بقلم تييري ميسان
فُتِح صندوق باندورا بفعل تحوّل العملية العسكرية الرّوسية في
اوكرانيا إلى حربٍ فعليةٍ بين موسكو وواشنطن. تأقلمت أهداف الغرب مع الأحداث، بحيث
أنّهم لم يعودوا يكترثون لإنقاذ البنديريين ضدّ روسيا، بل لِإضعاف الجميع (بما
يشمل الإتّحاد الأوروبي)، وصولاً إلى استرجاع الهيمنة الامريكية والعالم الأُحادي
القطب.
إعادة إحياء المُحاربين الباردين
تحوّلت العملية العسكرية الرّوسية الخاصّة ضدّ البنديريين في ظرف
شهرين، إلى حربٍ فعليةٍ بين الرّوس وجمهوريّتي الدّونباس الشّعبيّتين من جهة،
والأوكرانيين المدعومين من النّاتو من جهة أخرى.
إذا انتصر الأوكرانيون، ستكون ضربةً قاسيةً لروسيا. إذا انتصرت
روسيا، ستقضي على حلف النّاتو. لم يعد بإمكان أيّ أحدٍ أن يتراجع. بذلك، أصبحت كلّ
الوسائل قابلة للاستعمال.
هبّ حلفاء البنديريين القدماء من الجامعة العالمية المعادية
للشّيوعية وكتلة القوميات المعادية للبلشفية إلى النّجدة، مثلاً عبر إرسال ٣٠٠٠
عضوٍ من الذّئاب الرّمادية التّركية إلى القتال .
حتّى مع استبدال هاتين المجموعتين بمجملهما بِمنظّمة سنتوريا
السّرّيّة، بقيت الصّلات الأيديولوجية المعادية للرّوس وروح التّآخي النّاتجة عن
عمليّات الحرب الباردة السّرّيّة. خلال الحرب على سوريا، شهدنا بشكلٍ مشابهٍ
الصّلات الّتي تنامت بين الجهاديّين من جميع الجنسيات خلال معاركهم السّابقة تحت
إمرة وكالة الاستخبارات المركزية، في أفغانستان وبالبوسنة والهرسك والشّيشان
وكوسوفو.
يبدو اليوم أنّ الإتّجاه هو نحو إطالة مدّة هذه الحرب وتفاقمها.
بذلك، تواصل هذه الشّبكات تعبئتها. مثلاً، حتّى السّاعة، لم يُنادى أيّ مقاتل
آسيوي إلى المعركة، بينما كان تشيانغ كاي تشيك كان قد قدّم مساعدة كبيرة للجامعة
العالمية ضدّ الشيوعية في السّابق، وصولاً إلى السّماح لأكاديمية كوادر الحرب
السّياسية (التّابعة للبنديريّ ياروسلاف ستيتسكو) بالتّمركز في تايوان. كانت هذه
المدرسة نظيرة مركز فورت براغ للحرب النّفسية (في الولايات المتحدة الأمريكية) والمدرسة
الأمريكية في باناما، بما يشمل حصص تعليم أساليب التّعذيب. من الممكن لحاكم مدينة
نيكولاييف، فيتالي كيم، من أصول كوريو- ساارامية (أي من كوريّي الإتحاد
السّوفياتي)، أن يتّصل بخلفاء ديكتاتور كوريا الجنوبية، بارك تشونغ هيي.
تغيّرت طبيعة الجامعة بشكلٍ جذريٍ عام ١٩٨٣، بناءً على نصائح
السّتراوسي إدوارد لوتفاك . تغيّر اسمها عند انهيار الإتّحاد السوفيتي، لتصبح
"الجامعة العالمية للحرّيّة والديمقراطية. آخر اجتماعٍ لها كان في ٢٣ و٢٤
كانون الثاني ٢٠٢٢، قي تايوان، برئاسة ياو إنغ تشي، أحد أهمّ مسؤولي الكيومنتانغ.
تحظى الجامعة بصفة استشارية في منظّمة الأُمم المُتّحدة وبمكتبٍ في أماكن عمل
المنظّمة. ما زالت الجامعة تتلقّى تمويلاً يقارب المليون دولار سنوياً، من تايوان.
أمّا نشاطها فهو محميٌّ بصفته سرّاً رسميّاً بالنّسبة لحكومة تايوان.
لما نموت بينما يمكن لنا أن نستثمر آلام الآخرين؟
إذا كان خلفاء الميليشيات الفاشية حول العالم قد التحقوا
بالبنديريّين، بدعمٍ من وكالة الاستخبارات المركزية، فإنّ النّاتو يبقى على
الحياد. يتعلّق الأمر بتجنّب معركة مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وهُما
قوّتَين نوويّتَين.
بذلك، جمع البنتاغون حلفاءه، في ٢٦ نيسان ٢٠٢٢، في قاعدة رامستاين
في ألمانيا، ليجبر ٤٣ منهم إلى إعطاء أسلحة للأوكرانيين. بما أنّ الميليشيات
البنديريّة، بحسب حكومة زلنسكي، كانت تشكّل ثلث القوات المسلحة الأوكرانية، سيذهب
ثلث العتاد إلى النّيونازيّين. جميع الدّول الّتي تملك أجهزة مخابراتٍ فعّالةٍ
تعلم ذلك، ولكنّ خضوعها الكامل لواشنطن أدّى إلى أنّ إسرائيل وحدها تجرّأت على رفض
المشاركة في الاجتماع. يبقى أنّ تأثير واشنطن لم يعد كما كان: سابقاً كان
الأمريكيون قد تمكّنوا من إقناع ٦٦ دولة بدعم الجهاديين عسكرياً ضدّ سوريا. تمثّل
هذه الدّول ثلث أعضاء منظّمة الأُمم المُتّحدة، ولكن فقط عُشر عدد السّكان حول
العالم. يمكن إذاً أن نرى تناقص قوّة واشنطن.
يبقى أنّ قافلات الأسلحة النّاتجة عن الاجتماع جعلت من غير
الضّروري أن يهاجم الجيش الأوكراني جمهورية الدّنيستر المولدوفية (ترانسنيستريا)،
الّتي تأوي أكبر مستودعٍ للسّلاح في القارّة الأوروبية.
في ٢٩ نيسان، تحصّلت واشنطن من الكونغرس غلى اعتمادٍ إضافيٍ بقيمة
٣٣ مليار دولار لتسليح أوكرانيا، لتُصبح هذه الأخيرة الدّولة الحادية عشر عالمياً
من حيث الميزانية العسكرية.
بعد شهرين من القتال، اصطفت القوات السّياسية الأمريكية وراء حرب
السّتراوسيّين، طامعةً بما يمكن لها أن تستفيد من هذا الموقف. لكي تعود إلى مركز
الهيمنة العُظمى، الولايات المُتّحدة تحاول أن تقسم العالم كما فعلت في بداية
الحرب العالمية الثانية. في ١٩٣٩، لم يكن الأمريكيون قد خرجوا بعد من أزمة ١٩٢٩،
وكانت نيو يورك تقبع بعيداً عن غريمتها بوينوس آيرس. من هنا جاءت الفكرة العبقرية:
دفع الأوروبيين إلى التّقاتل باستخدام الأسلحة المُصنّعة بالجملة مقابل ثرواتهم
الذّهبية. لم تدخل واشنطن الحرب إلّا عام ١٩٤٢، بشكلٍ خفيفٍ جدّاً. لهذا السّبب
حصدت الحرب أرواح ٥٥ مليون شخص، ولكن لم يبلغ عدد الأمريكيين بينهم أكثر من ٢٠٠
ألف. تحقّقت الفكرة عبر استخدام عقود الإيجار التّمويلي. عند انتهاء الحرب جاء وقت
الحساب. تخلّت بريطانيا قسراً عن إمبراطوريتها، بينما توزّعت ديون السوفيت على ٦٠
عام، ولم يتمّ تسديدها قبل أن يقوم فلاديمير بوتين بذلك.
إذاً، من المتوقّع أن يتبنّى الكونغرس "قانون الإيجار
التّمويلي للدّفاع عن الديمقراطية في أوكرانيا" بشكلٍ عاجل، بعد أن صدّق عليه
مجلس الشّيوخ (س. ٣٥٢٢). على الصّعيد الاقتصادي، ما زالت الحرب العالمية الثانية
تستمرّ .
ما يتمّ تطبيقه هنا هو "عقيدة وولفويتز" الّتي تعود لعام ١٩٩٠: يجب منع
قيام أيّ غريمٍ للولايات المُتّحدة بأيّ وسيلة لازمة، خصوصاً الإتّحاد الأوروبي.
إذا كانت هذه العقود تشكّل استثماراً اقتصادياً ممتازاً وترشيداً
لوجستياً، فإنّها من منظورٍ عسكريٍ تبقى تبذيراً: يستلزم استخدام معظم الأسلحة
فترة تدريبٍ طويلةٍ وغير متوفّرةٍ للجنود الأوكرانيين، الّذين لن يتمكّنوا من
استخدامها على المدى القريب. بالإضافة إلى ذلك، لكي يتمّ استخدام الأسلحة، يجب أن
تصل أوّلاً إلى جبهات القتال، وهو أمرٌ غير ممكن، لأنّ محطّات القطار الكهربائية
مُدَمّرة والقاطرات الأوروبية (الّتي تعمل على المازوت) غير قادرة على السّير فوق
السّكك الحديدية المبنيّة على المواصفات الأوكرانية والرّوسية. أضف إلى كلّ ذلك
أنّ سكك الحديد الأوكرانية بمجملها قد دُمِّرت.
بالنّظر إلى فساد الرّئيس زلنسكي، يسهل توقّع أنّ استحالة استخدام
هذه الأسلحة ستؤدّي إلى إعادة بيعها في السّوق السّوداء. سنرى العتاد في ساحات
قتالٍ أخرى، بين أيدي منظّماتٍ عسكريّةٍ غير دولية. خلال شهرين، تمكّن هذا المهرّج
من اختلاس المئات من ملايين الدّولارات، بينما يواصل شعبه مُعاناته. تزداد مُعاناة
شعبه.
لن تنجح إستراتيجية الولايات المُتّحدة الهادفة إلى إعادتها إلى
رأس الهرم الدّولي ما لم تتّسع الحرب لتشمل الغرب. أنا لا أتحدّث هنا عن العمليات
العسكرية الحتميّة ضدّ ترانسنيستريا ، بل عن التّبعات الاقتصادية الّتي يتحمّلها
أعضاء الإتحاد الأوروبي.
حتّى السّاعة، فقط البولّنديون والبلغاريّون رفضوا أن يدفعوا ثمن
الغاز الرّوسي بالرّوبل، وحُرِموا بذلك من الإمداد. جميع الأعضاء الآخرون قبلوا
بالدّفع باستخدام الرّوبل، ولكن ليس عبر غازبروم مباشرة، بل مروراً بوسطاء
مصرفيّين. لا تأثير للعنتريّات البولّندية الّتي تتحدّث عن تبديلٍ في مصادر
الإمداد: ستستورد وارسو الغاز الرّوسي من دولٍ أوروبيةٍ أخرى قبلت باستخدام
الرّوبل. الفارق الوحيد هو اضطرار وارسو إلى المرور بالمزيد من الوسطاء ودفع
أتعابهم.
عبر الانصياع لأمر عرّابهم الأمريكي، يمكن للأوروبيّين أن يتوقّعوا
انهياراً لمستوى المعيشة، ثمّ خسارة كلّ ما يملكون من ثروات. لا يبدو أنّ أحداً
يكترث.
نحو تقسيم أوكرانيا
حتّى السّاعة، ما زالت العمليات الرّوسية محدودة حصراً بتدمير
البُنى التّحتية العسكرية الهائلة في أوكرانيا، الّتي لا يعلم الغربيّون عنها
شيئا. لم تبدأ المرحلة المُتحرّكة من الحرب بعد. بعد شهورٍ من القصف، من المُفترض
أن تبدأ في الصّيف وأن تكون سريعة. سيعرض الجيش الرّوسي بعد ذلك على السّكان
المقتنعين بالعقائد البنديريّة أن ينتقلوا إلى ما يتبقّى من أوكرانيا.
أيقظت الحرب شهوات قديمة عند جيران أوكرانيا. بعد أن فكّرت بضمّ
منطقة كالينينغراد في الشّهر الماضي، تدرس بولّندا إمكانية احتلال غرب أوكرانيا.
في فترة ما بين الحربين، كان قد سبق لبولّندا أن احتلّت منطقة غاليسيا هذه، عند
انهيار إمبراطورية النّمسا والمجر. الفكرة اليوم هي إرسال قوّات "لحفظ
السّلام" وإبقائها. يبقى أنّ الحرب بين بولّندا وأوكرانيا تركت ذكريات سيئة
بين الشّعبَين، وفي هذا الإطار تحديداً ظهر البنديريون: ستيبان بنديرا كان قد أمر
باغتيال وزير الدّاخلية البولّندي برانيسلاف بييراشكي. يدّعي البنديريون أنّ
اغتيال هذه الأخير كان انتقاماً للقمع الواقع على حزبهم، ولكنّ الحقيقة هي أنّ
بنديرا كان قد انضمّ إلى الغيستابو النّازية وحضّر للهجوم النّازي على بولّندا.
حتّى السّاعة، تحافظ رومانيا على صمتها، ولكنّها تُمركِز قوّاتها.
عندما تتّسع الحرب لتشمل ترانسنيستريا، لن تتأخّر في الطّعن بوجود ترانسنيستريا
ومولدوفا سويّاً، بعد أن كانتا جزءاً من رومانيا في القرن العشرين. تطمع المجر في
ترانسكارباثيا الأوكرانية، الّتي خسرتها عند انهيار إمبراطورية النّمسا والمجر.
تتعرّض أكثرية السّكان المجريّة للتمييز العنصري من قِبل الحكومات الأوكرانية عُقب
"ثورة الكرامة" (انقلاب ٢٠١٤). مثل اللّغة الرّوسية، اللّغة المجرية
ممنوعة. اليوم، تحظى ترانسكارباثيا بالسّلام: القوات الرّوسية لم تهاجمها، وتلتجأ
فيها المعارضة الأوكرانية. أمّا سلوفاكيا، فهي لا تبحث عن أكثر من بعض الضّيع.
أما روسيا، الّتي لم تعلن عن أهداف حربية أبعد من الاعتراف
باِستقلال القرم (الّتي انضمّت بعد ذلك إلى روسيا) وجمهوريّتي دونيتسك ولوغانسك،
فقد أعلنت في ٢٤ آذار أنّها تعتزم ضمّ جنوب أوكرانيا بأكمله لتصل ترانسنيستريا،
القرم، والدّونباس ببعضهم البعض.
بعد هذا التّقسيم البولّندي-الرّوماني-المجري-الرّوسي، من المتفرض
أن تخسر أوكرانيا نصف أراضيها.
مبادرة إيجابية نادرة
في ٢٦ نيسان، توجّه الأمين العام لمنظّمة الأمم المُتّحدة إلى الكرملين،
حاملاً اقتراحَين:
وضع لجنة مُشتركة بين الأمم المتّحدة، روسيا، وأوكرانيا، للتّنسيق
في مجال الجهود الإنسانية؛
تأمين ممرّ، بمساعدة طاقم الأمم المتّحدة والصّليب الأحمر الدّولي،
لخروج المدنيّين الّذين يودّون ذلك من مصنع أزوفستال في ماريوبول.
حتّى السّاعة، يقترح الأوكرانيون ممرّات إنسانية نحو مولدوفا
وبولّندا، بينما يقترح الرّوس ممرّات نحو روسيا البيضاء وروسيا (علماً أنّ
البنديريّين سيتمّ إيقافهم ومحاكمتهم في هذه الحالة). لم يتمّ التّوصّل إلى أيّ
اتّفاق.
فيما يخصّ أزوفستال، ما زلنا نجهل إذا كان أيّ مدنيّين يلتجؤون
هناك. أمّن الجيش الرّوسي ممرّاً استخدمه ١٣٠٠ جندي للاستسلام، دون أيّ مدنيّين.
أكّد سجناء حرب أوكرانيين تواجد مدنيّين بصفة دروعٍ بشريةٍ للبنديريّين، وهو أمرٌ
تنكره كييف. تؤكّد شخصية سياسية تركية مؤيّدة لفكرة التّحالف مع الصّين وروسيا عنوة
عن الولايات المتّحدة، دوغو بيرنشيك، أنّ ٥٠ ضابطاً فرنسياً ما زالوا عالقين في
المصنع، دون إمكانية للتّأكّد من الإدّعاء . طلبت روسيا من الأمم المتّحدة أن تتأكّد من ظروف
احتجاز المسجونين الأوكرانيين، وهو أمرٌ لم يحصل. بالنّسبة لموسكو، كانت أهمّية
ذلك تكمن في اشتراط ظروف مماثلة لمعاملة الأسرى الرّوس عند الأوكرانيين. تنتشر
مقاطع فيديو عديدة تظهر فيها حالات تعذيب وإساءة معاملة يتعرّض الأسرى الرّوس لها.
قبل أن يبدأ الحديث حتّى، ذكّر الرّئيس بوتين علنياً بموقف بلاده:
ترفض روسيا القواعد الّتي يضعها الغربيّون، وتشترط احترام ميثاق الأُمم المُتّحدة
(وهو موضوع اقتراح معاهدة ثنائية لضمان السّلام بين روسيا والولايات المتحدة، في
١٧ كانون الأول ٢٠٢١ ).
عندها، شرح الأمين العام أنّ، بنظر الرّأي العام، يمنع ميثاق الأمم
المتحدة اجتياح دولة ذات سيادة. أجابه الرّئيس الرّوسي بتوفّر حالة استثنائية:
أعلنت أوكرانيا جهراً أنّها لن تطبّق اتّفاقات مينسك المُصدّق عليها في مجلس
الأمن، وأنّها هاجمت أبناء شعبها في الدّونباس باستخدام الأسلحة الثّقيلة. بعد
ثمانية أعوام من المقاومة، اختار سكّان المنطقة، عبر استفتاء، استقلالهم، وطلبت
حكومتا الدّولتين المستقلّتَين النّجدة من روسيا، وهو ما فعلته هذه الأخيرة بموجب
المادّة ٥١ من الميثاق.
أشار الرّئيس بوتين بعد ذلك إلى قرار محكمة العدل الدولية المتعلّق
باستقلال كوسوفو. كانت المحكمة قد أعلنت أنّ حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها لا
يستلزم قبول السّلطة المركزيّة الّتي كانوا يخضعون لها قبل ذلك، وهو أمر لا يطعن
به أحد. في كوسوفو، كان مجلس النّواب قد أعلن الاستقلال، أمّا في الدّونباس، فقد
تمّ ذلك مباشرةً، عبر طريقة الاستفتاء الشّعبي.
عند انتهاء النّقاش، اتفقت الأمم المتّحدة والصّليب الأحمر الدّولي
مع روسيا على وضع هيكليّة لإخلاء المدنيّين من مصنع ازوفستال في ماريوبول.
البروباغاندا الحربية
الحرب تستمرّ. تصدمنا ملاحظة انّ كلّ طرفٍ يخاطب جمهوراً مختلفاً
ويستخدم وسائل مختلفة.
تبحث لندن وواشنطن عن إقناع الغربيّين بسرديّتهم، ولا يخاطبون
الأوكرانيّين أو الرّوس. عبر التّكرار، يفرض الأنغلوساكسون وجهة نظرهم، ثمّ
ينتقلون إلى أمورٍ أخرى. يركّز الأنغلوساكسون على التّقليل تقليل حجم وأهمّية
تواجد النّيونازيّين الاوكرانيين ، على اختلاق رواياتٍ مُحرّكة للمشاعر ، وعلى
استنكار جرائمٍ يتّهمون الرّوس بِارتكابها.
مثلاً، أكّد الأنغلوساكسون أنّ الجيش الرّوسي ارتكب مجزرةً بحقّ
مدنيّين في بوتشا. تطرّق قادتهم إلى احتمال وجود "إبادة جماعية"، وهو
أخطر جرمٍ يمكن متابعته قضائياً. فسّر خبراؤهم أنّ الضّحايا قد تمّ قتلها باستخدام
الرّشّاشات. ولكن عندما أكّد خبراءٌ قانونيّون استحالة وجود هذه الفرضيّة ، أغلقت
كييف الحديث عبر إدانتها ١٠ جنودٍ روس، دون أن نعلم كيف تمكّنت من تحديد هويّاتهم.
تركّز البروباغاندا الأوكرانية على هدفين: اختلاق الانتصارات العسكرية
الّتي تتناقلها وسائل الإعلام الغربيّة قبل أن يتمّ تكذيبها، وتلفيق جرائم وحشية
يُتّهم الجيش الرّوسي بِارتكابها، قبل أن يتمّ تكذيبها ايضاً.
من جهتها، تعتبر موسكو ان الغربيّين هم أُناسٌ لا يريدون أن يروا
الحقيقة، ولا يمكن لها إذاً أن يغيّروا آراءهم دون أن يُهزَموا. بذلك، لا تُخاطب
موسكو غير الرّوس والأوكرانيين، الّذين تعتبرهم ذوي نيّة حسنة تلاعب بها
البنديريّون لِخداعهم. عنوة عن التّعليق على الأحداث الحالية، تفتح موسكو أرشيفها
العسكري لتُظهر أنّ البنديريّين لم يكن عندهم أيّة مشكلة في اغتيال أو حتّى تعذيب
الأوكرانيّين الآخرين. خصوصاً، يؤكد الأرشيف أنّ البنديريّين لم يقاتلوا
النّازيّين يوماً، على الإطلاق. بذلك، تقلب موسكو التّاريخ الرّسمي الأوكراني بحسب
ويكيبيديا ومنظّمة القوميّين الأوكرزنيّين (ب)، الّذي يدّعي أنّ البنديريّين
قاتلوا النّازيّين والسوفيت دون. لا ينقل الإعلام الغربي هذه الاكتشافات الّتي
تجبره على تعديل نظرته للبنديريّين. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر مستندات ألمانية
كشفتها موسكو أنّ النّظام النّازي والأوكرانيّين وضعوا سويّاً خطّة لإبادة سكّان
الدّونباس. هذه الخطّة، الّتي لم تتسنح الفرصة لتنفيذها خلال الحرب العالمية
الثانية، دخلت حيّز التّطبيق علي يد بنديريّي كييف منذ ٢٠١٤.
0 تعليقات