علي المؤمن
ظلت وسائل الدعاية العربية الطائفية، التي تمتلكها السلطات الداعمة
للإرهاب الفكري والمسلح، تعمل منذ عقود على العودة الى المفارقة العجيبة التي
اختلقها المؤرخون الطائفيون والمشايخ التكفيريون، وفي مقدمهم ابن تيمية، قبل تسعة
قرون تقريباّ، والتي تتحدث عن وجود حلف سري تاريخي بين الشيعة واليهود، وحلف سري
معاصر بين إيران الممثِلة للشيعة وإسرائيل الممثِلة لليهود، وأن هذا الحلف يضم
العدوين اللدودين للأمة العربية والإسلامية، وانه لايزال قائماّ منذ تأسيس التشيع
على يد اليهودي عبد الله بن سبأ، كما تدعي أسطورتهم، وهدفه ضرب العرب والمسلمين
السنة. وقد تركز الحديث عن هذا الحلف وتبلورت صناعته ونسجت حوله الحكايات
والأساطير بعد العام 1979، أي بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في ايران مباشرة.
وتمكنت هذه الحملات الدعائية المركزة والمنظمة، من خلق ظاهرة نفسية
ضاغطة على المستويين الاجتماعي والسياسي، عنوانها: "شيعة فوبيا" أو
" رهاب الشيعة "، وهو وجه آخر لظاهرة " إيران فوبيا ". وعلى
الرغم من أن جذور صناعة هذه الظاهرة النفسية الاجتماعية يعود الى عهد الدولة
العثمانية، إلا أنها تطورت بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة في العام 1921،
وتبلورت كنظرية شبه متكاملة على يد منظري حزب البعث، ثم تحولت بالتدريج الى
الصناعة السياسية والإعلامية الأكثر أهمية لنظام آل سعود، حتى أخذ القصف الإعلامي
والمالي السعودي الهائل ينجح بالتدريج في تحويل الأنظار عن إسرائيل والصهاينة صوب إيران
والشيعة؛ بل وإقناع كثير من الأنظمة العربية والمسلمة، ومعها أساطيل من المثقفين
العرب القوميين والإسلاميين ووسائل إعلامهم ومراكزهم البحثية، بأن العدو الحقيقي
للعرب والسنة، هما: إيران والشيعة، ولابد للعرب من التحالف مع (إسرائيل) لضرب
عدوهما المشترك. وباتت هذه الذريعة مسوغاّ للإعلان عن إقامة العلاقات الدبلوماسية
والتحالفات الأمنية والتعاون الاقتصادي والثقافي بين بعض الأنظمة العربية والكيان
الإسرائيلي، حتى أصبحت هذه الإعلانات المتوالية أموراّ عادية لايتوقف عندها
المواطن العربي والإسلامي السني غالباّ.
ورغم أن مفارقة وجود حلف قائم بين ايران والشيعة من جهة، وإسرائيل
واليهود من جهة أخرى، هو نتاج منهجيات دعائية تستخف بالعقل العربي والمسلم، وقد
أفرزتها أفكار نظام البعث العراقي والنظام السعودي في مطلع ثمانينات القرن الماضي،
ولا تزال وسائل الإعلام العربية تلوكها وتعتاش عليها وتطورها وتضيف عليها، إلا أن
هذه الدعاية ومخرجاتها، بقيت تؤثر في توجيه العقل العربي والمسلم.
ولهذا؛ فنحن بحاجة الى مقاربة هذا المختلقات بمنهجية واقعية و
بتجرد عن الانتماء المذهبي، وهو موضوع المقال القادم.
0 تعليقات