عز الدين البغدادي
11 حزيران (يوليو) 2022
يمكنك ان تحصل على المعلومة بمقدار ما تبذل من جهد، لكنك لا يمكن
ان تكون عالما إلا بالإحاطة بالمعلومات ومعرفة مناهج المعرفة، وتكوين منهج علمي
حتى يتكون لديك حدس في مجالك. وبغير ذلك، فمهما قرأت أو درست ستبقى حاطب ليل لا
تفرق بين نافع وضار، ولا تميز بين غث وسمين، ولا تحسن ترتيب معلوماتك وتنظيمها ولا
ممارسة النقد عليها. وكنت أقول دائما ولا زلت بأن أهم شيء هو منطلقك المعرفي
وفلسفتك العلمية، فعندما لا يكون موضوعيا منهجيا فسيكون ذلك مثل القال الأعوج، أب
شيء تصبه فيه يكون أعوج.
قبل عشرين عاما توفي الشيخ علي النمازي الشاهرودي من علماء مشهد،
وترك عددا من المؤلفات كان أهمها كتاب "مستدركات علم رجال الحديث" في
ثمانية أجزاء، والكتاب تتعجب مما بذل فيه من جهد كبير يدل على تتبع لا تجده إلا
نادرا عند أهل العلم. إلا أنه رحمه الله وغفر الله أتى بالطوام كما يقال(جمع طامة)
في كتابه، فوثق الضعفاء، بل وثق أشخاصا مجهولين تماما لم يرد لهم ذكر اعتمادا على
ورود اسمه في سند رواية منكرة أساسا، كما وقع له في ترجمة أبي إسحاق الليثي، وهو
رجل مجهول ليس له ذكر في شيء من كتب الحديث والرجال، إلا في حديث طويل منكر عجيب
هو حديث الطينة، ومع ذلك فقد جاء النمازي بشيء عجيب منكر حيث ترجم له وقال: لم
يذكروه. وقع في طريق… رواية شريفة مهمة مفصلة في الطينتين والفصل يوم الجزاء. وهي
تدلّ على علو رتبته، وقوة إيمانه وكماله؛ بحيث يتحمل من الأسرار ما لا يتحمله إلا
الخواصّ.
فجعل هذا الرجل المجهول ليس من الثقات الّذين ورد فيهم مدح أو نصٌّ
على عدالتهم، بل فوق ذلك: من الخواصّ. وواقعا فقد بأمر هو من أعجب العجب، فلم يدع
ضعيفا أو مجهولا إلا وثّقه، وكان يرى الرواية التي لا يثبت سندها ولا يعقل
مضمونها، فيحكم على من رواها لا بالاعتبار فحسب، بل يقول عنه بأنّ هذا يدل على
علوّ حاله وأنّه من أصحاب المقامات وما إلى ذلك. أي إنّ الرجل جاء في علم الرجال
بما لم يأت به أحد!! وأحدث أمورا لا يقبلها فاضل بل ولا عاقل، وابتدع مسائل لا تدل
على فطرة سليمة أو مَلَكة مستقيمة. وأظن ان مرد هذا الخلط يرجع جزئيا لكونه انخرط
فيما عرف بمدرسة "التفكيكية" التي تأسست في مدينة مشهد، وتتلمذ على يد
مؤسسها ومنظرها الأول الشيخ مهدي الأصفهاني بمنهجه المعروف.
وعموما فإن هذا يبيّن لك بأنّ كثيراً ممن يدّعي أنّه يريد أن يفتح
باب الاجتهاد في علم الرجال لا يريد إلا أن ينسف هذا العلم ويضع فيه قواعد مهلهلة
تسمح بتمرير ما شاء من أخبار.
0 تعليقات