د. وسام الدين محمد
24 رمضان 1443هـ
25 ابريل 2022م
نعم يا عزيزي ليس لكل من هب ودب أن يتكلم عن القرآن بدعوى إعمال
العقل والاجتهاد.
لأن إعمال العقل والاجتهاد في أي مسألة يحتاج أن يكون هذا العقل
ملمًا بالمعارف الأساسية والمهارات اللازمة لمعالجة هذه المسألة. هل سمعت عن مهندس
يعالج مسألة في الهندسة دون أن يعرف الرياضيات، هل سمعت عن طبيب يصف دواء دون أن
يكون ملمًا بتشريح الجسم البشري ووظائف أعضاءه والكيمياء الحيوية وعلوم الأمراض
والأدوية.
إذا لم يكن بوسعك أن تقرأ شعر العرب في جاهليتهم وتفهمه، فمن باب
أولى إنك لن تفهم القرآن الكريم الذي نزل مخاطبًا هؤلاء القوم بلغتهم، فكيف يتأتى
لك أن تجتهد فيما لا تفهم.
كان أصحاب الرسول الذين
نزل القرآن بينهم يتحرون معنى اللفظ الدقيق حتى يفهموا معنى آية، روي عن ابن عباس
أنه قال «كنت لا أدري ما (فاطر السماوات والأرض)، حتى أتى أعرابيان يختصمان في بئر
فقال أحدهما لصاحبه، أنا فطرتها، أنا بدأتها»، ففهم أي رسالة على نحو صحيح يستلزم
إجادة اللغة التي كتبت بها هذه الرسالة، وإلا كان الفهم معيوب.
وإني لأسمع من يقول لما
تقيد الاجتهاد باللغة وتضيق واسع؟ دعني أخبرك بحكاية .... أبتلاني الله في فترة
التعليم الإعدادي بمعلم للفيزياء، وكان رحمه الله متدين و(طيب)، ولكنه قليل
البضاعة في الفيزياء وفي العلم الديني في آن واحد، وفي حصة دراسية كان موضوعها
الذرة بعد أن شرح الدرس، قال لنا ونحن صبية أكبرنا دون الرابعة عشر، إن الغرب يفتش
في القرآن عن العلوم ويستكشفونها منه بينما نحن أبعد ما نكون عن ذلك، والدليل على
ذلك الذرة التي ذكرت في القرآن وهم اليوم يستخدمونها للطاقة والسلاح، ثم تلى قول
الله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره)، معتبرًا أن الذرة المذكورة في الآية
هي الذرة الفيزيائية، لا يدري إن الذرة في الآية تعنى الهبأة، ذلك الغبار الخفيف
العالق في الهواء ويرى في شعاع الشمس، ضرب الله به المثل لأنه أقل شيء يتخيل
العربي وزنه. إن هذه القصة مثالًا على ما يحدث اليوم من القول في كتاب الله بغير
علم ولا هدى تحت زعم الاجتهاد.
نعم، إن أول أدوات الاجتهاد وأهمها اللغة، ولكن أدوات الاجتهاد
اللازم على المجتهد جمعها كثيرة، منها العلم بظروف نزول القرآن الكريم، وقراءات
القرآن، وما تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من سنن تعالج تفسير القرآن، وهذا
يفتح باب دراسة علوم الحديث وأحوال الرواة وطبقاتهم، وغير ذلك من معارف وعلوم،
فإذا تمكنت من هذه الأدوات فأنت قد وقفت على أول طريق الاجتهاد.
ويظل قبل الاجتهاد تصحيح النية، فإذا كانت نيتك أن تحوز الشهرة، أو
ترضي شخص أو جماعة، أو أن تبرر لنفسك أو لغيرك هوى، فأقعد ولا تقدم، واكف نفسك شر
نفسك.
تقول لي إن المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ، وأقول لك المجتهد من حاز
أدوات الاجتهاد ومنهجه، وليس من قال في الأمر بغير علم. إن من يزعم أنه يجتهد في
فهم كلام الله دون أن يملك أدوات هذا الاجتهاد، مثل من يزعم أن يداوي السرطان
بخلطة عم محمود العطار، والأول أخطر من الثاني، فالثاني يضيع صحة إنسان وربما ضيع
حياته، والأول يضيع حياته وآخرته.
والله من وراء
القصد
0 تعليقات