د/ عبد المنعم زمزم
تقرير الإكسيد بتاريخ 17 مارس 2022 عن قضايا التحكيم التي أقيمت ضد
دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بينها مصر بطبيعة الحال...
أصدر المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار (ويشار إليه اختصارًا
بالإكسيد) تقريره المشار إليه منذ 10 أيام، وتحديدا فى17 من الشهر الجارى، وفى
الحق أنه تقرير يزيد من المأساة التي تورطت فيها البلاد بسبب الأخطاء الإدارية
المتلاحقة. ويلاحظ بشأنه ما يلي:
1- يبلغ عدد دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – وفقًا لإحصاء البنك
الدولي – 22 دولة، هي العراق، الأردن، الإمارات، البحريين، الجزائر، السعودية،
السودان، الصومال، الكويت، المغرب، اليمن، تونس، عمان، سوريا، فلسطين، قطر، لبنان،
ليبيا، مصر، موريتانيا، تركيا، وإيران. (انظر الخريطة التوضيحية اعلى المقال).
2- وصل كم المنازعات التي رفعت ضد هذه الدول مجتمعة منذ إنشاء
الإكسيد عام 1965 وحتى 2021/12/31، عدد 97 منازعة.
3- بلغ نصيب مصر – وحدها – من جملة هذه القضايا؛ 42 قضية، بنسبة
مئوية تقدر بـ 43.5% في حين أن باقي الدول – وعددها 21 – أقيمت ضدها 55 قضية،
بنسبة 56.7%.
4- إذا كان نصيب الدولة 42 دعوى، فعدد القضايا التي انتهت وصدرت
فيها أحكام نهائية؛ 33 قضية (مظللة باللون الأصفر في التقرير المرفق). في حين أن
عدد القضايا التي لا تزال متداولة 9 قضايا (مظللة باللون الأخضر).
5- نصيب مصر إعجازي، ومرعب، وهائل. احتلت به المرتبة الأولى
عالميًا، وهي مرتبة سلبية بطبيعة الحال. يزداد على ذلك حصتها أمام مراكز التحكيم
الأخرى كمحكمة التحكيم الدائمة بلاهاى وغرفة التجارة الدولية بباريس ومحكمة تحكيم
لندن وغيرها من مراكز وهيئات التحكيم الدولية، داخليًا أو خارجيًا.
6- أدرك – وعن معايشة – العبء الثقيل والجهد المخلص الذي تقوم به
هيئة قضايا الدولة، بمستشاريها الأكفاء، في كسب عدد من القضايا. وأدرك – أيضًا –
أن خسارة العدد الآخر إنما سببه – ليس التقصير في الدفاع كما يتصور الكثيرين –
وإنما الأخطاء الإدارية الجسيمة والنمطية التي يرتكبها المسئولين الإداريين بشكل
يضع الدولة في مركز الخاسر للدعوى حتى قبل بدء النزاع.
7- السبب الرئيس لهذا الكم المرعب من المنازعات، يكمن في عدم
احترام الجهة الإدارية للاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية المنظمة للاستثمار.
لذا فإن الأحكام التي تصدر ضدنا تؤسس – في الغالب – على الأسباب التي سبق وأن
فصلناها في مؤلفنا عن قانون الاستثمار الدولي (مرفق صورة غلافه)، وأخصها:
-عدم احترام الجهة الإدارية لعقودها مع المستثمرين الأجانب،
وإنهائها من جانب واحد بالمخالفة لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين.
- انتهاك الالتزامات الدولية الملقاة على عاتق الإدارة بالإخلال
بقواعد المعاملة العادلة والمنصفة وغير التمييزية.
- اللجوء في كثير من الحالات إلى اتخاذ تدابير ذات أثر معادل
للتأميم دون مبرر.
- انتهاك مبادئ؛ الحد الأدنى في معاملة الأجانب، والمعاملة
الوطنية، والدولة الأكثر رعاية.
8– العلاج – بالدرجة الأولى - وقائى وليس علاجيًا، وهذا ما تسير
عليه الدول المتقدمة، نادرة التواجد في الإكسيد كمدعى عليها. فنحن بحاجة ماسة إلى
جهاز قانونى قوى ومتخصص، دوره وقائى، يتبع أعلى قيادة فى البلاد؛ مهامه الإشراف
على إبرام وتنفيذ وانقضاء عقود الدولة. ما نصبو إليه هو تلافى خسائرنا من التحكيم
فى ضوء مبدأ تجنب النزاع؛ جذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيفها لصالح التنمية
الاقتصادية الشاملة، مع المحافظة على الموارد القومية وعدم إهدارها بتحملها
لتعويضات لا داعي لها. فالدولة – أى دولة – بجاجة ماسة إلى جهاز قانونى قوى
ومتخصص، تتجسد أدواره في الآتى:
أ - صياغة كافة عقود الدولة والاهتمام بتفصيلاتها الدقيقة. لأن كسب
القضايا تتضح معالمه وقت التفاوض على العقد. فالمستثمر – وعلى خلاف – الجهة
الإدارية يهتم – ومن خلال الخبراء التابعين له – بصياغة حقوقه والتزاماته بالشكل
الذى يؤدى إلى صيانتها فى ضوء مبدأ توقع النزاع، فى حين لا تكون الدولة على ذات
الدرجة من الحرص والاهتمام. وهو ما يجعلها تخسر الكثير من المنازعات بمجرد التوقيع
على العقد.
ب - الإشراف على تنفيذ تعاقدات الدولة، خاصة عقودها ذات القيمة
الاقتصادية الضخمة. فالاهتمام بتفصيلات التنفيذ مسألة فى غاية الأهمية. فكم من
استثمارات فشلت ولم تبلغ أملها، بسبب تعنت صغار الموظفين. أو بسبب بعض المراسلات
المتبادلة، التى لم تحسن الجهة الإدارية صياغتها، ظنًا من التابعين لها، أن لهم
اليد الطولى فى التعاقد مع المستثمر أو أنهم يتمتعون بمركز قانونى متميز عنه. فى
حين أن الدولة تعاقدت معه على قدم المساواة، وفى إطار نظام قانونى جديد، يتأسس على
الاتفاقيات المنظمة للاستثمار، ثنائية أم جماعية وفقًا لنظرية تدويل العقود.
ج - الإشراف على إنهاء الجهة الإدارية لتعاقداتها. وكم عانت مصر –
ودول الشرق الوسط وشمال أفريقيا – من هذه المشكلة على وجه التحديد. كم فسخت عقودها
من جانب واحد؛ بالإرادة المنفردة دون أى اعتبار للمتعاقد معها. فالعقد كما هو
معلوم شريعة المتعاقدين؛ تكون بإرادتهما المشتركة، لذا لا يمكن إنهاءه إلا
بإرادتهما المشتركة. حيث لا يمكن لإرادة واحدة إنهاء ما تقرر بإرادتين. فإرادة
واحدة لا تعلو على إرادتين. وشريعة المتعاقدين لا يجوز نقضها ولا تعديلها إلا
لسببين: اتفاق الأطراف أو للأسباب التى يقررها القانون.
0 تعليقات