نائلة الوعري.
في منتصف سنة 1917 بدأت القوات البريطانية على جبهة قناة السويس
تعد للهجوم على فلسطين، بعد أن استكملت احتلال سيناء إلى العريش وتأمين خطوط
إمداداتها من مصر وتولى الجنرال أللنبي قيادة الجبهة، بما في ذلك الجيش العربي،
بقيادة فيصل - لورانس. ووضعت بحيث يقوم الجيش البريطاني تسانده سفن وطائرات
بريطانية وفرنسية، باحتلال الجزء الواقع غربي نهر الأردن (فلسطين). أما الجيش
العربي فيقوم بعمل مواز شرقي النهر (الأردن) ويتقدم في اتجاه دمشق حاشداً في طريقه
كتائب الأنصار العربية والجنود الفارين من الجيش العثماني. وسارع إللنبي إلى
الهجوم قبل وصول تعزيزات ألمانية وتركية حليفة للجيش العثماني، اخترق أللنبي خطوط
الجبهة العثمانية بين غزة وبئر السبع. وفي 16 تشرين الثاني نوفمبر 1917م احتل
يافا. وفي 11 كانون الأول/ ديسمبر دخل القدس واستقبلت الجيوش البريطانية بوصفها
جيوش للتحرير وكان دخول الإنجليز القدس في كانون الأول/ ديسمبر 1917.
في اليوم الثامن من كانون الأول/ عام 1917م وفي ليلة الأحد بعث
متصرف القدس (عزت بيك) يطلب من مفتي القدس (كامل الحسيني) ورئيس بلديتها (حسين
سليم الحسيني) القدوم إلى داره. وفيها خاطبهما قائلاً: لقد أحاطت الجنود
الإنجليزية بالقدس، ولا بد من أنها ستسقط في أيديهم, وأنا سأترك المدينة بعد نصف
ساعة وسألقي بين أيديكما هذا الحمل أي تسليم المدينة للفاتحين( ). وكان بعد ذلك أن
المتصرف ترك القدس، وكان قد أخلاها قبله الضباط وجميع الجنود العثمانيين وتحصنوا
في جبل الزيتون في منطقة (الطور) والذي يسمى أيضاً جبل الطور. أما المتصرف فإنه
واصل السير إلى أريحا.
وفي صباح الأحد وفي جو ماطر وكأنّ المدينة تودع الأتراك الراحلين،
وفي نحو الساعة التاسعة خرج رئيس البلدية المرحوم حسين أفندي الحسيني يصحبه ابن
أخيه توفيق أفندي الحسيني وعبد القادر أفندي العلمي، وهو أحد ضباط البوليس، ونفران
آخران من خدمة البلدية ومعهم علم أبيض* توجهوا إلى محلة الشيخ بدر رافعين أيديهم
ليظهروا للحراس أنّ مهمتهم مهمة سلم لا حرب، فتقدم منهم ملازم انجليزي وأخذ يسال
الرئيس أسئلة، استدل بها أن ألأتراك غادروا القدس، ولم يمض إلا القليل حتى أرسل
القائد كشافة إلى المدينة للتحقق من ذلك, وبعد أن تأكد الملازم أنّ البلد قد خلت
من الجنود الأتراك، أمر الجنود أن يتقدموا إلى القدس فدخلوها الساعة العاشرة
والنصف، وكان أول عمل لهم أنهم وضعوا أيديهم على إدارة البرق والبريد, وكان الجنود
الأتراك لا يزالون يرابطون في جبل الطور. وفي الساعة الحادية عشر والنصف بدأ
الأتراك بإطلاق مدافعهم على الجنود الإنجليز، فقابلتها بالمثل واستمر إطلاق
المدافع إلى الساعة الرابعة بعد الظهر، ثم انسحب الجنود الأتراك وتراجعوا وتفرقوا
بعد ذلك ومن المحتمل أنهم اختفوا بين الناس
وذكر واصف جوهرية، في مذكراته والتي نشرت لاحقا تحت عنوان
"القدس الانتدابية" طلع فجر نهار الأحد 9/12/1917، وإذا بالقدس أصبحت
بين عشية وضحاها في يد الإنجليز وحلفائهم، وفي هذه الساعة السعيدة قضي على الحكم
العثماني وعلى الظلم والاستبداد وخصوصاً في مدة الأربع سنوات الأخيرة بين سنة
1914-1917، ويقول: بدأنا نتنفس الصعداء، فشكرنا الباري عز وجل على هذه النعمة، 📌 ولكن لم نكن ندري آنذاك أن هذا الاحتلال
اللعين كان نقمة على وطننا العزيز ويتابع جوهرية في مذكراته: "كان أهل القدس
يرقصون فرحين في شوارعها ابتهاجاً بالمحتل الجديد والذي اعتبروه مُخلّصاً لهم من
العثمانيين. وقد خلع الشباب المسلمين والمسيحيين والذين كانوا تحت خدمة الجندرية
في القدس في عهدها التركي ملابس الجندية واستبدلوها بملابس مدنية خوفاً من أن يلقي
الجيش البريطاني المحتل الجديد القبض عليهم ويأخذهم أسرى. ويقول واصف جوهرية في
مذكراته: "في صباح ذلك اليوم المشؤوم ذهبت أنا وأخي وبعض الأصدقاء إلى حي
الشيخ بدر في الموقع نفسه الذي جرى فيه تسليم المدينة من قبل السيد حسين أفندي
الحسيني رئيس بلدية القدس، وفي ذلك المكان لفت أنظارنا تعلق اليهود وبخاصة في تلك
الأحياء بالجيش البريطاني، فكنت ترى الجيش وهو في طريقه إلى المدينة محاطاً بآنسات
اليهود.. من جهتي الطريق.. يصفقن لهم ويرفعن الأعلام اليهودية، ويتابع جوهرية في مذكراته
التاريخية المهمة: "وبعد صدور قرار وعد بلفور تذكرنا هذا الاستقبال الحار
منهم، ولم ندر أن بهذا الاحتلال تحققت أحلام الصهيونية،
0 تعليقات