريا جعلتها ترى الوطنية على أنها شيوعية"!!
مازلت أضحك وأقرأ.. فقد كتب "أنور السادات" فى الكتاب
نفسه: "أنعم الله علينا بيد الشعب السوفيتى الصديق.. بارك لنا يا رب فى هذه
اليد النظيفة.. المخلصة"!!
قررت أن أكتب لك على ما فعلت أمريكا بالدنيا بعد ذهابك.. فما حدث
كان – ومازال – مذهلا.. فعلت العجب بالدولار.. بدأت بتفكيك دول عدم الانحياز, بيد
"أنور السادات" نفسه.. شيطنت فكرة "القومية العربية" بالدولار
والريال والدرهم.. قسمت تشيكوسلوفاكيا التى كانت أول من أعطى السلاح لمصر..
جعلتها: التشيك.. وسلوفاكيا.. وقلبتهما إلى الطريق العكسى.. أصبحا عضوين فى
"حلف الناتو".. فتتت "يوغسلافيا" إنتقاما من زعيمها "تيتو"
الذى شاركك تشكيل مجموعة "عدم الانحياز" وجعلتها سبع دول.. بعد أن فككت
"الاتحاد السوفيتى" إلى "روسيا" التى احتفظت بقوامها.. وزرعت
حولها مجموعة من الدول الصغيرة – 14 دولة - لتدور فى فلك "الدولار"!!
ونزعت من "إندونيسيا" دولة صغيرة اسمها "تيمور الشرقية" ثم
فعلت بالعرب ما لم يفعل "هولاكو"!! فقد جعلت السودان دولتين وتسعى لأن
تكون ثلاثة أو أربعة.. دمرت ليبيا.. بعد أن دمرت العراق.. أحرقت سوريا واليمن..
حاصرت لبنان وأفقدتها المناعة.. كما فعلت مع غينيا فى إفريقيا, وكذلك الصومال..
ونزعت من كل القارة أنيابها الوطنية وبعض قادتها الذين حققوا لها الاستقلال..
وأفسدت البعض الآخر.. حاصرت كوبا وفنزويلا واغتالت أى زعيم وطنى كان يظهر فى
أمريكا اللاتينية.. وجعلت فلسطين مجرد "مشكلة" وليست قضية للعرب.
حدث كل هذا وأكثر خلال نصف قرن!
ذهب "أنور السادات" مغتالا.. حكم بعده "حسنى
مبارك" ثلاثين عاما وترك كرسى الحكم "مخلوعا" وتمكنت "جماعة
الإخوان" من مفاصل مصر, ليحكمها أحدهم بوصفة أمريكية أدركها شعبنا مبكرا فقام
بجعله "معزولا".. ويحكم البلاد الآن "عبد الفتاح السيسى".
لا أكتب إليك عن أحوالنا.. بل أكتب عما فعلته أمريكا بالدنيا!
هذه الأيام نعيش حالة تشبه ما عاشته مصر بعد إعلانك تأميم
"قناة السويس" وتحالف انجلترا وفرنسا وإسرائيل علينا فى حرب السويس..
ونحن لا ننسى أنك بخطاب واحد من فوق "منبر الأزهر" قلبت الدنيا رأسا على
عقب.. ولا ننسى ما فعله معنا "الاتحاد السوفيتى" حين هدد بحرب عالمية
ثالثة وضرب "لندن" بالسلاح النووى.. لكن الجديد أن إسرائيل أصبحت صديقا
وحليفا لمعظم الدول العربية.. بل أصبحت أهم لاعب إقليمى فى أزمات الشرق الأوسط
والأقصى وإفريقيا.. إضافة إلى أدوار تلعبها عواصم عربية راحت تسحب البساط من تحت
أقدام مصر, بدعم ومساعدة بعضنا من الذين قال عنهم الإمام "محمد عبده"
يوما: "أخشى على مصر من خونة بوجوه مصرية.. وقلوب انجليزية"!! فقد كان
وقتها العدو – فقط – هم الانجليز فى زمن الاستعمار الصريح.. أما فى "زمن
الاستعمار الجديد" أصبحت بيننا "وجوه مصرية وقلوب شتى"!!
أكتب إليك حيث أنت!!
أعرف ما سيحدث فى حرب جديدة, أقدم عليها الرئيس الروسى – بوتين –
كما صرخة فى وجه الذين يقدرون على شراء كل شئ بالدولار.. أشعر بأن هذه الحرب ستنهى
"أسطورة الدولار" ورؤيتى قائمة على حساب.. فقد حشدت أمريكا ضده كل دول
الاستعمار القديم, والذين أدمنوا خدمة الاستعمار.. يخشون مواجهته.. لكنهم قرروا
حصاره إعتقادا منهم أنهم يقدرون على تدمير روسيا.. ولأن ذاكرتهم لا تختلف عن ذاكرة
السمك.. نسوا ما فعلته أنت بأكبر إمبراطوريتين فى حرب السويس.. نسوا هزائمهم فى
فيتنام وأفغانستان.. نسوا الذل الذى أذاقته لهم كوبا وفنزويلا وإيران وكوريا
الشمالية.. والمهم عندهم أن يفرضوا على الدنيا النسيان.. داسوا على
"الحرية" التى كانوا يتشدقون بها.. إغتالوا "الديمقراطية"
التى مكنوا بها "كوميديان" ليحكم "أوكرانيا" وجعلوه
"رئيس يوتيوبر"!! ومن هذه العينة صنعوا رؤساء كثر تحت رايات ديمقراطيتهم
المسمومة.. وكل ما قلته ليس أكثر من خاطرة دفعنى إليها "أنور السادات"
الذى كان يراك إبداعا ربانيا.. ويرى أمريكا "مجرد دولار"!!
0 تعليقات