خالد عكاشة
مشروع صحفي استقصائي
عابر للحدود، يبدو أنه يحمل في طياته نذر لعواصف عدة ستضرب في أماكن عديدة وبلدان
مختلفة حول العالم شرقا وغربا، المشروع الذي يشارك فيه 180 صحافيا من 44 مؤسسة إعلامية
في 29 دولة، أسمه "وثائق أوبر" ويستند على أكثر من (124 ألف وثيقة) مسربة
(بينها 83 ألف بريد إلكتروني) تغطي الفترة ما بين عامي 2013 و2017. يبدو الأمر بدأ
من جريدة "الجارديان" البريطانية ومن ثم تشاركته مع الاتحاد الدولي
للصحافيين الاستقصائيين
(ICIJ)، من هؤلاء
بدأ ينتشر وعبر عديد الشركاء والمواقع الصحفية صار يدق أبواب ويطرح تساؤلات،
الكثير منها مزعج، خاصة وللأمر ارتباط بالنخب الحاكمة في البلدان التي جاء ذكرها
في الوثائق مع شركة النقل "الاحتكارية" العابرة للحدود.
شركة "أوبر"
تأسست في مدينة "سان فرانسيسكو" بالولايات المتحدة عام 2009، كشركة
ناشئة لتكنولوجيا المعلومات متعددة الجنسيات، اعتبر نشاطها الأولي هو استخدام
تقنياتها في مشاركة التنقل نظير مقابل، خرجت للنور تحت مسمى (Uber Cab) وقضى
مؤسسوها جارت كامب وترافيس كالانيك وآخرين العام الأول في تصميم النموذج الشهير
للشركة، الذي جرى العمل عليه لاحقا اعتبارا من فبراير 2010. بعد التقدم بـ"أول
الشكاوى" من قبل مشغلي سيارات الأجرة في سان فرانسيسكو، اضطرت الشركة إلى
تغيير اسمها إلى (Uber) فقط وبدأت السماح للمستخدمين باستخدام سيارات
سوداء فاخرة، وكانت القيمة في البداية تقدر بمرة ونصف سعر سيارات الأجرة العاملة. ومن
سان فرانسيسكو انتقلت في إبريل 2012 إلى "شيكاغو"، التي شهدت انتقال
الشركة في يوليو من العام نفسه إلى (أوبر X) وهو الخيار
الأرخص والأوسع انتشارا، الذي مكن المستخدمين من طلب سيارة عادية يقودها سائق أوبر
وبأسعار تنافسية.
في ديسمبر من العام 2013
اختارت الصحيفة الأمريكية الأشهر
(USA TODAY) شركة أوبر،
باعتبارها شركة التكنولوجيا لهذا العام. بعد أن بدأ خلال هذا العام السماح للأشخاص
بقيادة سيارات أوبر باستخدام مركبات غير فاخرة، بما في ذلك سياراتهم الشخصية،
والتي تخضع لإجراءات فحص ومتطلبات التسجيل، مع تمتعها وسائقيها بمعايير خاصة تضمن
تقديم خدمة أفضل من سيارات الأجرة العادية، وبأسعار منافسة جعلها في منتصف عام 2013
تعمل في 35 مدينة بنجاح لافت. ومن مدن الولايات المتحدة إلى دول العالم المختلفة
شهد عام 2014 تمدد طال قارات العالم جميعها، خاصة بعد إطلاقها لـ (Uber Eats) المختص بخدمة توصيل الطعام والذي شهد نجاح كبير، حيث
ساهم مع خدمات أخرى في الأعوام التالية لانتقال الشركة إلى مرحلة متقدمة من
الشراكات والاستحوذات في كثير من البلدان. على سبيل المثال حمل الدمج المثير
لخدمات أوبر مع "ياندكس تاكسي" في كلا من روسيا وبيلاروسيا وأرمينيا
وأذربيجان وجورجيا وكازخستان، نمو استثماري للشركة بلغ حجمه (ربع بليون دولار) في
هذا التحالف وحده. كما لم ينس مجتمع الأعمال الدولي؛ صفقة استحواذ أوبر على شركة (كريم)
عام 2020 في صفقة لفتت الأنظار، حين قدرت قيمتها بـ"3.1 مليار دولار" كأكبر
عملية استحواذ تقوم بها منذ تأسيسها.
لكن خلف ستار سنوات
الصعود الصاروخي، كان على الشركة التي وصف نشاطها بـ"الاحتكاري"، أن
تبني شبكة علاقات معقدة مع السلطات الحاكمة، كي تتصدى للاحتجاجات التي واجهت عملها
في معظم دول العالم، وهو ما مكنها من ممارسة الضغوط لسن تشريعات لمصلحتها، أو في
بعض الأحيان تجاوز "قوانين الحماية" التي كان يتمتع بها سائقو سيارات
الأجرة قبل ولادة الشركة العملاقة. وعن تلك النقطة ذهب التحقيق الاستقصائي إلى
الوصول لمنطقة صناعة
(Lobbing) لصالح شركة أوبر،
مكنتها من الوصول إلى أعلى المستويات في السلطة داخل البلدان الأكثر أهمية بالنسبة
لنشاطها الاستثماري. ووصل التحقيق الاستقصائي الذي نشرته الجارديان البريطانية إلى
مجموعة دالة من أرقام إنفاق الشركة في هذا المسار، منها ما يزيد على (11 مليون
دولار) في الولايات المتحدة خلال أعوام (2014 ـ 2020)، ونحو (3 مليون ونصف مليون
دولار) في فرنسا
للفترة من (2017 ـ 2021)، كما
بلغ حجم الانفاق في ألمانيا قرابة 125 ألف دولار لعام 2021 وحده. الوثائق تحمل ما
هو أكثر من مجرد الأموال؛ فهناك كشف عن أكثر من (100 لقاء) بين المديرين
التنفيذيين في شركة أوبر و"مسؤولين حكوميين" في الفترة من 2014 إلى 2016،
بما في ذلك (12 لقاء) مع ممثلي "المفوضية الأوروبية" لم يتم الكشف عنها
علنا.
الوثائق تشير في جزء
هام منها إلى أن شركة أوبر سعت مرارا وتكرارا إلى إحباط التحقيقات الجنائية
والتنظيمية، في ولايات قضائية متعددة، من خلال إيجاد طرق تقنية لحجب المعلومات عن
السلطات الرقابية التي داهمت مكاتب أوبر أكثر من مرة. ويبدو أن الشركة المتخصصة في
مجال التكنولوجيا المتقدمة؛ نجحت في هذا المسعى من خلال استخدام ما عرف بـ"مفتاح
القفل" (Kill
Switch)، حيث تبين
أنه اعتبارا من العام 2018 تمكنت الشركة من إغلاق المعدات عن بعد في المكاتب
الخارجية للشركة، لعرقلة كافة مساعي السلطات المحلية للحصول على أي بيانات تدينها،
وقد ثبت بحق الشركة استخدام تقنية الغلق الكامل أكثر من (20 مرة)، لإحباط جهود جمع
المعلومات التي يحتمل أن تكون صحيحة من قبل الضباط المحليين.
مع التنامي الكبير
والاستثنائي للشركة؛ اتجهت إلى تضمين كوادر الإدارة العليا بتعيينات بدت غير
تقليدية، مثل اللجوء للاستعانة بعالم فيزياء نووية، وعالم أعصاب حاسوبي، وخبير في
ديناميكية الآلات، كي يعملوا جميعا على التنبؤ بالطلب على سائقي السيارات
المستأجرة الخاصة، وأين يمكن أن يكون الطلب أعلى على الخدمة. وتذهب الوثائق أيضا
في ذات الاتجاه؛ بكشفها لمنطقة مثيرة للغاية لها علاقة بنمط من "العلاقات
السوقية" التي وظفت كل شيء في خدمة نشاط الشركة المتشعب والنافذ لمناطق لم
تكن مطروقه من قبل. من بين ذلك ما كشف حول تمويل الشركة لأكاديميين من أجل نشر
دراسات داعمة للشركة على صعد مختلفة، فتمدد الشركة السريع في كل أنحاء العالم أفضى
إلى حاجة للدعم من مراكز التفكير أيضا.
هذه تقريبا مقدمة
سريعة وموجزة، في اطلاع أسرع على وثائق بالآلاف لكنها كافية كي ندرك حجم
الاختراقات والمدى الذي وصلت إليه.
0 تعليقات