عمر حلمي الغول
على مدار عقود
الاستعمار الثمانية الماضية لفلسطين سعى قادة دولة المشروع الصهيوني لصناعة ارجل
من خشب لمشروعهم الكولونيالي لتعويم روايتهم المزورة والكاذبة، لذا لم يتركوا بقعة
لا في العاصمة الأبدية لفلسطين، القدس ولا في غيرها من مدن وقرى وخرب الضفة، ولا
في فلسطين من البحر الى النهر لايجاد أي اثر لهم، مهما كان متواضعا ومحدودا. لكنهم
فشلوا فشلا ذريعا. الامر الذي دفعهم لانتهاج أساليب اكثر فجورا لاضفاء ما يشي
بوجود اثار لهم داخل فلسطين التاريخية، ومنها سرقة حجارة من سور القدس القديم،
وزروا نقودا، واخضعوها لعمليات إعادة تأهيل لتبدوا، بانها موجودة من حقب تاريخية
سالفة. وادعوا وجود اثار لهم، بتحويل قبر رجل صالح يدعى يوسف، فحولوه لمزار،
باعتباره قبر يوسف ابن يعقوب عليهما السلام، وقبر "راحيل" في بيت لحم،
وهو قبر لسيدة لا علاقة له برحيل اليهودية، ووضع اليد على غيرها من الاثار
الفلسطينية الكنعانية واليونانية والرومانية والفارسية والصاقها بأسماء وأماكن
يهودية.
مع ان علماء الاثار
الإسرائيليين اكدوا بما لا يدع مجالا للشك، ان فلسطين التاريخية لا يوجد بها أي
اثر لليهود. وهذا ما أكده كل من الدكتور كمال الصليبي والأستاذ فاضل الربيعي
وغيرهم من الباحثين الفلسطينيين والعرب والاجانب، بان اليهود كانوا في اليمن وشبه
الجزيرة العربية ومصر الفرعونية. فضلا عن وجود اليهود الخزر في روسيا. وهذا ما أكدته
الرواية التوراتية، بان سيدنا موسى وشقيقه هارون عليهما السلام لم يدخلوا فلسطين،
ولم تطأ أقدامهم أرضها.
لكن قادة دولة
التطهير العرقي الصهيونية لم ينفكوا عن ابتداع واختراع اثارا وهمية لتكريس
استعمارهم، واعطائه مسحة من "الحقيقة"، واخر عمليات تزويرهم واختراعاتهم
المفضوحة، هو السيطرة على مساحة لا تقل عن خمسة الاف دونم في القدس العاصمة
الفلسطينية واقاموا عليها مقابر وهمية وحدائق توراتية. وهذا ما كشفته المصادر
المقدسية الفلسطينية العربية، حيث صادرت سلطات الاستعمار الإسرائيلي مئات والاف
الدونمات بين بلدتي سلوان وجبل المكبر جنوبا، والعيساوية وجبل المشارف شمالا، ورأس
العامود وبلدة الطور شرقا، وصولا لبرك سليمان غربا لإقامة (7) حدائق توراتية.
وهو ما حذر منه
الباحث الفلسطيني فخري أبو ذياب، عضو لجنة الدفاع عن اراضي وعقارات سلوان "من
تمدد مخططات الاستعمار للسيطرة على ما تبقى من أراضي القدس لمناطق أخرى مثل وادي
ياصول، والجهة الشرقية لسلوان وكل الأراضي غير المأهولة في محيط البلدة القديمة."
وأضاف منبها من مخاطر عملية التمدد الاستعمارية في القدس، قائلا "ان الاحتلال
يريد التقدم في مشاريعه التهويدية، صوب البلدة القديمة والمسجد الأقصى، ويستهدف
أراضي وادي الربابة لمنع السكان الفلسطينيين" من البناء والتطور الطبيعي في
أراضيهم، ليس هذا فحسب، وبل وتضييق الخناق عليهم، وتطويقهم وحصارهم في اضيق
الأماكن لشل حركتهم، وتكبيل حريتهم على كافة الصعد والمستويات، من خلال تزوير شراء
العقارات، وفرض السيطرة على العديد منها وسط بلدة سلوان وغيرها من بلدات واحياء
العاصمة الأبدية لفلسطين.
والهدف مما تقدم،
فضلا عن توسيع وتعميق عمليات التهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية، وتشريع عمليات
النهب اللصوصية لاكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينية، من خلال فرض وتثبيت اثار
وهمية ومزورة، لا تمت للحقيقة والتاريخ بصلة، وذلك لاحداث تغيير جذري في مركبات
الديمغرافيا والجغرافيا، وفرض هوية لا أساس لها في الواقع، وطمس هويتها الفلسطينية
العربية الإسلامية اعتقادا منهم، ان عمليات التغيير المتسارعة لملامح المكان في
البلدات الفلسطينية، وتثبيتها في اذهان السكان والسياح، سيكرس تشريعها، وإضفاء
الصفة "الطبيعية" عليها.
ومن النماذج التهويدية الأخيرة، قيام سلطات الاستعمار
الإسرائيلية في بلدة سلوان بالسيطرة على مئات الدونمات أولا، ثم احضروا حجارة
كبيرة وزرعوها في الارض، ووضعوا عليها شواهد، باعتبارها مقابر. ليس هذا فحسب، بل
وضعوا لها بوابة حديدية، وكتبوا عليها باللغة العبرية "مقبرة السامبوسكي
اليهودية"، وهكذا أولا فرضوا وضع اليد على الأرض، أي صادروها؛ ثانيا حولوها
لمقابر وهمية من خلال وضع حجارة كأنها قبور؛ ثالثا لاستكمال عملية التزوير وضعوا
لها شواهد؛ ورابعا اغلقوا تلك المساحات واطلقوا عليها أسماء صهيونية، وحولوها
لمناطق ممنوع على الفلسطينيين الاقتراب منها، وهي أراضيهم، وتتبع لبلدتهم ولمحيطهم
الجغرافي.
هذا الوضع الخطير من
عمليات التهويد والمصادرة للأراضي الفلسطينية يستدعي من الاشقاء والأصدقاء والأمم
المتحدة وإدارة بايدن والاتحاد الأوروبي والقوى العالمية الأخرى التدخل الفوري
والمباشر لوقف جرائم التزوير لنهب الأراضي تحت عناوين وأساليب استعمارية قديمة
جديدة مثل إقامة المقابر الوهمية والمسارات التلمودية والحدائق التوراتية وغيرها
من الانتهاكات وجرائم الحرب التي تهدد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في مدينتهم،
عاصمة فلسطين التاريخية، وتنتهك ابسط معايير ومبادئ المواثيق والمعاهدات والقوانين
والقرارات الأممية. وتأمين الحماية الدولية للسكان ولمدينتهم وعاصمتهم وتاريخها
وهويتها العربية الإسلامية، وفرض العقوبات على إسرائيل المارقة والخارجة على
القانون لالزامها بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان
العودة للاجئين الفلسطينيين لديارهم وفق القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة
لابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. وقبل كل ذلك
على الكل الفلسطيني الاندفاع لترجمة اعلان الجزائر ومد جسور الوحدة الوطنية
لمواجهة التحديات الصهيو أميركية.
0 تعليقات