د. وسام الدين محمد
بينما كان العالم
مشغول في متابعة كأس العالم، نجح علماء مختبر لورانس ليفرمور في جامعة كاليفورنيا –
وهو مختبر أسسته وتموله الحكومة الاتحادية ممثلة في وزارة الطاقة الأمريكية – في
إجراء أول عملية اندماج نووي بارد اقتصادي في التاريخ، وهو ما أعلنت عنه جينيفر
غرانهولم، وزيرة الطاقة الأمريكية، أمس الثلاثاء، معتبره أنه أعظم إنجاز علمي
للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، والذي سوف يضمن لها أمنها الوطني
للعقود القادمة.
لنفهم قيمة هذا
الإنجاز، لنتحدث عن الانشطار النووي، حيث يتم قذف نواة ذرة غير مستقرة لعنصر معين
مثل اليورانيوم-235 بجسيم أولي عالي الطاقة مثل النيوترون، فتنشطر النواة والذرة
نفسها، وتنتج ذرتين تمثلان عنصرين جديدين، وتنتج عن عملية الانشطار هذه طاقة
هائلة، يمكن أن تستخدم في توليد الكهرباء أو أسلحة الدمار الشامل، وأخطر ما في هذا
النوع من الطاقة أنه ينتج عنها إشعاعات يمكن أن تتسبب في إيذاء الكائنات الحية
وربما قتلهم، وهي إشعاعات يمكن أن لفترات طويلة ربما تقدر بقرون، وعلى الرغم من أن
الطاقة النووية الانشطارية اقتصادية، إلا أن الحصول على العناصر القابلة للانشطار
في الطبيعة أمر صعب، وتداولها على المستوى الدولي أصعب، كما أن تاريخ الطاقة
النووية يضمن مجموعة الحوادث الكارثية المرعبة ... تشيرنوبيل ... جزيرة الأميال
الثلاثة ... فوكوشيما.
أما بالنسبة للاندماج
النووي، فالوضع مختلف، فتستخدم طاقة لحمل ذرتي هيدروجين على الاندماج وتكوين ذرة
هيليوم جديدة، وخلال هذه العملية تتولد طاقة جديدة، وعملية الاندماج النووي ليس
جديدة، حيث ترجع إلى عقود مضت، ولكنها لم تكن اقتصادية ابدًا لأن الطاقة المستخدمة
لحمل الهيدروجين على الاندماج، كانت دائمًا أكبر من الطاقة الناتجة عن العملية. وتبعًا
لتصريح وزيرة الطاقة الأمريكية وتعليقات مستشارة الرئيس الأمريكي للعلوم آراتي
باراباكار – وهي أمريكية من أصل هندي وأستاذة في الهندسة وعملت أكاديمية في جامعات
أمريكية مرموقة – فإن العملية التي جرت في مختبر لورانس ليفرمور اقتصادية، بمعنى
أن الطاقة الناتجة عنها أكبر من المستخدمة فيها، وهو ما يجعل من التوقعات التي
ذهبت إلى التحول إلى أنتاج الطاقة الاندماجية بصورة تجارية يحتاج إلى نحو خمسين
إلى ستين عامًا، ممكنًا خلال عشرة أعوام فحسب. الطاقة الاندماجية تعتبر أكثر
أمانًا من الطاقة النووية حيث لا ينتج عنها إشعاعات نووية، كما أنها لا تعتمد على
عناصر يصعب الحصول عليها وتداولها مثل اليورانيوم، ولكنها تعتمد بالكلية على نظائر
الهيدروجين المتوفرة في مياه البحر حول العالم.
تبعًا لتصريحات وزيرة
الطاقة فإن هذا العمل هو نتاج استثمارات بلغت نحو ثلاثة بلايين دولار أمريكي،
اشتركت فيها الحكومة الاتحادية ممثلة في وزارة الطاقة مع القطاع الخاص، وشارك فيها
ما يزيد عن مائتي عالم وطالب، وقد علق الرئيس الأمريكي بايدن – والذي يعاني من
محاولات خصومة المستمرة في الكونجرس لتحجيم ميزانيات البحث العلمي – بأن هذا
الإنجاز يضرب مثلًا جيدًا على ضرورة استمرارنا في الاستثمار في البحث والابتكار؟
0 تعليقات