فى الفترة من 28 إلى
30 يونيو يوف يجتمع حلف شمال الاطلنطى (الناتو)
في مدريد لمناقشة المفهوم الاستراتيجي الجديد الذي سيسلط الضوء على التحديات
الأمنية التي يواجهها الحلف وسيضع إجراءات لمواجهتها.
ويتصدر
جدول أعماله بطبيعة الحال الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته، بما في ذلك محاولات
السويد وفنلندا للانضمام إلى الناتو.
ومع زعزعة الغزو
الروسي للوضع الأمني في أوروبا، سعت السويد وفنلندا إلى التقدم بطلب للانضمام إلى
حلف الناتو. ورحّب معظم أعضاء الحلف بهذه الخطوة وتوقع الأمين العام ينس ستولتنبرغ
بتفاؤل عملية انضمام سريعة. ووفقًا للرئيس الفنلندي نينيستو، وأوضحت تركيا أيضًا
منذ بداية أيار/مايو أنها لن تعارض الطلبين. ولكن هذا السيناريو تغيّر بحلول نهاية
الشهر عندما انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العملية بإعلان معارضته لانضمام
البلدين إلى حلف الناتو.
واتهم أردوغان دولتيْ
الشمال الأوروبي بأنهما "موطن الإرهابيين" وطالب السويد بتسليم أعضاء "حزب
العمال الكردستاني" والسماح بتصدير الأسلحة إلى تركيا، من بين شروط أخرى كيلا
تستخدم تركيا حق النقض ضد عضوية السويد وفنلندا.
قضية محتدمة
شكلت القضية الكردية
موضع خلاف بين السويد وتركيا منذ عدة سنوات. ويشكّل المغتربون الأكراد في السويد
مجتمعًا كبيرًا (يتراوح عددهم بحسب التقديرات بين 100 و150 ألف)، وهم مجموعة
مندمجة جيدًا في المجتمع السويدي ونشطة سياسيًّا. ويضمّ البرلمان السويدي حاليًا
ستة أعضاء أكراد.
وفي المقابل، تنفي
السويد اتهامات تركيا بإيواء إرهابيين أكراد ودعم "حزب العمال الكردستاني"
على نحو نشط. وفي الواقع، تؤكد السويد أنها صنّفت "حزب العمال الكردستاني"
كمجموعة إرهابية في عام 1984، وهي الدولة الثانية التي فعلت ذلك بعد تركيا نفسها.
كل ما فعلته السويد
هو إظهار الدعم لـ "وحدات حماية الشعب" السوري وذراعها السياسي "اتحاد
الحزب الديمقراطي" في شمال شرق سوريا، وتعتبر تركيا التنظيميْن تابعيْن لـ "حزب
العمال الكردستاني". ولا تميّز تركيا بين هذه الجماعات، كما أن دعم السويد
المفتوح للجماعات الكردية باستثناء "حزب العمال الكردستاني" وانتقادها
للحكومة التركية الاستبدادية يزعج أنقرة.
ومع ذلك، يتمثل السبب
الأكثر ترجيحًا للغضب الذي كنّته أنقرة مؤخرًا تجاه السويد في الصفقة التي أبرمتها
حكومة الأقلية الديمقراطية الاجتماعية الحاكمة والنائبة المستقلة (والكردية
الإيرانية) أمينة كاكابافيه في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 لتشكيل حكومة. ويعني
الاتفاق بين الاشتراكيين الديمقراطيين وكاكابافيه أن الحكومة عمّقت تعاونها مع
الأكراد في شمال سوريا. وتعتمد الحكومة السويدية الحالية على تصويت كاكابافيه
للحصول على الأغلبية بمقعد الواحد في البرلمان. وفي الآونة الأخيرة، رحّبت السويد
برئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي"، صالح مسلم، الذي أجرى التلفزيون
الحكومي السويدي مقابلة معه والتُقطت له صورة مع وزيرة الخارجية السويدية آن
ليندي، وكاكابافيه، ورئيسة الجناح النسائي في "وحدات حماية الشعب" نسرين
عبد الله. وعلى نحو مماثل، لطالما انتقدت كاكابافيه بشدة الرئيس أردوغان وطالبت
باستقلال الأكراد في الشرق الأوسط، ما أثار استياء تركيا.
وتحاول الحكومة
السويدية جاهدة التعامل مع الضغط الذي تمارسه تركيا بالإضافة إلى احتياجاتها
السياسية المحلية، لأنها لم تمر بموقف مماثل من قبل. وحظي طلبها من حلف الناتو
بتأييد واسع النطاق في البرلمان، وجرت المصادقة عليه في تصويت سابق.
ومن ناحية أخرى، إن
دعم التطلعات الكردية للاستقلال مترسخ في السويد مع اقتراب موعد الانتخابات
البرلمانية في أيلول/سبتمبر ولن يصب تراجع الحكومة السويدية عن اتفاقها مع
كاكابافيه كوسيلة لتأمين عضويتها في الناتو في صالحها. ويتزامن الأسبوع الذي يلي
عطلة نهاية الأسبوع في منتصف الصيف (25-26 حزيران/يونيو) مع البداية التقليدية
لموسم الانتخابات إذ تستعد البلاد للانتخابات العامة في وقت لاحق من هذا العام. ويشكّل
هذا سببًا آخر لعدم رغبة الحكومة الحالية في إزعاج أمينة كاكابافيه، التي قد تقوّض
عضوية السويد في حلف الناتو وتخلق بلبلة سياسية غير مرغوب فيها قبل الانتخابات
مباشرة. ويبدو أن روسيا تؤثر في موقف أنقرة، ما يزيد من تدهور شعبيتها المنخفضة
داخل السويد ويجعل فكرة رضوخ ستوكهولم لمطالب تركيا خطوة من غير المرجح أن تحظى
بدعم شعبي.
إن التنبؤ بكيفية
تعامل أردوغان مع هذا الوضع ليس بالأمر السهل.
وسيعتمد الكثير أيضًا
على كيفية تعامل السويد مع المفاوضات مع أنقرة. تدرك حاليًّا رئيسة الوزراء
ماغدالينا أندرسون الطبيعة الحساسة للقضية ويجري التعامل مع المفاوضات مباشرة من
مكتب رئيسة الوزراء بدلًا من وزارة الخارجية وعلى رأسها الوزيرة ليندي التي لا
تحظى بشعبية في تركيا بسبب تصريحاتها غير الدبلوماسية.
ويمكن أن ينبثق عن
الوضع الحالي سيناريوهان محتملان ومتساويان من حيث احتمال حصولهما. ويقوم
السيناريو الأول على مفاوضات صعبة تجريها تركيا حتى تاريخ التصويت الفعلي في
اجتماع حلف الناتو (إما في القمة القادمة أو لاحقًا) وتمتنع مع ذلك عن استخدام حق
النقض. وعلى الرغم من التوترات الحالية، يجمع بين البلدين تاريخ طويل من العلاقات
الودية، فكانت السويد الدولة الاسكندنافية الأولى التي اعترفت بالجمهورية التركية
في عام 1924 وطالبت بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ويمكن للبلدين الاعتماد على
هذه العلاقات لحل المشكلة من خلال اللجوء إلى بعض المهارات الدبلوماسية.
ومن ناحية أخرى، قد
تستخدم تركيا بالفعل حق النقض ضد منح العضوية للسويد وتواصل المطالبة بتنازلات،
مثل تسليم الأفراد وحظر المواقع الإلكترونية والمنظمات المرتبطة بـ "حركة
غولن" النشطة في السويد وإغلاقها. ويرى معظم الأتراك أن السويد مؤيدة لـ "حزب
العمال الكردستاني" ويدعمون بالتالي موقف الحكومة التركية ضد السويد. وحتى مع
هذه الخطوة، قد تنضم السويد في النهاية إلى حلف شمال الأطلسي، ولكن الأمر سيستغرق
وقتًا أطول ولن يحدث إلا بعد الانتخابات البرلمانية في أيلول/سبتمبر على أقرب
تقدير. وبعد ذلك، قد يكون للسويد برلمان أقل هشاشة ويمكنها متابعة المفاوضات مع
تركيا بمرونة أكبر. قد يساعد ذلك في تلطيف الأجواء والتركيز على أشياء مثل التجارة
التي ترغبها تركيا.
نظرًا إلى الدعم
الهائل التي قدّمته البلدان المجاورة للسويد في الشمال الأوروبي والبلطيق لعضويتها
في حلف شمال الأطلسي، ستحصل على الأرجح السويد وفنلندا على العضوية في النهاية على
الرغم من العقبة غير المتوقعة. ولكن بسبب التوترات الحالية، لن يحصل على الأرجح
البلدان على العضوية في الوقت نفسه أو في غضون الإطار الزمني المتوقع. ونظرًا
لتصاعد الضغط الداخلي على الرئيس أردوغان نتيجة الانتخابات المقرر عقدها في تركيا
العام المقبل، ربما يكون من مصلحته السعي لحل أي نزاعات قائمة مع أعضاء حلف شمال
الأطلسي الآخرين قبل إجراء تلك الانتخابات. ومن ثم، فإن عدم اعتراض أردوغان على
عضوية السويد في حلف شمال الأطلنطي يمكن أن يساعد على تسهيل العلاقات مع الحلف
خاصة عندما تكون العلاقات مشحونة بالفعل نتيجة العلاقات التركية مع موسكو وسط
الحرب الجارية في أوكرانيا.
0 تعليقات