آخر الأخبار

الخطيب والحكمة

 

 


 

عز الدين البغدادي


6
تموز 2022

 

 

أمس حضرت مجلس فاتحة في منطقتنا، وكان الخطيب على المنبر والمجلس ممتلئ عن آخره. الرجل اعرفه شخصيا وهو طيب القلب، لكن هذا لا يبرر الأخطاء الكارثية. تحدّث الخطيب عن الموت والعمل الصالح ثم تحدث عن يوم عرفة، وقال بأن من أفضل الأعمال في ليلة عرفة زيارة الحسين (ع) وان الله تعالى ينظر الى زوار الحسين قبل ان ينظر لزوار عرفة، واحتج لكلامه بخبر يقول بأن الإمام الصادق (ع) ذكر ذلك وأنه سئل عن ذلك، فأجابهم: لأن اؤلئك أولاد زنا بينما هؤلاء ليسوا أبناء زنا

 

قلت في نفسي: لعلي لم اسمع بشكل صحيح، فكرر ذلك وأكده.

 

طبعا المجلس فيه كثير من الجالسين مختلفين مذهبيا، تعجبت وقلت: حتى لو كان هناك خبر بهذا المعنى فهل يصح أن يذكر الخبر في مجلس عام؟ بل هل يصح أن يذكر أساسا؟

 

بعد ان نزل الشيخ من المنبر جاءني يسلم علي، فسألته: شيخنا اين قرأت هذا الخبر؟ فقال: موجود في الكافي، وأنا سمعته في محاضرة لأحد العلماء. بغض النظر عن طريقة تلفظه عندما ذكر كلمة العلماء بطريقة مفخمة، فقد عزمت على مراجعة الخبر وانا اعرف ان لفظا كهذا لا يصدر من الأئمة (ع) وحاشاهم، فوجدت الخبر في كتاب "ثواب الأعمال" للصدوق وليس في الكافي بخبر ضعيف السند، مع ان الخبر كان أيضا مختلفا عما ذكره الخطيب، حيث جاء فيه: لأن في أولئك أولاد زنى وليس في هؤلاء أولاد الزنا.

 

طبعا النص بكل ما فيه لا يمكن أن يقبل، بل من كان لديه ذرة عقل لما ذكره ولو كان صحيحا. فهو طعن في أهل القبلة، واتهامهم بأنهم أولاد زنا، أي هو طعن بأمهاتهم، بل هو طعن بشعيرة عظيمة من شعائر الإسلام. مع ان كون شخص ما ابن زنا لا يسقط عنه التكليف، وبالتالي لا يمنع قبول عمله. كما انه لا يوجد توزيع بهذا الشكل، بمعنى أنه هنا لا يوجد أولاد زنا وهنا يوجد أولاد زنا

 

تصور لو ان أحدا في الشارع او السوق تلفظ بهذه الكلمة او بمرادفها بالعامية، ألن يكون كلاما قبيحا فاحشا منكرا، فكيف تلفظ هذه الكلمات على المنبر؟

 

كنت مع جماعة من الخطباء، تحدثوا عن الخطابة فقلت لهم: هل تعرفون المبدأ الأول في الخطابة؟ قالوا: ما هو؟ قلت لهم: الحكمة. طبعا الحكمة على فرض وجود معرفة تحتاج الى حكمة توجهها، اما اذا لم تكن هناك معرفة ولا حكمة فالنتيجة كما سمعنا وكما سنسمع ونحن على أعتاب محرم الحرام…..

 

 والله المستعان

 

ملاحظة:

 

لو اردت أن اختار عنوانا آخر للمقالة، فسأختار عبارة "فشار على المنبر" و"فشار" في اللهجة العراقية تعني السب والشتم بألفاظ نابية.

إرسال تعليق

0 تعليقات