د. وسام الدين محمد
اليوم، انتهيت من
قراءة كتاب عنوانه (السودان، فشل وتقسيم دولة أفريقية Sudan: The Failure and Division of an African State) لمؤلفه ريتشارد كوكيت Richard Cockett،
وهو محرر في مجلة Economist الشهيرة مختص بالشئون الأفريقية.
الكتاب قديم، صدر منذ
ما يزيد عن اثني عشر عامًا، ورغم حجمه البسيط، نحو ثلاثمائة وخمسين ورقة، إلا أنه
غطى أزمة السودان منذ تحرره، وصولًا إلى لحظة تأليف الكتاب، التي تبلغ فيها هذه
الأزمة ذروتها بالصراع في دار فور، وانحدار السودان نحو التقسيم.
المؤلف بنى عمله على عشرات المقابلات مع
اللاعبين الرئيسين في المشهد السوداني، أي أنه لم يجلس في مكتبه ويكتفي بالضرب على
لوحة مفاتيح الحاسوب. الكتاب ممتاز، ومؤلفه صحفي، وهناك كثير من الصحافيين
العالميين الذين لهم كتب ثرية وعميقة في تناولها، أذكر منهم الإنجليزي الشهير
روبرت فيسك وكتبه لا تكاد تخلو منها مكتبة أي مهتم بشئون الشرق الأوسط، ومنهم
أيضًا بوب وودوارد الذي فضح مع زمليه كارل بيرنستيان ممارسات الرئيس الأمريكي
نيكسون الفاشية في القضية المعروفة باسم فضحية ووترجيت والتي انتهت بركل نيكسون
خارج البيت الأبيض غير مأسوفًا عليه، ولوودوارد كتب هامة ورائعة منها ثلاثيته
الفاضحة لبوش وحربه القذرة على أفغانستان والعراق Bush at War وPlan of Attack وState
of Denial.
هذا الكتاب، كنت قد
اشتريته من متجر كتب في أحد المطارات منذ بضع سنوات، ولم أحظ بفرصة لقراءته إلا
مؤخرًا، ولكن معظم كتب فيسك وودوراد – خاصة القديمة منها – اشتريتها من متاجر كتب
في مصر والعالم العربي. على الرغم أن هذه الكتب صدرت في الغرب إلا أنها شقت طريقها
لجميع أرجاء العالم لأصالتها وحرفية المؤلف – وحيادته في كثير من الأحيان.
ثم ها أنا أجد ذهني
الشرير يأبى أن يستريح و(يعديها)، فيسألني لماذا لم تجد في أي متجر كتب خارج مصر
وخاصة خارج العالم العربي، كتاب لأحد أصحاب اللقب الفخم الرنان (الإعلامي الكبير)
... اللقب الذي أصبح مبتذلًا ويستخدمه كل من هب ودب ... ولماذا معظم من يستخدمون
هذا اللقب كتبهم لا تتجاوز سيرة حياة الراقصة فلانة ونضالها الوطني زمان الاحتلال
الإنجليزي ... أو مقالاته النارية المتعلقة بنقد الواد إسماعيل الحلاق الذي رفع
تسعيرة حلق الشعر... كتب تلعب في المناطق الآمنة حيث يمكنك أن تدعي البطولات كيف
تشاء ... باستثناء (هيكل) – وعليه من الملاحظات جبال في حجم ايفرست – لا يوجد
مؤلفات صحافية سياسية في مستوى كتابات فسيك وودوارد خرجت إلى العالم ...حتى سير حياة الراقصة اللولبية والطبال اللوذعي التي
ألفها الإعلاميين الكبار ... لا قيمة لها في عالم العوالم والراقصات، فلم تترجم
ولو حتى للغة الواق واق لينتفع بها عوالم بلاد الواق واق... وليس أعجب من الإعلامي
الكبير إلا من لا يزال يسمعه ويصدقه ويمشي وراءه.
0 تعليقات