آخر الأخبار

لتجاوز محنة الاحتجاج المنتظر

  

 




محمود جابر

 

سواء طال الوقت أم قصر لابد من تلبية الاحتياج للاحتجاج، فالكبت، وعدم الصراخ مشهد يجعل (النوم فى العسل) حالة عنف اجتماعي، ومن اجل مواجهة ( النوم فى العسل) لابد من الشروع فى مشروع تحويل الكفاءات الى فاعل اجتماعى، ولو عبر مشروع الصراخ ( آآه)، بعيد عن شوادر بطاطس (مستقبل وطن)، أو سكر حسن البنا؛ وان تجاهل مطالب المكبوتين قد يؤدي الى تفاقم الوضع العام الذي قد ينتهي بتدمير الدولة، التى لا تحتمل احتجاجا غير منضبط.

 

الكبت المتولد والمتصاعد، يكمن فى آليات عدم المحاسبة وفى تفاقم الفساد، وفى اتساع الفوارق الطبقية، بحيث يعجز كثير من الكادحين عن توفير ثمن زجاجة مياه من الحجم الصغير والتى تباع فى شمال غرب بمصر بـ 250 جنية والتى قد يستهلك منها احدهم 4 إلى 5 يوميا، والعجيب أن هذا السلوك أصبح سلوك يتباهى به هؤلاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ ان الحديث عن المياه العذبة وليس المياه الروحية والأدخنة الزرقاء، والشابو الأبيض، واللحم الرخيص .

 

ان الحل يكمن بمنع هذا النظام من الانتحار وتدمير الدولة عبر تلبية المطالب المشروعة التي يئن من أجلها القطاع الأوسع من الشارع، من خلال إعادة بناء اقتصاد إنتاجي حقيقي، يستوعب السواد الأعظم من الشباب المتعطلين عن العمل، علينا أن نبدأ بالفلاح المصري وبدعم الزراعة وبرعاية الفلاح رعاية اجتماعية وصحية ومهنية وبإعادة تقسيم مناطق الزراعة إلى تعاونيات تستطيع كل منطقة تعاونية أن تدبر احتياجاتها بشكل جماعي وان تحسب إنتاجيات الحقل بشكل جماعى، وان ندرس كيف نساهم فى مشكلة الغذاء، وكيف نعوض الفلاح فى حالة خسارته، وكيف نقضى على الأسواق السوداء لبيع المحاصيل الزراعية – الغذائية – كالأرز والذرة والقمح، (والفول والعدس) الذى امتنعنا عن زراعته لصالح الاستيراد التركى والصينى والفرنسى ، وان يعاد الاعتبار إلى الزراعات الصناعية كالقصب والقطن، وان ندرس كيف نسد احتياج المواطن من الشاى والقهوة، باعتبار ان تلك السلع تمثل استهلاكا للعملة الصعبة لشرائها، ثم يتم التلاعب بالمستهلك عبر دهاليز الأسعار تارة وعبر العبث فى الجودة أخرى.

 

علينا ان نعيد الاعتبار الى الإنتاجيات الحيوانية الداجنة، والتى لا تعرف عنها الدولة شىء، لا تعرف عن أنواع صغارها، ولا أعلافها، ولا سوق (المخدرات) المسمى الأدوية البيطرية، ولا عن تلاعب المنتجين الكبار بأثمان الأعلاف والأدوية وصغار الطيور ما قبل التسمين، علينا ان نسأل أنفسنا كيف نوفر الحماية لمربى صغير لديه عنبر يحتوى 2000 طائر يضع فيه كل مدخراته وثروته، وقد يصاب بالسكتة القلبية إذا ما أصاب قطيعة فيروس وبائي لم يفلح معه الدواء الفاسد الذي تتحكم فيه مافيا الأدوية البيطرية بعيد عن أعين الدولة، الثروة الحيوانية الداجنة تضم أنواع متعددة ولا تعرف الدولة عنها شيء ولا تتدخل لحماية المربى ولا حماية المستهلك وتترك الجميع يأكل فى الجميع، وكأنها غابة، وهذا جزء آخر لا ينمى عامل الثقة بين الدولة وبين المواطن .

 

ورغم تعدد المناشط الاقتصادية الزراعية، والصناعية، والتجارية، والحديث فيها يطول، ويحتاج إلى كلام مطول عن دور الدولة وبناء الثقة والانتماء ليس بشعارات ولا بالكلام ولا ببرامج التوك شو التى تبث إرسالها عبر مصانع السراميك، ولكن الأهم من كل ذلك حتما هو البناء التعليمي وتربية الأجيال التى تخضع أبدا ودائما لأمزجة وأهواء وحوارى وحاشية وزير التربية والتعليم، العادى منه والفنى – ان وجد – والعالى، كيف نتجاوز محنة الاحتجاج والمواطن أصبح فريسة بين أنياب وحوش السناتر والدروس الخصوصية والجامعات الأهلية وبرامج التدريب الحكومية، والكتب الخارجية، والكتب الجامعية ؟!!

 

هل يمكن لاى مسئول يحدثنى عن كيف ينفق أب على أسرة من 4 أفراد أم وولدين وهو رابعهم، يتقاضى أجرا حكوميا يتراوح من 3 الى 5 آلاف، بكم يسكن وبكم يلبس هو وأسرته وكم ينفق عليهم فى تعليهم، إذا كان عليه ان يسدد خدمات ماء وكهرباء وغاز لا تقل عن ألف جنية شهريا، فضلا عن إجارة شقته ومواصلات وطعام وطبابة وتعليم !!

 

الانتماء يتحقق بالتوازن بين أسعار السلع والخدمات وبين الأجور، من اجل حفظ كرامته، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية تغطية أدنى الاحتياجات المعيشية بما فيها حق السكن والتعليم والعلاج والكساء...

 

فهل نستطيع بعيد عن إحصاءات المركز القومي للإحصاء ان نقول أننا على ارض الواقع حققنا ما يمكن أن نسميه قدرا من تلك العدالة ؟!!

 

 

علينا التأكيد أن قمع للعوز و الاحتجاج حتى وان كان ممكن تنفيذه  فهو يدخلنا في نفق مظلم، إما بتعرض السلطة (الحكومة) الى هزيمة منكرة تؤدي الى سقوط النظام، او الى محاولة تصفية قوى الاحتجاجات، مما يعمق الأزمة وينذر بمستقبل غير محمود العواقب، بعد أن تقتل ضمير الأمة الثائر.

 

الوضع قد يبقى كما هو الحال عليه الآن، لا السلطة راغبة أو قادرة على إصلاح ما يمكن إصلاحه ، ولا قوى القوى الشعبية والسياسية راغبة أو قادرة على المخاطرة بالاحتجاج، بيد أن هذا الواقع قد يكون أكثر سوادا ولأنه يصيب الأمة كلها بموت وشلل وتحلل.

 

وأما الإتيان بنظام جديد عبر ثورة أو انتفاضة شعبية على غرار 11 يناير أو 30 يونية، قد يؤدي إلى تحطيم الدولة. لان القوى التي تصل الى السلطة عن طريق الثورة تعيد توزيع السلطة والثروة لنفسها، وبما ان هذه القوى الفاعلة في الاحتجاج دائما وابدا، غير منظمة،  فلا يوجد لها قيادة معلومة أو برنامج عمل واضح، فبسقوط النظام الحالى يقينا قد تستحوذ جماعات الإسلام السياسي على الحكم مستفيدة من خيبتها السابقة مستفيدة من تماسك تنظيمها ووفرة عدد أعضائها ومن يلتحق بهم من أفراد يغلب عليهم النفعية بمنطق ( اللى يجوز امى..)..

 

إن هذه اللحظة تحتم علينا خيارات حتمية فى التغيير الجذري لسلوك السلطة فى رعاية المناشط الاقتصادية، ليس على طريقة إفساح الطريق وفق مقولة ( دعه يعمل دعه يمر)، فيجب على الدولة أن تكون لها اليد العليا والطولي والتخطيط الاستراتيجي للإصلاح والبناء، والتعليم والصحة ومعهم الزراعة والصناعة الحقيقية، بمشاركة شعبية تحقق العدالة الاجتماعية بعيد عن فكرة أهل الثقة من قطاع بعينه.

 

أيها السادة إن الحل يكمن فى إطلاق حريات الغضب والاحتجاج، والتنظيم السياسي والفعل الشعبي دون رهاب السلطة أو الأمن، وترك السلطة مساحة فعل للناس تعبر فيها عن أنفسهم من خلال حكم محلى حقيقي وليس حكما محليا موالى للحكومة، ولكن حكما محليا يراقب التنفيذيين ويقلل من فسادهم ، بحيث نقضي على الفساد الذى يضرب بجذوره فى الجهاز الإداري للدولة، عبر نجاحنا فى إطلاق القدرات الشعبية والشبابية التى تستطيع يجهداها الوصول الى مقاعد المحليات عبر انتخابات يشرف عليها القضاء بشكل فعلى وليس القضاء الاسمي، المحليات يمكن ان تكون حلا ناجعا إذا جنبا الانتخابات نخب السلطة الفاسدين وبقايا التنظيم الذي تم حرقه بأمر الشعب و تم حله باسم الشعب، وتولد عنه أحزاب متعدد ليس حزب الأغلبية البرلمانية هو ابنها الوحيد .

 

إن إستراتيجية امتصاص الطاقة الكامنة من إحباط وغضب عبر مسارات فعل حقيقية نستطيع من خلالها تفجير هذه الطاقات بعيدا عن استغلال المستغلين، وهذا مهمة تحتمها اللحظة العصيبة من عمر وتاريخ وطننا فهل من مستمع وهل من واع أريب ؟!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات