فلسطين (1)
تمهيد لبحث المشكلة
تقرير مقدم إلى الاتحاد البرلماني الدولي عن هجرة
الجماعات
تأليف جفرى بطرس غالى القاهرة 1947
تمهيد
خير توصيف لقضية
فلسطين، توصف به فى إيجاز، أنها مأساة، يتناسى أهل الرأى فى سياسة العالم كيف
نشأت، فيتعذر عليهم ان يهتدوا إلى حل لها.
والجمهور، فى غير
الشرق، لا يدرى عن قضية فلسطين إلا أن هناك شعبا أصيلا، وهو الشعب الفلسطيني العربى،
يعلن أنه ظلم ولا يزال يظلم، وفى كل يوم يأتى له ظالمة بمضاعفات جديدة، ويصفها
بأنها مسكنات مؤقتة لمعضلة مستعصية الحل.
وهناك مهاجرون يهود،
يقيمون فى فلسطين من نيف وعشر سنوات، يقولون أن البلاد هى بلاد أجدادهم الأبعدين.
فهم إذن أهل البيت. أما الدين ولدوا فيه، واستقروا فيه، بعد آبائهم وأجدادهم وأجداد
أجدادهم، أجيالا بعد أجيال دون انقطاع، فهم فى وطنهم، الذى لا وطن لهم غيره، غرباء
عنه، لأنهم ليسوا بيهود، وما فلسطين الا لليهود. لان اليهود، قبل عهد المسيح، إنما
نشأوا فى فلسطين!!
صح أنهم رحلوا عنها.
فأصبح منهم البريطانى
الصرف، والفرنسى الصرف، والالمانى الصرف، والروسى الصرف، وهكذا. وأصبحوا، فى
البلاد التى رحلوا إليها، من أزمان بعيدة، يعتبرون فيها من المواطنين، يتمتعون،
دون تمييز مجحف بهم، بجيمع الحقوق السياسية والمدنية والاجتماعية التى يتمتع بها
إخوانهم الاخرين، حتى إن كثيرين منهم تولوا فى البلاد التى استقروا فيها رياسة
الوزارة.
إلا أن اليهود، دون
غيرهم من المواطنين، يجب فى نظر الصهيونيين أن يكون لكل فرد منهم، إلى جانب وطنه
السياسى، والذى يشاطره إياه غيره من المواطنين، وطن روحى رمزى فى فلسطين، لان
فلسطين هى أرض الميعاد بالنسبة لليهود. فيجب أن تباح الهجرة إلى فلسطين لكل من رغب
فى ذلك، مهما كانت جنسيته السياسية ولونه القومى، بشرط واحد وهو أن يدين باليهودية
فيؤمن بالصهيونية، وهذا، من الوجهة السياسية، استنادا إلى وثيقة صدرت من جانب
واحد، وهو جانب الحكومة البريطانية، عرفت" بتصريح بلفوز" وسجلت فيما بعد
فى قرار أصدره مجلس " عصبة الأمم" بإثبات انتداب بريطانيا العظمى على
فلسطين، على الوجه الذى سنبينه، بشىء من التفاصيل، فيما يلى:
تسجيل الواقع دون
المساس بأحد
أؤكد للقراء أنى،
فيما أكتب، أسجل الواقع كما هو. ولا ابتغى ان أهين أو أمس أى كائن كان، مهما يكن
دينه أو عنصره.
ولا يغيب عن بالى أن
لدينا فى مصر فريقا من المواطنين الأوفياء،يتبعون الشريعة اليهودية. ولا يقلون
قومية أو وطنية أو مصرية عن غيرهم. ويتمتعون بكافة الحقوق التى جعلتها القوانين
لسائر المواطنين، على اختلاف عقائدهم. ومنهم زملاء لنا أعزاء، أعضاء فى البرلمان
المصرى.
ومنهم موظفون ومحامون
واطباء وتجار ورجال أعمال ومال وعلم .
لا يفكر أى منهم فى
أن يهاجر الى فلسطين، ولا يشعر، فى قرارة نفسه بأنه فلسطينى او صهيونى. وإنما يشعر
بأنه مصرى فحسب .
ولو مهد له الرحيل
إلى فلسطين لاحتج وأبى.
شأنه فى ذلك شأن
اليهود فى بريطانيا العظمى، و فى فرنسا، وفى أمريكا، وفى سويسرا، وفى البلاد
الاسكندنافية، وفى اغلب بلاد العالم فيها من قبل. ولن يرغبوا فيها من بعد .
وسنورد فيما يلى
أرقام الإحصاءات الرسمية لليهود الذين استقروا فى فلسطين، وتبين موطن ميلادهم.
ومنها يتضح أن فلسطين
ليست، فى الواقع، ولم تكن وطنا روحيا، أومنزلا قوميا، لليهود على اختلاف جنسياتهم.
إنما أصبحت مأوى
لليهود المضطهدين فى ألمانيا والنمسا وبولندا وأوروبا الوسطى على الأخص .
فليست المسألة مسألة
هجرة مثالية، عنصرية أو دينية، وليست المسألة إعادة تشييد وكن اندثر.
وإنما الأمر كله يرجع
الى اضطرار أقليات مضطهدة إلى السعى للتخلص من الاضطهاد ورغبتها الدفينة فى
الاستقرار فى بقعة من الأرض تكون فيها أغلبية، بدلا من أن تظل أقلية إلى الأبد.
وإن قدر أن هذه
الغاية مشروعة، فكل السبل المؤدية لها قد يراها المضطر مشروعة.
و كان الصهيونيون لا
يستطيعون تنفيذ غايتهم دون مساعدة الدول التى لها بحكم قوتها ونفوذها، والرأى
الغالب فى تكييف أحوال العالم، فهم يعملون غاية استطاعتهم للتأثير بجميع الوسائل
فى الرأى العام فى تلك الدول، لعله يوجه حكوماتها الى أن تبذل لهم معونتها السياسية
بغيرها لا يتم لهم ما يريدون.
ويعتمد اليهود فى ذلك
كل الاعتماد على الصحافة ووسائل النشر والإذاعة كافة. وقد عرفوا كيف يستغلونها.
فنحن فى الواقع أمام فريقين:
فريق عرب فلسطين، وقضيتهم عادلة إلا ان لا صوت لهم يكاد يسمع فى آوربا وأمريكا،
لان صحافة العالم متألبة عليهم، محشودة فى خدمة أعدائهم.
وفريق اليهود
الراغبين فى تنظيم الهجرة على أوسع صورة. لا حق لهم فى أى شرع كان، الا أنهم
ينفخون فى بوق الصحافة العالمية.
0 تعليقات