محمود جابر
كثير من مثقفي مصر يبدون إعجابهم بالشيخ عبد الحميد كشك، وللحقيقة ما أراه
واسمعه وأقرأه من إعجاب لشخص عبد الحميد كشك، من هؤلاء، لا استطيع وصفهم
بالمثقفين، ربما يكون الوصف الأمثل لهم بعض المتعلمين، فالمثقف هو ذلك المتعلم
الذى يحمل أفكارا قادرة على مواجهة المجتمع وصياغة أفكاره، وتمتد أفكاره لأبعد من
تحصيله العملى وممارسته العملية وهو قادر على وضع رؤية يستبصر بها فى الأزمات .
أسالوا التاريخ عن جمال
أما الشيخ موضوع المقال، فهو احد خريجي كلية أصول الدين جامعة الأزهر،
والذى تم تعينه معيدا فى الكلية، وخطيبا فى فى الأوقاف، ومنح جائزة المعلم من الرئيس الراجل جمال عبدالناصر في
عيد العلم عام 1961 حسب ما نشر في جريدة "الأخبار" بتاريخ 22 ديسمبر من
نفس العام.
وقال: لم أتخيل أن
تفوقي يحقق لي أملي في لقاء عبدالناصر، وبمجرد تسليمي الجائزة نسيت أمنية عمري
التي كنت أتمنى أن أقولها للرئيس.
وكان يتمنى أن يطلب
من الرئيس أن يحقق له أمنية عمره هو العلاج حتى يستعيد نظره لكن نسي إبلاغ الزعيم
الراحل بها بسبب جائزة العلم.
لكن كشك كان دائما ما
يقول فى خطبه اسألوا التاريخ عن جمال، وكان هذا الكلام نوع من التعريض بالرئيس
جمال عبد الناصر، ونسى الشيخ أن جمال عبد الناصر هو من كرمه معلما فى بداية حياته
العملية !!
ونسى الشيخ ان جمال
عبد الناصر، هو من جعل التعليم مجانيا، ونسى الشيخ أن جمال هو من طرد الاحتلال الانجليزي
من مصر، ونسى الشيخ ان جمال عبد الناصر أنهى قرون من السخرة والاستعباد للمصريين
وان أول ارض قام جمال عبد الناصر بتوزيعها كانت فى محافظته حينما تم إقرار قانون الإصلاح
الزراعى ليتحول الفلاح المصرى المستعبد فى ارض من أجير إلى مالك ....
نسى الشيخ عبد الحميد
كشك أن جمال عبد الناصر هو صاحب قانون تطوير الأزهر الشريف وتحويله جامعة الأزهر
الى جامعة عصرية تدرس كل الفنون والعلوم ولها كليات فى كافة التخصصات، نسى عبد
الحميد كشك أن جمال عبد الناصر هو أول من خصص إذاعة متخصصة للقرآن الكريم تتلوه
على مسامع الناس ليل نهار حتى الآن .
وفى الحقيقة فإن كشك
كان شخصا مأزوما، فقير الحصيلة المعرفية، إلا من حفظه للقرآن وبعض الأحاديث والأشعار،
حاول توظيف لغته فى الصدام مع المجتمع بحثا عن الشهرة، ودفاعا عن أفكاره المحافظة –
أفكار القرية ببعدها الدينى- أفكار ترفض الغناء، ترفض التحديث ترفض التطور، ولكنه
محتضنا ولصيق الصلة بأفكار سيد قطب والجماعة الاخوانية، وهو شديد الرفض للآخر بكل
ما تعنى كلمة (أخر) من معنى.
ولما لا، فما لا يقال
عن كشك وما يضرب عنه الذكر صفحا انه تربى منذ أن دخل الثانوية الأزهرية، وهم يرتاد
إلى الجمعية الشرعية التى تربى فيها سلوكيا ودعويا، وهى الجمعية التى أسسها محمود
السبكى بدعم مباشر من الملك عبد العزيز وكانت وما تزال أحد المنصات الدعوية
للوهابية فى مصر، وكان يسيطر عليها فصيلين مختلفين طوال فترة تأسيها وهم الإخوان
المسلمين والسلفيين المصرين وكان محمود السبكى احد الآباء المؤسسين للوهابية فى
مصر .
كشك وقطب وجمالين
( عبد الناصر- سالم)
فحينما تم القبض على
سيد قطب كان كشك من المحرضين والمكفرين للسلطة ورجالها، وعلى رأسهم جمال عبد
الناصر، ورئيس محكمة الشعب جمال سالم، وقال كشك فى أحد خطبه "يشنقون
الرقاب التي قالت لا إله إلا الله، وعبد الوهاب يغني له تسلم يا غالي". وفي
مذكراته، قال إن المشير عبد الحكيم عامر، أرسل مندوباً له ليبلغه أنه يدرك مقدار
شعبيته، ويطلب منه أن يحلّ دم سيد قطب، لكنه رفض، ما أدى إلى اعتقاله بعدها بأيام.
رغم ان كشك ذاته يقول
فى موضوع أخر أنهم قبضوا عليه وذهبوا به الى مقر المخابرات العامة وهناك قابل جمال
سالم وصلاح نصر وقد عاملوا بالإحسان وأطلقوا سراحه!!
كشك كان معاديا لكل
شىء وليس فقط للسلطة، والسبب فى عداء كشك للسلطة موقف السلطة من جماعة الإخوان، وهذا
كان سببا فى اتهام الأزهر بالموت فقد قال : لقد مات الأزهر وقسم وضرب به إلى مجلس
الأمة ليصلوا عليه صلاة الجنازة، ثم امتلأت السجون فى 1965 بكل الموحدين»، وهذا
الهجوم ليس على ثورة يوليو وحدها بل على الأزهر وكل من سكت ولم يدافع عن الإخوان
!!
وبعد موت جمال عبد
الناصر أبدا كشك فرحة عارمة وظل سنوات وسنوات يلوك فى سيرته ويخوض وهذا ما حقق له
شهرة واسعة حيث أن الخوض فى سيرة جمال عبد الناصر كان أمل السلطة الجديدة التى
جاءت لتمحوا ذاكرته من قلوب المصرين، لهذا عاش كشك طول إحدى عشر عاما منذ وفاة
الزعيم عبد الناصر وحتى قبيل اغتيال السادات ينعم بخطبته وتطبع شرائط الكاست
الخاصة به ملايين النسخ وتوزع فى كل ربوع مصر، وتنشر كراساته فى كل مكان .
وحتى ندرك رؤية كشك
لجمال عبد الناصر وحجم الافتراء والكذب الذى يمارسه، يقول فى مذكراته :" في
أغسطس عام 1965 رجت الأرض رجا، وهبت رياح هوج اشتدت كأنها رماد في يوم عاصف ، فقد
أطلت الفتنة برأسها تحاول اقتلاع " شجرة الدعوة الإسلامية " عندما وقف حاكم الدولة – يقصد جمال
عبد الناصر- أمام قبر لينين في موسكو يوعد
ويهدد ويرغي ويزيد : يهدد بالثبور وعظائم الأمور، يهدد كل العاملين في مجال الدعوة الإسلامية ونسي
ربه فأنساه الله نفسه حتى قال : إنني لن أرحم . وأقسم أنه لن يعفو بعد اليوم مع أن
اذلي يعفو ويرحم ويملك الرحمة والعفو هو الله" .
فهذا كشك كأن رجلا تكفيرا بامتياز، كفر الحاكم والحكومة والدولة كما جاء فى
نصه السابق، واليك نص آخر يقول : في
أحد أيام شهر مارس 1966 وجهت إلىّ دعوة لحضور حفل إسلامي في جامعة عين شمس . شاركني
فيها بعض كبار الدعاة وكان حفلا بهيجا اغتصبت فيه المقاعد بالحاضرين حتي لم يبق
فيه مكان لقدم , وبعد أن فرغنا من الحديث فتح الباب للأسئلة فاستأذن الذين كانوا
يشاركونني الحفل لما لهم من ارتباطات في أماكن أخري، وأصبحت وحدي في تلقي الأسئلة
وكانت متنوعة يدل الكثير منها على اتجاهات السائلين وقد علمنا الأيام في مجال
الدعوة أن هناك أسئلة قد لا يكون الغرض منها طلب الإفادة إنما المقصود بها أن تكون
مصايد وشراكا يقع المجيب فيها لأن السائل قد يكون مريض القلب سقيم الوجدان , خرب
الضمير , وقد كان من ضمن الأسئلة التي علمت أن سائلها يريد أن يحفر بها بئرا لا
يريد بها علما سؤال قال صاحبه :
هل الاشتراكية من الإسلام ؟.
وكانت الاشتراكية يوم ذاك دينا اتخذه الحاكم من دون الله أخذ يتغني بهذه الكلمة في خطبه فجعل منها
بديلا عن ذكر الله ورأيتني أما هذا السؤال واقفا على مفترق الطرق : إما أن أقول
الحق فأدخل السجن وإما أن أنافق الحاكم فأدخل النار وإما أن أقول لا أدري فيؤول
ذلك على أنه هروب من الإجابة فإن هؤلاء القوم لا يعرفون: لا أدري فمن تربع على
منصة الحديث عندهم لابد أن يكون قد جمع علوم الأولين والآخرين .. ولم يكن هناك بد
أن أقول الحق ولله عاقبة الأمور . فقلت : يا أيها السائل إن الإسلام نظام إلهي
متكامل نزل به الروح الأمين على صاحب الرسالة العصماء فهو وحي معصوم انتظم شئون
الدنيا والآخرة أما الاشتراكية فهي مذهب اقتصادي وضعي والإسلام كل لا يتجزأ ولا
تنفصم منه !!
وللحقيقة فمن يقرأ
مذكرات كشك " قصة أيامي" سوف يكتشف حجم التكفير والتدمير والتشويه الذى
مارسه عبد الحميد كشك فى تدمير العقل المصرى والتسامح المصرى والحضارة المصرية،
فما ترك كشك رمزا إلا وتهكم عليه، ولا قوة من قوى مصر الناعمة إلا وهدمها، كان كشك
مثل أحمد عدوية حالة شعباوية يسمعها أصحاب المزاج فى جلسات الدخان الأزرق حين يحل
المساء، ويأتي مزاج الخير، فكان مثير للضحكات على أنفاس الدخان الأزرق وهم يتذكرون
ما قاله عن أم كلثوم، ويقول أمرآة فى السبعين من عمرها!! وهى أشهر كلماته...
أو أثناء النيل من
عبد الحليم فيقول هو ازاى بيتنفس من تحت الماء؟!
أو وهو يسخر من أغنيتها
فيقول "ياما
القمر ع الباب" ساخراً: "شفتم عمركم القمر بيبقى عطشان؟ ياما القمر على
الباب، والأخرى تقول روسيا طلعت القمر، وأمريكا طلعت القمر، وإحنا القمر بتاعنا
على الباب، ومش عارف إمتى بقى راح يسيب الباب؟".
واشترك كشك مع صلاح أبو إسماعيل فى تكفير محمد عبد الوهاب، كل هذه السخريات
التى نهى عنها الدين بالنص الصريح من القرآن هوى بكشك من كونه داعية متزن متبع
للقرآن والسنة الى كونه خطيبا شعبويا فى زمن غلب عليه طبيعة الحشيش وجلسات
الحشاشين فكان كشك نجما فى سلطنة حشيش الرئيس الذى سخر كل ما يملك من اجل تدمير
مصر وتدمير سلطة الحب التى يمتلكها جمال عبد الناصر فى قلوب الناس.
عاش كشك ومات وهو يمثل المٌعبد الحر لطريق الوهابية والتكفير فى مصر، ولهذا
اتفقت كل فصائل وجماعات الإسلام السياسي على الترويج له وكذلك كل الفئات الشعبوية
التى تحب عبد الناصر وتحب السادات وتدافع عن حسنى مبارك وتعشق جماعة الإخوان رغم أنهم
ليسوا إخوان، فهؤلاء كانوا وما يزالوا سمك لبن تمر هندى ............
0 تعليقات