حمدى عبد العزيز
16 نوفمبر 2022
بعيداً عن نفى وزارة
الدفاع الروسية من أن قواتها لم تشن أي ضربات على أهداف قريبة من الحدود
الأوكرانية مع بولندا وأنه لاعلاقة للقوات الروسية عن الصاروخ الذي سقط داخل
الأراضي البولندية ..
لا اعتقد أن الروس
يعانون من قدر ما من السذاجة والحماقة يجعلهم يطلقون صواريخهم نحو بولندا حتى ولو
كانت بولندا هي المعبر الرئيسي لإمدادات الناتو اللوجستية لأوكرنيا ..
فالطبيعي أن يركز
الروس على محاور القتال الفعلية التي تقربها من تحقيق أهداف روسيا في هذه الحرب ..
لا أن يتورطوا في فتح جبهة قتال أوسع يصعب السيطرة على مساراتها .. فأى نشاط عسكري روسي سيقترب من حدود بولندا سيعني اندلاع
المعارك العسكرية مباشرة مع الناتو ومن ثم حرب عالمية مرشحة بشدة لأن تكون حرباً
نووية وهو مايعني تدمير هذا العالم ..
لذا فإن الميل
المبدئي سيكون لصالح استبعاد أن يكون قد تم هذا الإطلاق الصاروخي على الأراضي
البولندية بواسطة القوات الروسية .. وحتى بافتراض أن الصاروخين أو الصاروخ الذي
سقط على الأراضي البولندية هما أو هو من طراز روسي فليس هذا معناه الجزم بأن الروس
يقفون وراء هذا الإطلاق الصاروخي فكل دول الاتحاد السوفيتي السابقة ومنها أوكرانيا
وليتوانيا وبولندا وغيرهم يمتلكون اسلحة روسية بل أن الكثير من دول العالم تمتلك
صواريخاً روسية بمافي ذلك دول الناتو ذاتها ..
ومن حيث الدوافع
علينا أن نضع في الإعتبار أن توقيت هذا الإطلاق الصاروخي تزامن مع بداية ظهور
نصائح امريكية أوربية للرئيس الأوكراني (بالإنفتاح) على مفاوضات سلام مع موسكو
بالتوازى مع مؤشرات على بدء ظهور انقسامات داخل الإدارة الأمريكية ذاتها ترى عدم
إمكان إحراز انتصار حاسم عبر مسارات الحرب الأوكرانية منها ماذكرته شبكة سي إن إن"،
أن رئيس الأركان الأمريكي الجنرال مارك ميلي يقود جهودا قوية داخل أروقة الإدارة الأمريكية ، للبحث عن حل دبلوماسي مع اقتراب فصل
الشتاء حتى لايتجه الموقف إلى استسلام أوكرانى فى الوقت الذى يحلم فيه الرئيس
الأوكرانى زيلينسكى بقيام حلفائه الأوروأمريكيون بالقيام بتكرار عملية إنزال
نورماندى الكبرى التى تمت فى خلال الحرب العالمية الثانية فى 1944 على شواطئ
نورماند بفرنسا ولكن هذه المرة فإنه يتصور (حسب تصريحاته الاخيرة بهذا الصدد) أن
يتكرر هذا الإنزال هذه المرة على شاطئ
خيرسون !!!!
، وفي نفس الوقت الذي
فشل فيه الدعم الأمريكي الأوربي للرئيس زيلنيسكي في تغيير موازين القوى على الأرض
الأوكرانية أو في تركيع روسيا عبر الحصار الإقتصادي والإمدادات العسكرية لأوكرانيا
أو في إرضاء زيلينيسكي الذي يلح من اللحظة الأولى لاندلاع القتال على انخراط
الناتو مباشرة في القتال ..
كذلك أيضاً لايمكن
المرور مرور الكرام على أن الملفت للنظر أنه قد تم هذا
الإطلاق الصاروخي قبل ان تنتهي أعمال قمة مجموعة العشرين والتي تظهر دلائل قوية في
الأفق الدولى على أن هناك اتجاه نحو انهاء الحرب عبر طريق التفاوض ، وهو اتجاه
لايصب في صالح أوكرانيا زيلينسكي لأن نتائج أي مفاوضات تتحدد بالأوضاع الفعلية
للقوى المتفاوضة على الأرض وليس بالإستجابة لمطالبها ورغباتها التي تبديها على
مائدة المفاوضات ..
، ومع عدم
إهمال اعتبار هام وهو أن طبيعة زيلينسكي ذاته كشخص مغامر إلى درجة المقامرة خسر كل
شئ تقريباً ويواجه ضربات روسية مؤثرة إلى حد بعيد فى البنية التحتية الأوكرانية ،
وهذا الفتى الغر والممثل الكوميدى الذى ساقته الظروف إلى رئاسة أوكرانيا دونما أن
يمتلك أية خبرة سياسية فتسبب فى دخول بلاده حربا كان يمكن تجنبها بإدراك أبسط
حقائق التموضع التاريخى والجيوسياسي لبلاده إلى أن انتهى به الأمر الآن إلى أن
يصبح تحت رحمة رغبة تتملكه في في إحداث شئ ما يجبر دول أمريكا وأوربا على التخلي
عن تحفظاتهم تجاه الانخراط العسكرى المباشر للناتو في الحرب الدائرة ، لهذه الدرجة
فمن المحتمل جدا أن زيلينسكى لن يتواني عن فعل أي شئ يمكنه أن يفعله في سبيل أن
يجبر الناتو على الدخول المباشر في الحرب كملاذ أخير يعتقده ، وهو مايعني بالنسبة
لدول الناتو التي تعاني اقتصادياتها الآن من الإنزلاق إلى حرب لايملك أحد إيقافها
أو التحكم في مساراتها أو ضمان النجاة من نيرانها المدمرة ..
ولذلك فإن الرئيس
الأمريكي جو بايدن نفسه قد سارع بتصريح أولي حول الحادث قائلاً :
(المعلومات
الأولية تدحض هذه الفرضية، ولا أريد أن أقول هذا حتى يكتمل التحقيق ، لكن من غير
المحتمل ، من حيث المسار ، أن يكون هذا الصاروخ قد تم إطلاقه من روسيا.(
بادين استبق ردود
الأفعال الغربية بهذا التصريح لأسباب منها :
أولا / أنه ربما كانت
لديه معلومات حول الجهة الحقيقية التى تقف وراء هذا الإطلاق الصاروخى وملابسات هذا
الفعل ..
ثانيا / العمل على
ألا تنزلق ردود الأفعال الأكثر مغامرة في أوربا (ليتوانيا - بولندا - سلوفينيا .. أو
حتى بريطانيا) إلى إطلاق المزيد من
التصريحات الملتهبة والدعوة إلى
الاستجابة إلى مطالبات زيلينسكي الملحة بدخول القوات الغربية في الحرب مباشرة إلى
جوار القوات الأوكرانية .. ففى النهاية يجب على الجميع ألا ينسى أن أمريكا هى التى
تحدد مسارات المواجهة مع روسيا ودرجات تصاعدها وهى من تمسك بريموتات تشغيل هذه
المسارات وليس غيرها وهى بالتالى لن تدع لزيلينسكى رغم دعمها الغير مسبوق له مساحة
أكبر من كونه مجرد صبى منفذ وليس له أن يدبر أو يحدد أىة مسائل خارج الإطار الذى
تحدده له ..
ثالثا / توجيه رسالة
لزيلينسكي بأن أمريكا ستقاتل لآخر نقطة دم أوكرانية وعلى الأرض الأوكرانية دونما
أي استعداد لبذل شئ أكثر من هذا مما يطمح إليه الرئيس الأوكراني
.
___________
0 تعليقات