محمود جابر
لم تكن لحظة الانتصار
على العدوان الثلاثة فى ٢٣ ديسمبر ٥٦ منفصلة عن العدوان نفسه، وهذا العدوان لم يكن
مقطوع الصلة بتأميم القناة، ولكنه كان موجة أخرى من موجات العدوان التى كان أحداها
سحب تمويل السد، فمشروع بناء السد العالي جاء فى أعقاب خروج الاحتلال البريطاني من
مصر بعد قرابة ثمانية عقود استطاعت بريطانيا خلالها ومن خلال قوة الاحتلال أن تجعل
من مصر مزرعة لتشغيل مصانعها فى لندن وان تستولي عل كل شيء حتى
البشر فى حروبها؛ كان مصر تحكم من قبل المندوب السامى بشكل مباشر وتسمح بتداول
سلطة شكلي لإدارة ما تبقى من فتات الموازنة بعد ان اخذ كل من شركاء الحكم أنصبتهم
من باب الفساد والمحسوبية وأبناء العاملين، ولا يتبقى للشعب سوى ان يمضغ جوعه
ومرضه وفقره ومن تبقى منهم يساق إلى السخرة فى الحقول أو حفر القناة أو فى خدمة
المجهود الحربي الانجليزي. لم تتخيل مؤسسة الاحتلال أن يخرج من صفوف هذا الشعب المصري
من يملك مخيلة القضاء على هذه الإمبراطورية التى لا يغيب عنها الشمس عبر سلسلة من النضال
المتواصلة بقوة وعزم ..فعبد الناصر لم يكن شخصا بل كان مشروعا قادرا على مواجهة
هذا الاحتلال ليس البريطاني فقط بل التحالف الغربى الاستعماري الامبريالي الذى
استولى على العديد من البلاد ونهب مقدراتها وخيرتها فدعم ساند ثورات التحرر فى إفريقيا
وآسيا وأمريكا اللاتينية، كان المشروع المصرى التحررى جزء من سلسلة مواجهات مع
المستعمر ترفع فكرة القضية على فكرة التمحور حول الذات، فالهدف كان الموضوع، والموضوع هو التحرر الوطنى
ومنازلة العدو فى كل مكان، ومع هذه المنازلة لابد من بناء الذات وتنمية البلاد عبر
مشاريع زراعية وصناعية تبدأ بتأمين نهر النيل منبعا من إثيوبيا، ومجرى عبر السد العالي
لتكون معركة تحدى مع ممولي البنك الدولي ومجلس إدارته الاستعماري وكان المواجهة
عبر تحرير قناة السويس من احتلالها عبر شركة قناة السويس العالمية صاحبت مشروع
المستوطنات الإسرائيلية وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين كذراع اصولى قادر على تفتيت
الانتماء الوطنى من هنا فلحظة الصدام فى نوفمبر ٥٦ والعدوان الثلاثي لم تكن لحظة
عابرة بل لحظة فى صراع كبير وممتد رقعته اكبر من حجم رقعة الدولة المصرية من هنا
فان عيد النصر يجب ان يبقى جزء من الوعى الوطنى للحفاظ على الدولة المصرية
0 تعليقات