محمود جابر
إن من شأن قضايا
الاعتقاد بالإلوهية – من عدمها- أو الغيب من عدمه، أن تصنع لدى الإنسان أفكارا
وتصورات، ينتج عنها الحكم على تصور الأمور والحكم عليها؛ ونظرية الفيض هي أحد
النظريات التي تحدثت عن فلسفة الوجود سواء لدى الفلاسفة اليونان أو من أتى بعدهم،
وهى في أصلها مزيج من آراء و مواقف المعتقدات و الأفكار الإنسانية و العقل البشري
عبر مراحله الممتدة، ترى نظرية الفيض إن عملية الفيض قد مرت بمرحلتين:
الفيض الأول
( نظرية الفيض الالهي(.
الفيض الثاني
( نظرية الفيض الوجودي
(..
ترى النظرية أن
الموجود الأول: هو الله تعالى لا يخلق الموجودات ، ولكنها تفيض عنه وتنبثق منه
بدون إرادته، أي تصدر منه وتتولد عنه بطريق الفيض بدون وعي منه أو إرادة .
وهذا الفيض أو الصدور
أو الخروج حسب أراء فلاسفة مظرية الفيض دائم وضروري وواجب، وكما تخرج الشجرة
الثمرة ليس لها إلا ذلك والدجاجة البيض ليس لها إلا ذلك، كذلك يصدر الوجود عن
الله، فأن الله هو الفيض الأول و منه يصدر الفيض الثاني!!
أما القسم الثاني
المتعلق بالوجود المادي يعتقد الفلاسفة أن الفيض الأول يفيض منه فيض واحد فقط و هو
العقل الكلي، أو العقل الأول، ومن هذا العقل الكلي تفيض النفس الكلية، وعن النفس
الكلية تفيض الأشياء المادية؛ وكلما فاض شيء من شيء تعلق الفائض بمصدره. فالعقل
تعلق بالموجود الأول وتلقى منه، والنفس تعلقت بالعقل وتلقت منه النور، والموجودات
المادية كذلك تعلقت بالنفس .
والإنسان الذي يتلقى
الفلسفة ثم النبوءة ، يتحول إلى عقل متصل بالموجود الأول، يتلقى منه النور
والحقيقة، ولذلك له حق التحكم فيمن سواه من البشر؛ لأنه هو الوحيد الذي يستطيع أن
يبلغهم إلى السعادة، وهو الملْهَمُ القادر، وهو قد يكون فيلسوفا حكيم أو عالماً
متمكن أو نبيا مرسل !!
وبالتالي يتضح أن
العقل الأول صدر عن الله فيضا واجباً ومن هذا العقل الأول صدر عقل ثان وفلك أعلى،
واستمر الفيض والصدور على هذه الوتيرة، من كل عقل عقلٌ وفلك إلى مجموعة عقول حتي
أخر عقل الذي فاضت عنه النفس، ومن النفس فاضت المادة بعناصرها الأربعة النار
والماء والهواء والتراب.
ارتبطت نظرية الفيض
في الفكر السياسي الإسلامي باثنين من المفكرين هما الفارابي و ابن سيناء تتلخص
جوهر أرائهما في نقطتين:
النقطة الأولي إن كل شيء فائض عن شيء أخر سواءً كان بإرادة أو بدون إرادة.
النقطة الثاني وكل فائض يجب أن يخضع للذي يفيض منه لان الفائض يتلقى النور والسعادة
بالتعلق بمصدره الذي يفيض منه الشوق إليه فان الإنسان سعادته القصوى أن يشتاق إلى
مصدره الأول (الله).
و من هذا فقد تأثر
الفكر السياسي بهذه النظرية و اعتبر كثير من علماء الفكر السياسي الإسلامي أن
السلطة السياسية أو الملك و الأمير و السلطان و الرئيس بأنه فائض عن قدرة الفيض الإلهي
ويتصل به وبأعلى الدرجات هو
القادر على إيجادها في الأمم والمدن .
والملوك تبعا لذلك
ليسوا ملوكا بالإرادة فحسب؛ ولكنهم ملوك بالطبيعة أيضا لأنهم خُلقوا ليكونوا
ملوكاً و أمراء و سلاطين .
هكذا نشأة في الفكر السياسي
الإسلامي فكرة الحكم المطلق لدى فلاسفة المسلمين منذ بداية الدولة العباسية إلى
الوقت الحالى ، كما سعى علماء الدين علماء السلطان إلى تبرير ذلك فكريا وفلسفيا
والتشريع له عقديا ودينيا، على هذا فان الحاكم والأمير والملك والإمام والرئيس
تعني الفيض من الله و الاتصال المباشر بواجب الوجود، والعصمة التامة، والقدرة
المطلقة على إصلاح الخلائق الذين هم مجرد أدوات لأفعالهم، و يمكن تلخيص أهم أثار
هذه النظرية على الفكر السياسي الإسلامي، والواقع السياسي للدولة الإسلامية في الأتي:
1-
اعتقاد المسلمين أن السلطة فى الإسلام هى نوع من الفيض الإلهي سواء كانت
خلافة أو إمامة أو رئاسة أو حتى مرجعية دينية.
2-
اعتقاد الحكام أنفسهم بهذا الأمر والتصرف على أساسه.
3-
ضعف المشاركة السياسية لدى اغلب المسلمين
4-
تخلف الأطروحات السياسي على مستوى التنظير الفلسفي، وتقديم أطروحات تقدمية
حول ماهية السلطة.
0 تعليقات