عز الدين البغدادي
عبد الرزاق (أبو رغد) جارنا الصابئي موظف متقاعد في وزارة الصحة،
سكن في جوارنا لا يفصل بيننا وبينه إلا الجدار.. له ولدان: الكبير كان يعاني من
مشكلة صحية والصغير اسمه "زيدون" وثلاث بنات. كبر زيدون، وصار شابا
جميلا في صورته وخلقه، فعلا كان لطيفا محبوبا.
في يوم 9 نيسان 2003 دخلت قوات الغزو الأمريكي بغداد، كان أبو رغد
قلقا، وقرر ان ينطلق بسيارته ليطمئن على ابنته التي كانت تسكن في حي الإعلام قرب
البياع، ذهب معه ولده زيدون الذي قاد سيارة أبيه من طراز لادا بينما جلس أبوه الى
جواره.. قاده قدره أو سوء حظه ليكون خلف مدرعة أمريكية، لم ينتظر الجندي الأمريكي
كثيرا وفتح النار على السيارة فقتلا في الحال، قوة النار التي أطلقت أدت الى فصل
رأس زيدون عن جسده ودفعه (أي دفع الرأس) الى المقعد الخلفي.
وصل الخبر، لكن كيف يمكن سحب الجثتين؟ فمن يحاول ان يفعل ذلك
سيقامر بحياته، وبعد محاولات للتوسط مع بعض الأشخاص العاملين مع قوات الاحتلال تم
سحب الجثتين لكن بعد مرور أكثر من أربع وعشرين ساعة في جو حار نسبيا.
وكانت المشكلة التالية في كيفية دفنهما، فالمقبرة الخاصة بالصابئة
في منطقة القادسية في بغداد وكان نقل نقل الجثتين إليها خطر جدا، اضطرت أسرتهما
الى دفنهما في حديقة البيت، ووقفنا جميعا في منظر مؤلم جدا، حيث دفنت الجثتان، ثم
تم استخراجهما بعد فترة ربما أسبوع على ما اذكر حيث نقلتا الى المقبرة. تألمت جدا
وكنت اعتقد ان مرحلة الرعب قد انتهت بعد زوال الدكتاتور، وانهما قتلا في الوقت الضائع،
ولم أكن اعلم ان ما حصل كانت مجرد بداية صغيرة لجرائم متتالية من الاحتلال وعملائه.
بقيت السيارة في الدار، ثم أخرجت من البيت لتستقر أمام الدار لتحكي
قضية صغير من قصص الديمقراطية الأمريكية.. القصة ليست قصة سيارة، بل قصة مواطن
ووطن.
0 تعليقات