عمر حلمي الغول
تمكن رئيس الوزراء
المكلف، بنيامين نتنياهو من ترميم الجسور مع حلفائه من معسكر اليمين الفاشي
والحريديم المتطرف في الربع ساعة الأخيرة من مساء يوم الأربعاء الموافق 28 كانون 1/
ديسمبر الحالي، وقبل انتهاء المهلة المحددة لتشكيل الحكومة، رغم انه لم يكن وقع
برتوكول الشراكة مع زعيم "القوة اليهودية"، ايتمار بن غفير، ولا حتى مع
حزب "يهوديت هتوراه"، لكنه ابرم الاتفاق الشفوي معهم، ليتمكن من ابلاغ
الرئيس هرتسوغ تمكنه من التشكيل لحكومته السادسة.
بعدما تمكن من تمرير
مجموعة قوانين سموتيرش ودرعي وبن غفير، استطاع من تجاوز عقدة تشكيل الحكومة، التي
تعتبر محطة فاصلة في عودة الابن الضال لكرسي الحكم، ومن اجلها قدم جملة واسعة من
التنازلات، ضرب فيها بعرض الحائط القوانين في القضاء والجيش والشرطة والكنيست نفسه،
مما أكد مجددا، ان زعيم الليكود كان مستعدا لتقديم تنازلات اكبر واوسع للقوى
الفاشية. لانه يعتبر عودته لرئاسة الحكومة الكنز الأهم، والورقة الرابحة، والتي
يستطيع من خلالها تحقيق مآربه الخاصة، وخاصة إسقاط قضايا الفساد الأربعة عنه، او
تأجيلها لبعض الوقت عبر إقرار القانون الفرنسي، الذي يمنح رئيس الحكومة الحصانة،
واستباحة معارضيه من داخل الحزب ومن القوى الصهيونية الأخرى.
من قراءة التنازلات
لزعماء النازية الجدد، وأقرانهم من اليمين الحريدي المتطرف، نلحظ الاتي: أولا نقل
إسرائيل كليا الى موقع دولة الشريعة اليهودية، كما ذكر لبيبرمان وغيره من زعماء الليبرالية
الصهيونية؛ ثانيا ضاعف من انتهاك مكانة الجيش، البقرة المقدسة عند الإسرائيليين،
من خلال سماحه بوجود وزير ند لوزير الجيش، ويقاسمه النفوذ في السيطرة على أراضي
دولة فلسطين المحتلة عام 1967 عبر الإمساك الكامل باداته الاستعمارية "الإدارة
المدنية"؛ ثالثا منحه الصلاحيات الكاملة لتشريع الاستيطان الاستعماري في
الضفة عموما والقدس خصوصا، ليس هذا فحسب، بل تم إسقاط كل القوانين ذات الصلة
بالاستعمار، ووضع الفلسطينيين والمستوطنين الاستعماريين تحت ذات القوانين، وفق
معايير الاستعمار الصهيوني العنصرية؛ رابعا السماح بإنشاء ميليشيا تحت إمرة بن
غفير، من خلال تحويل قوات حرس الحدود لسيطرته، وكذلك منحه النفوذ الكامل على
الشرطة من موازنات، الى التقرير باليات عملها، ورسم سياساتها وتحديد قياداتها وفق
رؤيته النازية؛ خامسا الدخول على ملف الشاباك.
لا سيما وان هناك
تداخلا بين جهازي الشرطة والأمن العام (الشاباك) في قضايا الاعتقال والتحقيق
والعملاء، الأمر الذي قد يدفع قيادة الشاباك للانفصال عن الشرطة؛ سادسا الانقلاب
على القانون والتشريع بتمرير قانون درعي، المحكوم على قضايا فساد، وممنوع من تولي
اية مسؤوليات وزارية لسبع سنوات قادمة. لا سيما وان اتفاقه مع القضاء تم بداية
العام الحالي. ولهذا وللالتفاف على عقدة هذا الانقلاب، يفكر جديا (بيبي) بتكليف
زعيم شاس، درعي بمنصب رئيس حكومة بالوكالة؛ سابعا تصفية معلنة وواضحة كالشمس لخيار
السلام برمته، لا حل دولتين، ولا حل الدولة الواحدة، ولا حتى الحل الاقتصادي، انما
العودة للتطهير العرقي وطرد الفلسطينيين عبر عملية ترانسفير الى المنافي بوسائل
وطرق تتناسب مع طبيعة اللحظة وشروطها. وغيرها من القوانين.
وعلى أهمية التطور
الشكلي الأخير على واقع ومركبات الدولة الصهيونية لجهة انكشاف وجهها الحقيقي كدولة
فاشية، ودولة تطهير عرقي وفصل عنصري، بيد انها لم تكن غير ذلك منذ نشوئها قبل 75
عاما خلت، لانها ولدت هكذا. لكنها مدعومة من دول الغرب الرأسمالي شاءت ان تبدو
امام الرأي العام العالمي، كأنها دولة "ديمقراطية" من خلال بعض الرتوش
والمساحيق الوهمية. وبالتالي التطور الحاصل بعد انتخابات الكنيست ال25 مطلع تشرين 2
/ نوفمبر الماضي، كان تطورا طبيعيا ومنسجما مع محتوى الدولة الفاشية، ولم يكن
تحولا استثنائيا، بل هو السياق الطبيعي لتطور المشروع الصهيوني الاجلائي الاحلالي.
وعليه فإن ما ذهب
اليه نتنياهو، رغم إبعاده الشخصية، الا انه الخط البياني المنطقي لمسار دولة
الإرهاب المنظم الإسرائيلية. هذا السياق بقدر ما حقق لنتنياهو أهدافه وغاياته
الشخصية، بقدر ما عمق ازمة الدولة اللا شرعية، لان إقرار القوانين المذكورة أعلاه،
وما سبقها من قوانين عنصرية، ومن ابرزها قانون "القومية الأساس للدولة اليهودية"
عمق ازمة إسرائيل على الصعد الداخلية والخارجية، والتي ستشهد احتداما للصراع بين
العلمانيين والمتدينيين، وحوّل الجيش والشرطة مجددا لميليشيات وعصابات، واطلق يد
الفاشيون الجدد لاستباحة ما تبقى من القضاء الاستعماري، وفتح أكثر فأكثر أبواب
الحرب الأهلية بين القوى الصهيونية المتصارعة، وأيضا فاقم ويفاقم من دوامة الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي، وأعاده للمربع الأول، وسيفرض معادلات نوعية تختلف كليا عن
طبيعة الصراع السابقة طيلة ال55 عاما الماضية من الاستعمار الإسرائيلي. لان الكل
الفلسطيني داخل حدود فلسطين التاريخية مهدد بالطرد والإبادة، وهو ما يعني إحداث
تحولات دراماتيكية ستؤدي بالضرورة لقصم ظهر الدولة اللقيطة.
0 تعليقات