محمود جابر
مقدمة ....
المشهد اليمنى كالدمينو، لا تستطيع إزاحة طرف إلا إذا قمت بإزاحة
كل الأطراف بعيدا، نقطة البدء كانت فى عبدربه منصور، ثم الأحمر – ممثلا للإخوان، وبالتالي
أصبح الطريق مفتوحا لإبعاد إيران قليلا من خلال التنسيق فى عملية أخرى خارج الأرض
اليمنية وبإبعاد الإخوان وإيران يمكن ان يتم استبعاد السعودية والإمارات؛ الطرف
الوحيد القادر على صناعة هذه الحالة هو الطرف الذى يرتبط مع كافة الأطراف بعلاقة
قديمة ومتينة ومستمرة والذى يفكر فى بقاء خطوط التواصل مفتوحة طول الوقت ...
البدء فى صناعة التهدئة
مما لا شك فيه ان سلطنة عمان تمثل أحد محاور السياسة البريطانية فى
منطقة الخليج العربى، ووفقا لبن علوى: نحن
نعتقد أنّ بريطانيا دولة عظمى؛ برغم أنّ واقع الحال لا ينظر إليها هكذا الآن...
ولكنها ستظل دولة كبرى؛ ليس فقط لأنها عضو في مجلس الأمن الدولي، ولكنها دولة عظمى
في تسوية الخلافات، وإيجاد الحلول لقضايا العالم والمنطقة. وبريطانيا شريكة في كل
ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. إذن شراكة بريطانيا مع سلطنة عُمان تساعد الطرفين
على حل النزاعات والخلافات في الشرق الأوسط والخليج".
واحدة من أوجه التعاون العمانى البريطانى هو السعى لدى إيران فى
الافراج عن سجناء بريطانيين فى إيران وتامين عودتهم إلى بريطانيا.
اما فيما يخص اليمن فإن عمان تلعب دورا هادىء من بداية الازمة
اليمنية بفضل التعاون والتشاور البريطانى العمانى فيما يخص هذا القطر الذى يمثل
أهمية لدى العمل البريطاني فى الشرق الأوسط، وأهمية خاصة بالنسبة لعمان .
من هنا يمكن ان نقرأ بهدوء اتفاق الهدنة الأخير فى اليمن، وقد لعبت
الدبلوماسية العمانية دورا محوريا في إنضاج شروط الاتفاق والتمهيد له، والمشاركة
في رعاية عملية المفاوضات بين الأطراف المختلفة التي تضم المبعوث الجديد للأمم
المتحدة هانز غروندبيرغ، وممثلي جماعة الحوثى (أنصار الله) المسيطرة على صنعاء،
وحكومة الشرعية اليمنية ، والأطراف اليمنية السياسية الأخرى في الجنوب مثل المجلس
السياسي الانتقالي بقيادة عيدروس الزبيدي وقوات العمالقة بقيادة طارق محمد صالح،
والزعامات القبلية في شبوة وحضرموت والمهرة وغيرها، إلى جانب كل من الرياض وأبوظبي
وطهران.
الاتفاق الاخير لم يكن هو الاتفاق الأول، ولكن هذا الاتفاق تم إنضاجه
بهدوء وفق لمشاورات عمانية بريطانية والاستفادة من الأخطاء السابقة مما يعزز
استمراره للوصول الى حل للازمة اليمنية .
الدبلوماسية اليمنية استطاعت توفير قنوات اتصال بين المبعوث الاممى
وجماعة الحوثى وإزالة اللبس أو حالة الريبة التى كان كانت تحكم نظرت الجماعة
للمبعوث الاممى، لهذا استطاعت الطرف العمانى ان يبنى جسورا من الثقة المتبادلة
للوصول الى حالة اتفاق للهدنة.
وكانت نقطة بناء الثقة بين جميع الأطراف من خلال ضمان إبقاء
المساعدات الدولية يتمتع بها جميع الفرقاء فى صنعاء وعدن ومناطق الجنوب من خلال
المبعوث الاممى من اجل ان يدخل الجميع إلى الاتفاق ويضمن قدرا من المساعدات
الدولية .
هذه المساعدات تضمن سد العجز فى الاحتياجات العاجلة للكل الشعب
اليمنى فى الجنوب والشمال على السواء، وفى المقابل تم تنحية نقاط الخلاف السياسية
والعقائدية، مع التركيز على اعادة بناء الثقة من خلال رسم خارطة طريق للخروج من
نفق الحرب والصراع المسلح .
وفي هذا السياق تم تحديد
الأولويات، طبقا لاتفاق الهدنة المعلنة في 30 مارس الماضي، لتشمل وقف القتال في
الداخل وعبر الحدود لمدة شهرين، والبدء في اتخاذ إجراءات لفتح المطارات والموانئ،
وفتح وتأمين الطرق بين الشمال والجنوب، وتبادل قوائم للأسرى والجرحى والسجناء بغية
الشروع في وضع خطة لتغيير أوضاعهم، والبدء في وضع برنامج لإعادة الحياة إلى
المؤسسات الإدارية اليمنية لكي تمارس دورها بفاعلية على مستوى اليمن ككل.
وتم الاتفاق على أن يكون العنوان الأول للمجهود المؤسسي وإعادة
الاعتبار للإدارة الموحدة هو "إعادة توحيد البنك المركزي اليمني"،
وتجاوز الانقسام القائم بين أجهزته في صنعاء التابعة لحكومة الحوثى، وتلك الموجودة
في عدن تحت ولاية "الشرعية"، وإحياء دوره الموحد على مستوى البلاد ككل،
لما في ذلك من أهمية قصوى في تيسير حصول الموظفين على رواتبهم الشهرية بانتظام،
وتحقيق استقرار العملة، وتنظيم عملية تمويل الواردات.
وفي هذا السياق تم الاتفاق
على تشكيل "المجلس الاقتصادي الأعلى" في اليمن من كفاءات مهنية، وإعادة
تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي نفسه، وتطبيق معايير موضوعية، تحت إشراف مكتب المبعوث
الأممي، لضمان حيادية البنك وشفافية سياساته وإجراءاته وضمان الرقابة على عملياته،
بما في ذلك إصدار العملة وإدارة الودائع. وعلى أساس هذا الاتفاق تعهدت السعودية
والامارات بتقديم مليار دولار كدعم اقتصادي للبنك المركزي اليمني، وأن تقدم
السعودية مليار دولار أخرى لمشاريع التنمية ودعم الوقود، بالإضافة إلى 300 مليون
دولار لخطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة.
كما شملت أولويات اتفاق الهدنة البدء في إنهاء الحصار على مطار
صنعاء والبدء في تسيير رحلات منتظمة منه وإليه بين اليمن والعالم الخارجي، والسماح
بإدخال سفن القمح والوقود إضافة الى سفن المساعدات عبر ميناء الحديدة، وتسهيل
توزيع القمح والوقود والمساعدات الإنسانية في عموم اليمن، بالتنسيق بين مكتب مبعوث
الأمم المتحدة وهيئة المكتب الرئاسي الجديد في عدن وحكومة أنصار الله في صنعاء،
وبالتعاون مع السلطات المعنية في المملكة السعودية ودولة الإمارات.
وضمن خارطة الطريق للخروج من مازق الحرب واستمرار الهدنة جرى
الاتفاق على رحيل الرئيس اليمنى عبد ربه منصور هادى، ونائبه على محسن الأحمر، بما
يمثل إزاحة كتلة الاصلاح من المشهد السياسى فى اليمن، وتم تشكيل مجلس رئاسى يترأسه
رشاد العليمى وزير الداخلية الاسبق التابع للمؤتمر وهو رجل يتمتع بخبرات جيدة
ويحظى باحترام واسع وسط كافة القوى اليمنية.
المجلس الرئاسى الجديد ممثل الشرعية السياسية فى اليمن، يتكون من 8
أعضاء تم توزيعهم ما بين الشمال والجنوب بشكل متوازن، ومهمته الرئيسية هى إحلال الأمن
والسلام فى كافة ربوع اليمن، وتحسين سبل الحياة الكريمة لليمنين، وإبقاء النفوذ
الخارجى فى أقل الحدود، واعتقد ان دور عمان وبريطانيا فى هذا الاتفاق وتلك التسوية
كان له الدور الأكبر والذى يقدره كل الإطراف .
إبعاد هادى والإصلاح وعودة طارق صالح نائبا لرئيس المجلس بداية
يعنى تغير فى قواعد اللعب، وإبعاد الإخوان فى اليمن دور تستطيع بريطانية لعبة
بسهولة ويسر، وهو نفس الدور الذى مارسته بريطانيا مع الجانب الإيرانى، وبالتالي
سيكون هناك ضمان لإبعاد السعودية والإمارات قليلا عن المشهد اليمنى أملا فى الوصل
باليمن الى مرحلة البدء فى العملية السياسية وإنهاء الحرب.
0 تعليقات