عز الدين البغدادي
لا أريد ان أقول لكم "عظم الله لكم الأجر" ونحوها من
كلمات العزاء، فعندما نكون بين يدي علي وأمام ذكرى علي؛ فاتنا سنحتاج الى كلمات
غير نمطية وغير مستهلكة ترقى إلى مستوى ذلك الرجل...
نحن الآن نشارك في ذكرى استشهاد علي، نبكي نلطم نزور نمارس طقوسا،
وماذا بعد؟
نحب عليا، وليس لنا فضل بذلك، فحتى غير المسلمين يحبون عليا.نحب
عليا، لكننا بعيدون عنه! بل ونبتعد عنه باستمرار... لأننا فرّقنا بين علي الشخص
وعلي القيم..
نحن نحب عليّ الشخص أما علي القيم فلم نأخذ منه ومنها إلا القليل،
بدليل أن كثيرا من دجاجلة الدين والسياسة يستطيعون أن يضحكوا علينا، وأن يخدعونا
في هذه الذكرى وأمثالها.
الكارثة الكبرى في تاريخ التشيع وفي حاضره هو أننا كنا ننظر إلى
الأشخاص، لا ننظر إلى المنهج لذا رضينا بآلاف الروايات المكذوبة التي وضعها الغلاة
والكذابون والتي أنتجت وعيا كسولا لا يتحرّك ولا يحرّك.
علي ليس مناسبة حزن فقط، بل رؤية، موقف، جهاد، تهربنا من كل ذلك
لنذرف دميعات في هذه الليلة وينتهي الأمر.
علي الذي دخل المسجد فلقي خطيبا يجلس على المنبر يحدث الناس فقال
له: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا، قال هلكت وأهلكت، من أنت؟ قال: أبو يحيى،
قال: لست أبا يحيى بل انت أبو اعرفوني.
لو اردنا أن نطبق نهج علي على الخطباء، كم خطيب سيبقى يستحق أن
يجلس على المنبر؟ وغدا كم خطيب جاهل أمي سوف يعتلي المنبر يريد أن يتحدث عن علي
فإذا به يتحدث عن غير علي.
علي الذي دخل الكوفة فقال: يا أهل الكوفة، إن خرجت منكم بغير
القطيفة التي جئتكم بها من المدينة، فأنا خائن.
لو أردنا أن نطبق نهج علي على السياسيين، كم سياسي يستحق أن يمثل
عليا؟ وغدا كم سياسي ساقط منحط سيضرب غدا صدره على عليّ ويقيم التعزية في داره على
علي؟
من أراد أن يبحث عن علي فليبحث عنه في ذاته، سيجده مدفونا في
انسانيته التي تصلبت وتهرأت، وربما ماتت. في كلمة الحق وموقف البطولة اللتين
فارقتنا ولم تفارقاه، وليس في موكب أو ضريح.
من قتل عليا هو عدوه، لكن من قتل قيم علي هم نحن ربما بغير قصد عند
كثير منا، لكن بسوء وعي زائف يضخ لنا كل يوم بل في كل ساعة ودقيقة. لذا فاسمحوا لي
أن أقول لكم: عظم الله لكم الأجر بقيم علي،
علي الشخص كان لا بد أن يموت إن لم يكن في مثل هذه الليلة ففي
غيرها كما قال تعالى: ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل
انقلبتم )، كان لا بد لعلي أن يموت كإنسان، لكن لماذا دفنتم الفكرة معه؟!
لهذا قلت لكم: فاز علي وخسرنا نحن.
متى سنصحو من سكر أوهامنا؟ متى؟
0 تعليقات