عز الدين البغدادي
فقيهان هامان كبيران أنجبتهما
لبنان في النصف الثاني من القرن الماضي، مثل الرجلان حالتين متقدتين من الوعي
تتفقان في مساحة ليست قليلة وتنفرد كل منهما في أخرى.
يرجع كل منهما الى أسرة
كريمة، فالشيخ محمد مهدي يحمل لقب شمس الدين وهي أسرة ترجع بنسبها الى الفقيه
الشيعي الكبير شمس الدين محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول، والسيد فضل
الله يرجع الى أسرة شريفة معروفة هم آل فضل الله وهي أسرة علوية حسنية عريقة في
جويّا وأصولها من بلدة عيناثا الجنوبية على الشريط الحدودي مع فلسطين. وكلاهما
قضيا شطرا كبيرا وهاما من حياتهما في العراق، نهلا من نمير عذبه، وكان لهما نشاط
في الحركة الإسلامية في العراق في تلك المرحلة والتي كانت متأثرة بحركة الأخوان
المسلمين.
ورغم ان الشيخ محمد
مهدي شمس الدين كان فقيها كبيرا ومتميزا، إلا أنه اختلف في رؤيته السياسية عن فضل
الله.
فقد كان فضل الله
رومانسيا في رؤيته السياسية وأكثر ثورية بحكم المرحلة والتحديات، وهو ما يظهر في
بقاءه قريبا من نظرية "ولاية الفقيه" ولو نظريا. وكان يؤمن أكثر بالقرب
من الجماهير، وكان عدد المصلين في صلاة الجمعة التي يقيمها في مسجد الحسنين يقارب 30
ألف مصلٍّ. بينما كانت رؤية شمس الدين السياسية محافظة وأبعد عن النزعة الثورية وأكثر
منطقية فهو يعرف جيدا قيمة الحدود ويدرك خطر المغامرات السياسية تحت شعار الدين،
لذا آمن بالدولة وحق الأمة في اختيار قيادتها باختيارها الحر.
كلاهما حذر في طرحه
متزن في رؤيته، إلا أن لغة فضل الله اقرب الى النزعة الشعرية، بينما يميل شمس
الدين إلى الرؤية المنطقية بشكل كبير، وربما يظهر هذا الاختلاف في اللغة والمنهج
في كثير من أطروحاتهما.
أبدع فضل الله في
موقفه العقدي والفقهي وكان مفسرا متميزا (من وحي القرآن) ومفكرا هاما (الندوة) فضلا
عن ممارسته العملية الواسعة للعمل الخيري.
كان فضل الله أكثر
شجاعة في نقد الإشكالات العقدية عند الجمهور او الوعي الشيعي العام، وهو ما جعله
أكثر عرضة للنقد. كما كان أكثر بعدا عن الجانب الطائفي، وقد رفض رئاسة المجلس
الشيعي، لأنه كان يرى أن نتائج الطائفية ليست في مصلحة الطائفة، بينما نظر شمس
الدين الى الطائفة على أنها واقع لكنها تحتاج الى رؤية راشدة تمنع من الانجرار
لمواقف سياسية مغامرة اكبر منها.
حدث بينهما اختلاف
وتقاطع على مستوى العلاقة، لكن بقي كل منهما يمثل حالة متميزة بحيث يمكن النظر إليهما
كحالتين تتكاملان فيما بينهما… أتمنى فعلا ان تكون هناك دراسات مقارنة بين هاتين
الشخصيتين الهامتين، وأتمنى ان نجد من يجمع بين الرؤيتين المتكاملتين والمنهج
الهامين للفقيهين.
0 تعليقات