آخر الأخبار

أوكرانيا ورقة التوت التي عَرَّت الغرب

 

 


رضا  يوسف أحمودى


في غضون أيام ستسقط كييف، وسينتشر الجيش الروسي في كل أنحاء أوكرانيا، وسيتذكر العالم روح إبليس التي حلت في أمريكا والاتحاد الأوروبي وحلف ”نيتو“، حيث فعلوا بأوكرانيا ما فعل إبليس بآدم وحواء غرّهما بالخلود ودلّهما على الشجرة، فلما أكلا منها بدت لهما عوراتهما...، غير أن سيناريو قصة أوكرانيا مغاير في مخرجاته لقصة الجنة، ذلك أن الغرب أغرى أوكرانيا بقوته التي لا تقهر، ودلّها على شجرة نيتو، ونهاها عن تصديق تهديدات روسيا أو الخوف منها والاستسلام أمامها، واستمرت الإبليسية تفعل فعلها لأيام عبر التصريحات والاجتماعات والقمم الرافعة لشعار الدفاع عن القيم الكونية من حرية وديمقراطية وحقوق إنسان، فلما جدّ الجدّ، وكُتِبَ القتال وتراءى الجمعان تبرأ مثلث إبليس( CE/USA/NATO) من أوكرانيا مذكرين إيانا بقول الله تعالى: «وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (الأنفال:48). صدق الله مولانا العظيم، انه تماما نفس النكوص المبني على رؤية المصالح التي لا يراها الآخرون، والخوف من تبعات الحرب أمام قوة عسكرية حقيقية اسمها روسيا القيصرية.

 

إن ما وقع لأوكرانيا مع الغرب لن تجد له وصفا أبلغ وأدق من وصف المنافقين في سورة الحشر مع يهود بني النضير حين غرروا بهم وتركوهم لمصير الجلاء ومنه قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقولونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ»، سبحان الله، وكأنّ هذه الآية تصف بدقة متناهية ما فعله منافقو الغرب البروتستانت والكاثوليك مع إخوانهم الأوكران الأرثوذكس.

 

 إن المفارقة هذه المرة أن الذي بَدَتْ عورته وانكشفت للعالم ليس المُغَرَّرُ به أوكرانيا، وإنما الغَرُورُ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، صحيح أن كييف ستسقط عاجلا كورقة التوت، لكنها في المقابل عرّت الغرب من كل القيم التي يتبجح بها، واظهرت مستوى التقهقر والعجز الذي بلغه. لقد ظن الغرب أنه سيثني روسيا ويخيفها بتصريحاته وتهديداته التي يطلقها من على راجمات المكبرات الصوتية، وظن الغرب أن هَيْبَتَهُ التي صنعها على حساب العراق وأفغانستان والصومال سوف تنفعه مع روسيا، إلا أن تشبث هذه الأخيرة بعمقها التاريخي في أوكرانيا سْلاَڤِيَة، ورغبتها في تغيير الواقع واستعادة الأمجاد، جعلت الغرب يذكرنا بموت نبي الله سليمان الذي ظل ردحا من الزمن ميتا والكل ذاعن لا يخالف أمره حتى أكلت دابة الأرض عصاه المخيفة فخر إلى الأرض: «فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِۦٓ إِلَّا دَآبَّةُ ٱلْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُۥ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ» كذلك هو حال الغرب الذي يتكئ على عصا قوته العسكرية والاقتصادية، والتي قضمت جانبها العسكري روسيا، ثم ستقضم جانبها الاقتصادي الصين، ليتم الاعلان عن سقوط دركي وشرطي للولايات المتحدة الأمريكية خاصة. إن الحرب الروسية الأوكرانية تقدّم لنا عِبرا ودروسا بليغة يمكن إجمالها في الآتي:

 

- بداية نهاية القطب الواحد ودخول العالم منعطف جديد، سيكون لمحور الصين وروسيا وإيران دور كبير في رسم معالمه كل حسب تطلعات واستراتيجياته.

 

- انتقال صراع المصالح من الشرق الأوسط إلى آسيا الصغرى والقوقاز، وهو ما يفسر نقل الولايات المتحدة الأمريكية العديد من قواعدها وبوارجها من الشرق الأوسط إلى شرق أوروبا.

 

- تدني منسوب الثقة في حلف نيتو والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من طرف حلفائها، إذ يصعب بعد تخلي الغرب عن أوكرانيا أن تثق أي دولة في خوض أي صراع باسم الغرب والقيم الغربية.

 

- إقدام دول أخرى على استعادة وضم أراضي تاريخية لها باستخدام القوة العسكرية وعلى رأسها الصين، مما سيدخل العالم حالة حرب عارمة.

 

- انتهاء جدوى المنظمات…

 

إرسال تعليق

0 تعليقات