آخر الأخبار

القرآن والجماعة المأزومة (7)

 

 




محمود جابر

 

 


مفهوم جديد لجمع القرآن :

 

مما سبق فى الحلقة السابقة والتي أوضحنا فيها أن القرآن جٌمع على عهد النبي، وسقنا روايات متعددة تثبت أن النبي أنجز هذا العمل في حياته، والعديد من المشاهد تثبت ذلك، ومن أهم هذه المواقف ما حدث فى حجة الوداع حين قال تركت فيكم ما ان تمسكتم به، كتاب الله (الحديث) فإحالة الأمة على كتاب الله تعنى إحالتهم على أمر واقع وليس متخيلا أو مأمول الوقوع.

 

وإذاً، فالحكاية التي جاءت بها روايات جمع القرآن وتدوينه في عهد أبي بكر، على يد زيد بن ثابت، باقتراح عمر بن الخطاب، حكاية مصنوعة من أولها إلى آخرها، والأمة الإسلامية لم تجن من تلك الحكاية المزوّرة إلا أُكُلا خمطا، وثمارا مرة عبر تاريخها الطويل!

 

فهي التي جعلت القرآن تحوم حوله الشبهات، وأدّت الأمة الإسلامية إلى فرقة وشتات، وحوّلتهم إلى فرق وأحزاب يكيد بعضها لبعض!

 

والواقع أن أبابكر، وعمر ما فعلا بعد وفاة رسول الله في القرآن شيئا، فإنهما وجداه مجموعا، ومرتبا، ومدوّنا، ومحصّنا على أحسن مايكون، ورسول الله هو الذي أنجز هذا العمل بكل جدّ وحرص، وبكل دقّة وعناية، وما ترك لمن يأتي بعده إلا أن يتعلمه، ويعلّمه، ويبلّغه إلى من لم يبلغه.

 

وماكان على الشيخين بعد ذلك إلا أن يملآ الآفاق بنسخ القرآن الذي تركه رسول الله مرتبا، ومدوّنا فيهم، وقد فعلا ذلك فعلاً، حتى امتلأت بها القرى والمدن، ومابقي بيت من بيوت المسلمين إلا وهو يملك نسخا من القرآن.

 

ومابقيت قرية من قراهم إلا وأقاما فيها مراكز ومدارس يحفّظ فيها القرآن ويعلّم، حتى كان القرآن هو الذي يُسمع صوته، وتُشمّ رائحته، ويُؤنس إشراقه، وبريقه في قرى المسلمين.

 

قال ابن حزم، وكان صادقا، وموفّقا فيما قال:


"مات رسول الله والإسلام قد انتشر وظهر في جميع جزيرة العرب من منقطع البحر المعروف ببحر القلزم مارا إلى سواحل اليمن كلها إلى بحر فارس إلى منقطعه مارا إلى الفرات ثم على ضفة الفرات إلى منقطع الشام إلى بحر القلزم وفي هذه الجزيرة من المدن والقرى ما لا يعرف عدده إلا الله عز و جل كاليمن والبحرين وعمان ونجد وجبلي طي وبلاد مضر وربيعة وقضاعة والطائف ومكة. كلهم قد أسلم وبنوا المساجد ليس منها مدينة ولا قرية ولا حلة لأعراب إلا قد قرأ فيها القرآن في الصلوات وعلمه الصبيان والرجال والنساء وكتب ومات رسول الله والمسلمون كذلك ليس بينهم اختلاف في شيء أصلا بل كلهم أمة واحدة ودين واحد ومقالة واحدة.


ثم ولى أبو بكر سنتين وستة أشهر فغزى فارس والروم وفتح اليمامة وزادت قراءة الناس للقرآن وجمع الناس المصاحف كأبي عمر وعثمان وعلي وزيد وأبي زيد وابن مسعود وسائر الناس في البلاد فلم يبق بلد إلا وفيه المصاحف ثم مات والمسلمون كما كانوا لا اختلاف بينهم في شيء أصلا أمة واحدة ومقالة واحدة ...


ثم مات أبو بكر وولى عمر ففتحت بلاد الفرس طولا وعرضا وفتحت الشام كلها والجزيرة ومصر كلها ولم يبق إلا وبنيت فيه المساجد ونسخت فيه المصاحف وقرأ الأئمة القرآن وعلمه الصبيان في المكاتب شرقا وغربا وبقي كذلك عشرة أعوام وأشهر والمؤمنون كلهم لا اختلاف بينهم في شيء بل ملة واحدة ومقالة واحدة.

 

وإن لم يكن عند المسلمين إذ مات عمر، أكثر من مائة ألف مصحف من مصر إلى العراق إلى الشام إلى اليمن فما بين ذلك، فلم يكن أقلّ.


ثم ولى عثمان فزادت الفتوح واتسع الأمر فلو رام أحد إحصاء مصاحف أهل الإسلام ما قدر وبقي كذلك اثني عشر عاما حتى مات وبموته حصل الاختلاف." (ابن حزم الظاهري، الفصل في الملل والأهواء والنحل: 2/66-67)



نوعيّة ما فعله عثمان في خدمة القرآن

 

إذا عثمان لم يبتدع في القرآن شيئا، ولم يُلغِ منه حرفا. والخلافات التي نجمت قرونها بين المسلمين، والتي وردت بها الروايات، لا تتصل بالقراءات المشروعة من الله، وإنما كان أعداء الإسلام يريدون أن يدسوا في كتاب الله ما ليس منه.

 

وربما جاءوا بقرآن فيه زيادات، وفيه تحريفات، وفيه تقديم و تأخير، وأرادوا أن يروّجوه في أمة الإسلام، فإنهم ماكانوا يحبون أن يبقى لنا قرآننا محفوظا محصّنا، وقد ضيّعوا كتبهم من التوراة والإنجيل!


بالإضافة إلى ماكانت تغلي به صدورهم من العداوة والبغضاء ضدّ المسلمين الذين فتحوا بلادهم، وأزالوا سلطانهم، وهم كانوا يدركون جيدا أن سرّ قوة المسلمين و شوكتهم هو قرآنهم. فإن استطاعوا أن يفسدوا عليهم قرآنهم بالتبديل والتحريف، واستطاعوا أن يشغلوهم، بعضهم ببعض في شأن القرآن، عاد إليهم ماذهب عنهم من ملكهم وسلطانهم.


كانت تلك خطتهم، وكانت خطة رهيبة مدمرة!


وهكذا انتشر في المسلمين قرآنان، قرآن منزل من عندالله، وموافق لما في اللوح المحفوظ، وقرآن فيه تحريف وتصحيف، وتبديل وتضليل!

 

وربما كانت نسخة من القرآن الذي جاء به محمد بن عبدالله، في مقابل نسخ متعددة كثيرة للقرآن المحرّف، أو المفترى !


والجو كان صالحا وملائما لمثل هذه الفتنة، حيث دخلت في الإسلام أفواج وأفواج من العجم، يتلو بعضهم بعضا، وهم كانوا حديثي العهد بالجاهلية، وما ذاقوا طعم الإسلام، وماعرفوا من القرآن إلا اسمه، ورسمه. فما كانوا قادرين على أن يفرقوا بين الغث والسمين، وماكانوا يملكون أن يدركوا ماهو الخالص النقيّ، وماهو المشوب المغشوش، وهكذا دهت المسلمين فتنة عمياء صماء، وهم في غفلة عنها، فما راعهم إلا أن استشرى داؤها، وتفاقم أمرها، وأفزع الصحابة شرها، وأقلق المسلمين خطرها، فكان أن أرسل عثمان بن عفان بمشورة من كبار الصحابة، إلى كل إقليم من أقاليم الإسلام نسخة من القرآن مختومة بختم الدولة، حتى يكون هو الحكم، والمرجع المعتمد في موطن الخلاف!


ما فعله عثمان فعله بمشورة من عامة الصحابة وما لديهم من مصحف محفوظ موحد وواحد فجعل هناك مرجعية للنسخ وللقراءة ولو كان الأمر على خلاف ذلك لكان بين أيدينا الآن مئات النسخ من المصحف كلها مختلفة بعضها عن بعض ولكن الواقع يشد ان أقدم نسخة ورقعة للمصحف لا تختلف عما لدينا اليوم دون خلاف أو اختلاف ....




محمود جابر يكتب: القرآن والجماعة المأزومة (6).. القرآن والتشريع

يتبع

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات