عمر حلمي الغول
كتب الإعلامي
اللبناني حازم صاغية مقالا بعنوان "عبء القيادات الفلسطينية على الفلسطينيين
وعلى سواهم" ونشره في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية يوم الأحد الماضي الموافق 23
أكتوبر الحالي، وجال في تاريخ النضال الفلسطيني، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، قديما
وحديثا، ولم يميز الإعلامي الإشكالي والمتمرس بين محطة تاريخية وأخرى، ولا بين شرط
ذاتي وموضوعي، ولا بين خلفيات الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية، وساوى بين
الجميع، ووضعهم في سلة واحدة، ولم يميز بين الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي صناع
إسرائيل الصهيونية ورعاتها وداعميها، ولا بين الدول الاشتراكية زمن الاتحاد
السوفيتي، وخلط الحابل بالنابل، وتجنى على القيادات الفلسطينية كافة من الحاج امين
الحسيني وصولا للقيادات الفلسطينية الحالية وما بينهما.
جانب صاغية الصواب،
وقذف بحمم مواقفه الرغبوية المتحاملة والخاطئة على القيادات المختلفة، ولم يفرز
الغث عن السمين، وهاجم النخب القيادية الفلسطينية جميعها. وكال الذم للكل القيادي
عن سابق تصميم وإصرار، وبهدف بدى كأنه ناجم عن حرص على الشعب العربي الفلسطيني
وكفاحه التحرري، ولكنه في الجوهر شاء الانتقاص والإساءة من تضحيات القيادات
الوطنية والقومية والديمقراطية، وضمنا من دور الشعب الذي دافع عنها، وحماها، وتمسك
بها.
ويخطىء من يعتقد ان
الكاتب الإعلامي اللبناني احد كتاب جريدة "الحياة اللندنية" ولاحقا "الشرق
الأوسط اللندنية" لا يعرف اللوحة والمشهد الفلسطيني، وانه سقط في تعميماته
نتاج جهل الواقع، العكس صحيح، صاغية يعلم جيدا حقيقة الواقع الفلسطيني، وعايشه
اثناء تمركز قيادة الثورة في لبنان، وكان على تماس مع قياداتها بمختلف مشاربهم،
وكتب الكثير في الشأن الفلسطيني في صحيفة النهار البيروتية وغيرها من المنابر. وبالتالي
تيه حازم كان عن وعي تام، وهادف، ورغبوي أراد منه تعميم تشويه المشهد الفلسطيني
عموما، وخلق حالة من الضبابية الزائدة، وتوجيه اتهامات باطلة للقيادات الوطنية. لانه
غيب الحقائق، التي يعرفها ويعلمها علم اليقين.
ولتسليط الضوء على ما
كتب صاغية نقتبس بعضا مما حمله الإسقاط المجافي للحقيقة، والمتجاهل للشروط
الموضوعية والذاتية، فيبدأ مقالته مباشرة بالتالي: " فيما يقاوم الفلسطينيون
الاحتلال في جنين، او الاستيطان في القدس، تثابر قياداتهم على إضعاف المضمون
التحرري والأخلاقي المؤكد لجهدهم ولتضحياتهم. تثابر أيضا على إضعاف الجدوى
السياسية التي تتوخاها أفعال الفلسطينيين." ولم يقتصر على ما تقدم من إساءة
لدور القيادات الفلسطينية، ومحاولات فصلها عن كفاح شعبها، وعن الأهداف الوطنية
الناظمة للنضال التحرري، لا بل طعن في اهليتها جميعها من الحاج امين الحسيني حتى
يوم الدنيا هذا، فقال موغلا في تيهه "فالشيء المشترك الذي يجمع بين قيادة
حركة "حماس" ورئاسة السلطة الوطنية في رام الله، هو شعور الطرفين بأن في
وسعهما ارتكاب الأخطاء من دون محاسبة. لماذا؟ لإن الإجماع المفترض على القضية
الفلسطينية يتيح لهما ذلك. لقد "عرف الحبيب مكانه فتدللا." هنا ارتكب صاغية
اكثر من خطيئة وتجهيل مقصود، أولا في الخلط بين القوى الفلسطينية المختلفة، وثانيا
لم يقتصر في اساءته للقيادات، فزج بالشعب، وحمله المسؤولية عن كل ما حصل؟! وهو ما
يكشف عن سوء نية، ولا يخدم الفكرة الرسالة من مقالته، التي استهدفت القيادات.
واوغل بعيدا في تحميل
القيادات الوطنية المسؤولية عندما مرحل محطات النضال الى مراحل، المرحلة الأولى،
مرحلة الحاج امين الحسيني، فقال فيها، الموجة القيادية الأولى، أي الحاج امين
الحسيني وزملاءه، ارتكبوا الحرب الاهلية الحسينية النشاشيبية التي بددت طاقة
المجتمع الفلسطيني ... الحاج ذهب بعيدا في حلفه مع النازية" وتابع الموجة
الثانية؛ أي ياسر عرفات وجورج حبش ونايف حواتمة والاخرون، تحالفوا مع الاتحاد
السوفييتي وكتلته، فشاركوهما خسارة الحرب الباردة مثلما شاركوا هتلر خسارة الحرب
العالمية الثانية." والموجة الثالثة؛ أي قيادات ما بعد "أوسلو"،
أحدثت القطيعة بين الضفة وقطاع غزة، ثم واجهت الثورة السورية بمواقف بدأت مرتبكة
وعلى شيء من التناقض، الا انها استقرت على عداء خالص."
لاحظنا ان حازم لم
يحاول قراءة المشهد بموضوعية، وذهب للتعميم والتسطيح والإساءة للنضال الوطني، ولم
يسعى لتبيان الأسباب وراء الأخطاء التي شابت مراحل الكفاح الوطني، ولم يحرص على
تبيان دور الاستعمار البريطاني والغربي عموما واداتهم الحركة الصهيونية وعصاباتها
الإرهابية، وحتى خلفيات التنافس بين القوى الفلسطينية، كما انه راهنا لم يشأ ابراز
خلفيات حركة حماس عن خلفيات فصائل منظمة التحرير. واراد من الفلسطينيين ان يكونوا
مثاليين وساذجين ومتخلفين دون تمييز بين الحليف والعدو، بين من يدعم الكفاح الوطني
وبين من يناصبه العداء، ودور إسرائيل والغرب الرأسمالي في دس الاسافين داخل
المجتمع الفلسطيني، والعمل الدؤوب لتصفية القضية الوطنية.
ثم توقف امام تصريحات
الرئيس أبو مازن في المانيا حول عملية ميونيخ، ووصف العملية الفدائية، كما وصفتها
إسرائيل بانها "مجزرة" و"إرهابية" وتناسى جرائم ومجازر ومحارق
دولة الاستعمار الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني والأردني والسوري
والمصري والتونسي وكل شعوب الامة العربية، لم يرد على ذكرها، مجرد ذكرها، واستغرب (صاغية)
كيف يدافع عباس عن شعبه، وهل كان عليه ان يخشى البوح بمواقفه في المانيا؟ لماذا؟
هل يخشون في دولة التطهير العرقي والغرب من كيل الاتهامات لنضال ابطال الشعب ووصفه
بغير مقاصده البطولية التحررية؟
حازم صاغية لا اريد
ان اذهب بعيدا في توصيف ما ذهبت اليه، ولا اود توجيه الاتهامات لشخصك، ولكن امل ان
كنت موضوعيا، ان تراجع نفسك قليلا، وتعيد النظر فيما ذهبت اليه، لعلك تصل للفرز
الحقيقي بين الأخطاء والخطايا، وبين الإيجابيات والظواهر الهامة في الكفاح الوطني.
ولا اطلب منك ان تجامل، او ان تداهن، او ان تغطي الشمس بغربال. ولكن قل موقفا
علميا، يستند للقراءة الجادة، بعيدا عن الخلط والتشويه والإساءة القصدية للقيادات
الفلسطينية والنضال التحرري الوطني، وانت تعلم ان القيادات ليست من لون واحد. اقرأ
خلفياتها وناقش بهدوء دون ثمن.
0 تعليقات