آخر الأخبار

الجمهورية الثالثة !! يسقط السلام (54)

  


 

 

نصر القفاص

 

 

اتسعت المسافة بين "الجمهورية الأولى" التى قامت على "العزة والكرامة" بقدرات حقيقية.. وبين "الجمهورية الثانية" التى صدعتنا بأنها ستحقق "الرخاء والرفاهية" بالسير فى طريق الأوهام.. بالإصرار على قطع "سكة الندامة" كاملة, وبإصرار فهمنا أسبابه ودوافعه متأخرا.. متأخرا جدا!!

 

الفرق بين الطريقين.. لا علاقة له بمقارنة بين "حاكم الأولى" و"حكام الثانية" لأن ذهابنا إلى هذه المقارنة الساذجة.. يعنى سقوطنا فى "المصيدة" التى نصبوها للشعب المصرى.. للعقل المصرى.. كان – ومازال – هدفها أن ندور حول أنفسنا, بينما الذين تم توظيفهم فى مشروع "تزييف الحقائق وتزوير التاريخ" يزدادون نفوذا وثراء.. يتمكنون من تشويه الهوية الوطنية, لحساب "واشنطن" والذين معها بعد أن فشلت فى كل معاركها مع "الجمهورية الأولى" رغم ما تعرضت له من انكسارات وخسارة جولات!! بقى من "الجمهورية الثانية" إنكسارات فقط.. هزائم فقط.. ضياع للحقيقة فقط.. فإذا كانت هذه الجمهورية – بكل حكامها – تعتز بأنها حققت السلام.. لنا أن نراجع ثمن هذا السلام الذى دفعته مصر مع عالمها العربى.. فهذا السلام أخذنا إلى بيع المشروعات العملاقة.. أخذنا إلى أننا أصبحنا نعيش مهمشين إقليميا ودوليا.. جعلنا نضاعف الإنفاق على التسليح بأكثر من أنفقنا فى "زمن الحرب" عشرات المرات.. مئات المرات.. حصدنا تخريب التعليم الذى جعلوه استثمار.. لا أتجاوز إذا قلت جعلوه "استحمار" لمجتمع لم يكف عن المقاومة, وإعلان الرفض منذ 18 و19 يناير 1977, وصولا إلى ثورتى "25 يناير" و"30 يونيو" كما يسميها الدستور.. وكانت النتيجة أننا نسمع عن "عبور ناعم" وأن "مقاومة الإرهاب" ومكافحته. أصبحت حربا مطلوب منا أن نحتفى بكسب بعض جولاتها, على اعتبار أن الحرب مستمرة.. وهى حرب لن تنتهى.. لأنها "استثمار" الذين أخذونا إلى "السلام عليكم" كما شرح تفاصيله "محمود عوض" فى كتابه الرائع المدفون مع كل الكتب التى يمكن أن تعيد الوعى!!

 

يجب أن نصدق انتصارات "الجمهورية الأولى" وهى كثيرة!!

 

علينا أن نصدق انكسارات "الجمهورية الثانية" وأصبحت واضحة!!
دعنا من "عبد الناصر" بما حققه.. دعنا من "السادات" والذين حكموا بمنهجه على مدى أكثر من نصف قرن.. يجب أن نسأل أنفسنا.. أين كنا؟! إلى أين وصلنا؟!

 

كنا فى "زمن الجمهورية الأولى" قادرين على التخلص من استعمار – عثمانى وانجليزى – أستمر لقرون.. كنا نملك "الأمل وإرادة الفعل" فذهبنا إلى إعادة بناء جيش وطنى, بعد أن أقدم الانجليز على حله..

 

جعلوه "جيش تشريفة" فى "زمن امتد من توفيق حتى فاروق" وشرح المعنى يفرض علينا الخجل وسيل العرق!!

 

كنا فى "زمن الجمهورية الأولى" نملك قدرة اتخاذ قرار "تأميم قناة السويس" لتصبح دجاجة تبيض ذهبا, بعد أن دفعنا الثمن بحرب انتهت بانتصار الإرادة المصرية.. حققت بناء "السد العالى" الذى أنقذ مصر على مدى عشرات السنوات,ومازال منقذها لحظة انكسار إرادتها وتمكن "إثيوبيا" من فرض "سد النهضة" كأمر واقع بما يترتب عليه من أخطار فى الحاضر والمستقبل!!

 

الدول التى تملك قرارها.. تكون جاهزة لدفع الثمن.. يؤكد لنا الحاضر المعنى.. فهذه "الصين" تملك قرارها وتدافع عنه بضراوة مهما كان الثمن.. هذه هى "روسيا" القادرة على اتخاذ قرارها, مع استعدادها لدفع الثمن مهما كان غاليا.. مهما كان فادحا.. تلك هى "إيران" التى تملك قرارها.. لك أن تتفق معهم أو تختلف.. لكنك لا تستطيع أن تنكر أنهم يملكون قرارهم.. يدفعون ثمنه.. لا تستطيع أن تنكر أنهم جعلوا "واشنطن" والذين معها, يعيشون أياما سوداء.. يغرقون فى أزمات لا أول لها ولا آخر.. تلك هى "الهند" التى امتلكت قرارها, ففرضت على العالم – شرقه وغربه – احترامها.. مرورا بما فعلته "فنزويلا" و"كوبا" على درب "فيتنام" التى انتصرت إرادتها, ثم أصبحت نموذجا بين الدول القادرة على صنع التقدم!!

 

كنا فى "زمن الجمهورية الأولى" نملك القدرة.. القدرة فقط.. على بناء مئات المصانع العملاقة.. من أقصى الجنوب حيث "كيما أسوان" مرورا بمجمع "الألمونيوم" فى نجع حمادى و"الحديد والصلب" و"المراجل" و"الكوك" فى القاهرة.. وليس انتهاء بمصانع "البتروكيماويات" فى الأسكندرية والسويس وطلخا.. وغيرها وصولا إلى صناعة "الغزل والنسيج" فى المحلة الكبرى وكفر الدوار وشبين الكوم.. إضافة إلى مراكز تصنيع أخرى فى المنيا والبحيرة وسوهاج.. دون أن أتوقف عند التصنيع العسكرى الذى تم إجهاضه مبكرا ثمنا للسلام!!

 

عشنا "زمن الجمهورية الأولى" الذى شهد نهضة فى التعليم أنتجت الذين يحكمون "الجمهورية الثانية" فى آخر أيامها.. كان التعليم مجانيا واستفاد منه, كل أساتذة الجامعات حاليا.. كل الذين باعوا ضمائرهم وتعليمهم, لخدمة مشروع "تزوير التاريخ وتزييف الحقائق" ويرفعون "الصوت الحيانى" لكى يلعنوا "عبد الناصر" بزعم أنه صادر الحريات.. دون أن يملكوا "الهمس" على قطع كل الألسنة.. إغماض كل العيون.. سد كل الآذان.. لأنهم ينعمون فى حريتهم "الملعونة" التى قلبتهم من سذج وبلهاء إلى نجوم إعلام, وجعلتهم "مفكرين" ينعمون فى ثروة "الثرثار باشا" ومبدع "السيراميك" مع سفهاء "الحديد" من قصيرهم إلى مزواجهم!! لا يذكروا من نتائج مجانية التعليم مئات العلماء.. بينهم الذى حصل على "نوبل" فى "الكيمياء" ومن أصبح سفيرا أو وزيرا.. وإن كانت تنقص أغلبيتهم "التربية" التى نالوا نصيبهم منها فى "زمن الجمهورية الثانية" فذهبوا لمحاسبة "عبد الناصر" على جرائم "صفوت الشريف" الذى تمت محاكمته وإدانته بها خلال الزمن نفسه.. ويتعامون عن أن "السادات" أعاده للواجهة, وقام "حسنى مبارك" بتمكينه وزيرا ورئيسا لمجلس الشورى وأمينا عاما لحزب قال أنه يمثل الأغلبية.. يصرفون نظرك عن أن كل الذين تولوا مسئولية "وزارة التربية والتعليم" فى "زمن الجمهورية الثانية" حصلوا على تعليم مجانى.. مع اعتراف بأنهم لم يحصلوا على "تربية" لأن "الجمهورية الأولى" توقف قلبها فجأة!!

 

رأينا فى "زمن الجمهورية الأولى" رعاية صحية مجانية أنفقت عليها هذه الجمهورية بما تستحقه.. وكانت النتيجة القضاء على أمراض كثيرة توطنت, وشهد الأعداء قبل الأصدقاء أن صحة المصريين الجسمانية والنفسية إنتقلت من حال إلى حال.. يشهد على ذلك مئات المستشفيات التى عجزت "الجمهورية الثانية" عن مجرد صيانتها والحفاظ عليها!! ويأخذنا الذين يمارسون "الفجور" فى كراهية الوطن, لمجرد أنهم يرتزقون من احتراف سب وقذف "عبد الناصر" مع "ثورة 23 يوليو" إلى تمجيد الذين حققوا ثراء فاحشا من "الاستحمار" فى مجال الصحة.. لدرجة أن جعلوا المرض "أم الكوارث" التى يتعرض لها إنسان.. وفى أضعف الأحوال تحول إلى باب من أبواب التسول, واستدرار العطف والشفقة.. ثم كان أن شهدنا وزيرة للصحة فى "قفص الاتهام" بما أقدم عليه زوجها السابق.. وآخرين!! وأصبحنا نتابع هجرة الأطباء هربا, وسقوط شبابهم موتا من ضغط العمل دون مقابل كريم.. ويهددهم وزير صحة بالمحاكمة والسجون, ما لم يلتزموا بواجب تنفيذ ما يشبه "السخرة" وفى الوقت نفسه نتابع هجمة "احتلال قطاع الصحة" من جانب الذين علمناهم وعالجناهم مجانا فى "زمن الجمهورية الأولى" ولا أظنهم ينكرون!!

 

يلعنون "الجمهورية الأولى" التى امتلكت يد الإعلام الطولى فى المنطقة.. سيطرت على العقول بما قدمته من تنوير بالكتاب والفيلم والمسرح والأغنية والدراما.. ويمارسون "الصمت الجبان" وقت أن شهدوا انهيار كل تلك الحصون بفعل فاعل.. يمارسون التدليس بأن "زمن الجمهورية الأولى" كان كله "شئ من الخوف" الذى تمت كتابته وإنتاجه وعرضه سينمائيا بدعم من قائدها وزعيمها.. لا يذكرون "ثرثرة فوق النيل" ليسخروا من "رد قلبى" ويحولون ما حدث وعاشته مصر إلى "نكتة سخيفة" بفضل الذين فشلوا فى ممارسة الطب، فجعلوهم مؤرخين وساسة!! تناسى الكذابون أن الأدب والإعلام لا يمكن أن تسطع شمسهما فى مناخ مضطرب.. يتجاهلون أن "نجيب محفوظ" كان أحد مسئولى السينما و"على الراعى" كان أحد مسئولى المسرح.. لا يذكرون أن "مصطفى سويف" كان أول رئيس لأكاديمية الفنون.. حتى وصلنا إلى رؤساء لها لا نعرف عنهم غير إبداعهم فى الكذب والنفاق!!

 

يرفضون ذكر ما فعلته "الجمهورية الأولى" فى مجال الزراعة".. كانت الزراعة خلال سنواتها هى الإنسان, الذى يستحق كل التكريم والتقدير واسمه "الفلاح" الذى بكى يوم رحيل قائد وزعيم هذه الجمهورية.. وقال: "يا جمال يا عود الفل.. من بعدك هنشوف الذل" وقد حدث!!

 

قلبت "الجمهورية الثانية" كل الحقائق إلى أكاذيب.. جعلت الأوهام أحلام.. رهنت إرادة وطن حتى جعلت ذلك "مستقبل وطن" و"حماة وطن" و"الشعب الجمهورى" و"الإصلاح والتنمية" وكلها عناوين خطأ.. الدليل والبرهان لم يعد يحتاج لغير قليل من العقل والهدوء.. فإذا كان أعظم إنجاز لها هو "السلام" فقد فرض علينا حربا حقيرة مع "الإرهاب" بوجهه القبيح.. لأنها راحت تصارع نفسها.. يتقاتل بعضها البعض.. كل الأطراف تتعيش على الرضا الأمريكى, والصمت الباسم الإسرائيلي.. دمرت هذه "الجمهورية" قدرتنا على اتخاذ القرار.. أصبحنا نقبل كلمة "أثيوبيا" نتسول رضا "الدوحة" و"الرياض" و"أبو ظبى" ونقف فى حالة "توهان" تجاه ما يحدث حولنا فى السودان وليبيا وفلسطين.. إنكسرت البوصلة فلم نعرف أين نقف!! ولا إلى أين نذهب!! إنشغلنا بالذباب فى مجالات الثقافة والسياسة والإعلام.. أصبحنا ننفق الوقت فى أن نسب ونلعن "شوال الرز" والذين يرتزقون منه!!

 

جعلتنا "الجمهورية الثانية" نختلف على "بيع الأصول" مرة باسم "الخصخصة" وأخرى تحت اسم "التخارج" ونهلل إذا وافق "صندوق النقد" على أن يقرضنا.. حدث ذلك بعد أن أدار لنا الذين تسولنا منهم ظهورهم – ولهم حق – أصبحنا لا نقدر على قول "لا" باعتبارها رجس من عمل الشيطان!! أصبحت الصناعة مجرد كلمة.. الزراعة جعلوها "فلكلور" نستمتع بها حين نتحدث عن "الصوبة" باعتبارها واحدة من معجزات "إريل شارون" الذى قال عنه "السادات" دون خجل: "عندنا أرض وماء.. وعندنا إريل" فى واقعة لم تعد تحتمل نفيا ولا تكذيبا.. تحول التعلم إلى "صناعة" يعرضها "مصاصو دماء" ويتهافت عليها سذج وبلهاء.. نافست الصحة "السوبر ماركت" من حيث الجدوى الاقتصادية.. ويحدثنا الذين لا يقرأون ولا يفهمون, عن "التنمية المستدامة" غير مدركين أن "التنمية المستدانة" لا يمكن أن تكون "مستدامة" وهى حقيقة شرحها "جون بركنز" فى مذكراته "القرصان الاقتصادى" وغيرها من عشرات الكتب والدراسات العلمية.

 

لا أعتقد أنه يمكننا القول يجب أن نعود إلى "الجمهورية الأولى" لأن هذه "سذاجة".. ولا يمكن التسليم باستمرار "الجمهورية الثانية" التى كادت أن تنزع من مصر روحها.. ولعلنى اختصرت كثيرا – رغم الإطالة – فى ذكر ما حدث مع "عبد الناصر" كما اختصرت جدا عندما عرضت جرائم "السادات" والذين حكموا بعده.. فقط يكفينى أن واقعة السفينة "كليوباترا" أنهى أزمتها "عبد الناصر" بخطاب لدقائق.. وأن "قناة السويس" عادت بقرار كما أن "السد العالى" أنجزناه بقرار.. ولا أنكر أن "سيناء" ضاعت بقرار.. وعادت مرة عام 1956 بقرار.. كما عادت بعد حرب أكتوبر بحرب وقرار.. وكان "البحر الأحمر" عبارة عن بحيرة مصرية, لأننا رحنا للمغامرة فى "حرب اليمن" – كما يدعون – التى جعلتنا نملك أمر "باب المندب".. كما أن "إسرائيل" التى تحدثنا عن أسطورتها, إستراحت بعد قرار – السلام – خلصها من شبح حرب يستنزفها به أهل غزة والضفة الغربية ولبنان.. كما ترعبها بها "إيران" ولنا أن نختلف أو نتفق على التفاصيل.. لكنها الحقيقة!!

 

ماهى ملامح "الجمهورية الثالثة" المنشودة؟!

 

قد تكون مفاجأة إذا قلت لك أن "محمد حسنين هيكل" رسمها, وتركها لنا فى كتابه "مصر إلى أين؟!" وهو عبارة عن اجتهاد أعلنه فى الصحف والتليفزيون.. تم طمسه من طرفى معادلة الحكم فى "الجمهورية الثانية" كما صاغها "السادات" وأقصد بهما الفساد وجماعة الإخوان.. وكليهما اتفقا على الصراخ بما يسمونه "المدنى والعسكرى" لضرب القوات المسلحة.. مع تسليمى بأنها عليها أن تنتبه لخطورة اللحظة والموقف!!..

 

الجمهورية الثالثة !! منصور حسن (53)

يتبع

 

إرسال تعليق

0 تعليقات