آخر الأخبار

الدراما التركية التاريخية وتحسين صورة المستعمر العثماني

 


 

 

علي المؤمن

 

 

العثمانيون قبيلة بدوية وثنية من منطقة تركستان الصينية، هربوا من موطنهم الأصلي، إثر الهجوم المغولي بقيادة جنكيزخان على الصين خلال القرن الثالث عشر الميلادي، واتجهوا الى آسيا الوسطى ثم الى الأناضول، والتي حوّلوها الى منطقة تركية بالسيف، أي أن العثمانيين هم من العرق الأصفر، المتميز بشكله الصيني والمنغولي والكوري، حالهم حال السلاجقة، الذين سبقوا العثمانيين في الوصول الى الأناضول، أما نصف سكان تركيا الحالية تقريباً ذوي السحنة البيضاء والشكل الأوروبي؛ فهم ليسوا أتراكاً، بل من أصول قفقازية وأوروبية، وتحديداً رومانية وإيطالية وألبانية وبلغارية ويونانية، وهم سكان تركيا الأصليون الذين أجبرهم الاحتلال السلجوقي ثم العثماني على أن يتتركوا، بينما ينتمي كثير من سكان جنوب وشرق تركيا، أي مايقرب من 30% من سكان تركيا الحاليين، فهم آشوريون وأرمن وكرد وعرب وسوريون، وبالتالي؛ فإن نسبة الأتراك الأصليين في تركيا الحالية لايزيد عن 20% من سكان تركيا، بل ان تسمية تركيا بهذا الاسم، تم بعد انهيار الدولة العثمانية في العام 1923.


وبعد أن استعمر العثمانيون جزءاً من الأناضول، أعلن جدهم ارطغرل (والد عثمان) إسلامه، ليبدأ رحلة الاستيلاء على كامل الأناضول بالتدريج، باسم الجهاد من أجل نشر الإسلام، وبدعم قبيلته التركستانية الوثنية، التي أسلمت هي الأخرى. واستخدم العثمانيون شتى الوسائل الوحشية لتنفيذ خطتهم، بدءاً بالغزو واحتلال الأراضي وتشريد السكان الأصليين وتغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق التي يحتلونها، وانتهاء بالقتل وتهديم البيوت على ساكنيها، وحرق المزارع والمدن، ومصادرة الأموال والممتلكات، واختطاف النساء وسبيهن واغتصابهن.


وكانت ممارسات العثمانيين في المناطق التي احتلوها، ولا سيما البلدان العربية وبلدان شرق أوربا، في غاية البشاعة والاستهتار بأبسط حقوق الإنسان، إذ تحوّلت قلاع العثمانيين وقصورهم الى منبت للجريمة الشاملة المنظمة، بما فيها الجرائم الوحشية بين أبناء الأسرة الواحدة؛ فكان السلطان الأب يقتل أبناءه وإخوانه أو يسمل عيونهم، دون أدنى رحمة وعاطفة إنسانية فطرية، لكي لا ينافسوه على الحكم. كما كانت الجواري الأوروبيات هن الحاكمات في القصور غالباً. أما شيوخ الدين في الدولة العثمانية؛ فلم يكونوا سوى هياكل آدمية معممة ملتحية، تتحرك وتتكلم وتفتي بما يشاء السلطان أو صاحب القدرة، بل كما تشاء الجارية الأوروبية النصرانية، إن كانت هي صاحب القدرة.


والأبشع من كل ذلك على الإطلاق، هو أن كل تلك الموبقات كانت تحدث بشعارات دينية وتحت راية الإسلام، فكان كل أشكال الاحتلال العنصري الهمجي الذي يهدف الى الاستيلاء على أراضي الغير وثرواتهم، وسبي النساء وقتل الرجال وخطف الاطفال، يسمى فتحاً إسلامياً، وكان السلطان الغازي يسمى الخليفة الفاتح، بينما هو ليس أكثر من سفاح وجزار يركض وراء شهواته من "المال" و"النساء" و"السلطة"، وهي الدعائم الثلاث للسلطنة العثمانية البدوية.


ولذلك؛ فإن ما ارتكبه تنظيم داعش في العراق وسوريا، هي صورة نمطية عن الممارسات العثمانية في الغزو والاستيلاء وانتهاك الحرمات، إن لم تكن ممارسات العثمانيين أسوء بكثير، لأن تنظيم داعش ظل يحفظ الظاهر الديني وهو يمارس جرائمه، بينما كان السلاطين والأمراء العثمانيون لايحفظون حتى الظاهر الديني في سلوكهم العام والخاص، بل يتجاهرون في ممارسة المحرمات، شأنهم شأن السلاطين الأمويين والعباسيين والأيوبيين.


ولم تكن هذه الروح العدوانية الشريرة سلوكاً فردياً لسلطان بذاته أو أمير بعينه، بل هو سلوك نمطي ثابت للدولة العثمانية على مدى تاريخها الدموي، سواء كان ذلك في عهد عثمان نفسه أو أبيه الوثني ارطغرل أو أحفاده سليم الأول ومحمد الثاني ومراد الرابع وغيرهم. ولا أعتقد أننا سنأت بجديد في هذا المجال، حتى لو كتبنا آلاف الصفحات عن السلوكيات الشاذة الإجرامية للسلطنة العثمانية.


ولكن؛ الجديد هو موجة المسلسلات التركية التاريخية التي أخذت تغزو القنوات العربية منذ حوالي خمس عشرة سنة، بهدف تحسين الصورة البشعة للعثماني وأصوله وممارساته، والترويج لغزواته وتوسعاته، وإظهاره بمظهر البطل الفاتح المؤمن.


إن الرسالة العامة لهذه المسلسلات، والمبنية على تزييف الحقائق التاريخية، والعبث بمضامين العثمانيين وأشكالهم، تدخل في إطار الدعاية الناعمة للدولة التركية الجديدة في حنينها الى الماضي العثماني الطامع، وهي رسالة سياسية قبل أن تكون فنية أو تعنى بتوثيق التاريخ.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات