آخر الأخبار

نظرية "البركة مقابل الدولار"!!

  


 

 

نصر القفاص

 

 

 

أتابع عمليات تغيير شهدتها الكرة الأرضية، خلال شهر مضى تقريبا!!

 

هناك تغيير عبر الديمقراطية كما يراها الغرب.. وتجربة تغيير يؤمن بها أكبر نظام فى الشرق.. أقصد "بالأكبر" هنا الإشارة إلى عمر هذا النظام, إضافة إلى قوة الدولة اقتصاديا!!

 

شهدت فرنسا تغييرا.. شهدت بريطانيا تغييرا.. شهدت البرازيل تغييرا.. شهدت إيطاليا تغييرا.. عاشت إسرائيل ثلاث سنوات ترقص على نار التغيير.. وحتى الولايات المتحدة الأمريكية تشهد تغييرا.. وهناك فى أقصى الشرق.. شهدت الصين تغييرا!!

 

كل عمليات التغيير هذه, لم تشهد على هامشها "أراجوزات تنوير" يتحدثون عن هدم الدولة.. يزعمون أن من يصارع لأجل التغيير, إنما يمارس تخريب وهدم الوطن.. كل عملية تغيير لها خصائصها التى تختلف عن الأخرى.. وكل عملية تغيير ترفع راية التطوير والتحديث والبناء, فضلا عن أن كل أطرافها يحترمون بعضهم البعض.. كلهم يتفقون على أن ما يذهبون إليه هدفه مصلحة الوطن.. كلهم ليس فى قاموسهم كلمة "ثورة" لأن مجتمعاتهم حية.. يرفضون أن يقود بلادهم جهلاء وسفهاء, ونفر من الذين يعتزون بسطحيتهم.. والذين يجاهرون بفائض غباء أصبح نادرا فى هذا الزمن!!

 

لعلى أبدأ من "فرنسا" التى فقد رئيسها أغلبية ساحقة كان يتمتع بها حزبه الحاكم.. تقاسم ما فقده الرئيس, اليسار واليمين.. حدث ذلك بعد أن خاض الرئيس الفرنسى – ماكرون – معركة شرسة فى مواجهة زعيمة اليمين "مارى لوبان".. لم تهتز "فرنسا" كما لم يصب المجتمع الفرنسى بحالة هلع أو رعب.. عجلة الدولة تدور بشكل طبيعى.. حكومة جديدة تتشكل.. برلمان ينعقد بعد تغير خريطته.. صحافة تمارس دورها كما يرى القائمون عليها, وينظم عملها.. مظاهرات لا تتوقف لترفع كل واحدة ما تراه من مطالب وشعارات.. يحدث كل هذا فى إطار دستور لا يجرؤ أى طرف من أطراف اللعبة العبث به!
تأخذنى "بريطانيا" التى عاشت حالة غير مسبوقة فى تاريخها.. يجد رئيس وزرائها الأسبق – بوريس جونسون – نفسه وسط حصار قانونى ودستورى وشعبى.. بل من داخل الحزب الذى يتزعمه.. يضطر إلى الاستقالة.. تحدث عملية التغيير فى إطار قانونهم ونظامهم السياسى.. يتم تنصيب رئيسة وزراء جديدة, ستبقى علامة فارقة فى هذه البلاد.. فقد كانت آخر من كلفتهم ملكة – رحلت – وأول من قبل استقالتها ملك – جديد – ولم تجلس على كرسى المسئولية غير أربعة وأربعين يوما – أم أربعة واربعين – وقالت عنها الصحافة أن عمرها فى الحكم, أقل من عمر "الخساية" دون اتهام الذين أطلقوا هذا الوصف عليها بأنهم خونة.. تولى المسئولية رئيس وزراء جديد, هو الأصغر سنا.. هو الأول من أصول غير انجليزية.. تم إعلان تشكيل حكومة جديدة.. ينعقد البرلمان – مجلس العموم – وتمارس الصحافة دورها فى إطار قانون مستقر.. وتخرج المظاهرات ليعبر المشاركين فيها عن آرائهم, دون أن يتجرأ أحد على اتهام آخر بأنه خائن ويسعى لهدم "بريطانيا".. لأن "جامعى أعقاب السجائر" عندهم لا يمكن أن يكونوا واجهة المجتمع أو سادة فى بلادهم.. هم فقط يستحقون الشفقة!!

 

ثم نذهب إلى "البرازيل" فى أمريكا اللاتينية.. يتنافس رئيس أسبق – لولا دى سيلفا – مع رئيس يجلس على مقعد الرئاسة – بولسينارو – على جولتين.. يتم إعلان نجاح "دى سيلفا" وتشهد البلاد أفراح هنا وأحزان هناك.. لكن الغضب ممنوع.. الرئيس الذى نجح خرج من السجن, بعد اتهامات قاسية تقصم الظهر.. لكن الدولة فيها دستور لا يقبل العبث به, وقانون يرعاه قضاة مستقلون.. الدولة تضمن حرية الصحافة والإعلام, كما تضمن حصانة الأحزاب السياسية.. الشعب هناك يدرك أن هذا الصراع لصالحه.. البرلمان يعلم أعضاؤه أن وجودهم مرهون بالرضى الشعبى.. يحدث ذلك لأنهم تخلصوا من "خدم الملكية والاستعمار" وتم وضعهم فى صناديق القمامة.. لم يجعلوا منهم "مفكرين" يمرحون بثمن ألاعيبهم, ويحتفلون بقدرتهم على الكذب والنصب.. ينعقد البرلمان.. تتشكل حكومة جديدة.. يعيش المجتمع مستقرا.. آمنا دون أى قلق على المستقبل.. لا يستطيع أى طرف اتهام آخر بأنه يمارس الإرهاب!!

 

تابعنا تجربة "إيطاليا" التى عاشت عشرات السنوات دون استقرار سياسى.. عرفت هذا الاستقرار خلال سنوات قليلة مضت.. تم انتخاب "ميلونى" وهى وجه جديد فى الجلوس على مقعد رئيس الوزراء, والمثير أن يقف خلفها الملياردير "برلسكونى" وسبق أن كان رئيسا للوزراء.. لم نسمع أن الديمقراطية هزت المجتمع أو قللت من استقراره.. لكنها صححت نفسها واستمر التقدم الاقتصادى يمضى بقوة وإيمان كل الأطراف بأن بلادهم يجب أن تعلو!

 

رأينا "إسرائيل" التى استمرت لمدة ثلاث سنوات بلا استقرار وشهدت خمس انتخابات متتالية.. فهذا "كيان" لم يمض على زرعه أكثر من مائة عام.. وتمت "فبركة" الدولة قبل ما يقرب من 75 عاما.. لم نسمع أن الديمقراطية خلقت عدم استقرار.. لم يبع القائمين عليها "بخور السلام" باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق تنمية مزعومة.. فإسرائيل "كيان" ينمو ويترعرع على الحرب وبالحرب.. المهم أنهم لا يتهمون بعضهم البعض بمحاولة هدم الدولة أو هز كيان المجتمع!

 

شهدنا تغييرا دراميا فى "الصين" وفق نظام شديد التفرد.. مازال "الحزب الشيوعى" يحكم لكنه ينافس أعتى الدول الرأسمالية فى الثراء.. شيوعية جديدة تطورت لصالح الشعب, وحققت للمجتمع استقرارا ورخاء مع رفاهية لا تقل عن دول الغرب.. يجوز لك أن ترفض الشيوعية, أو تقبلها وتنادى بها.. لكنها نموذج لنظام طار بالدولة الأكبر من حيث عدد السكان, إلى سماء تقدم مذهل حار خصومه – وأعداؤه – فى أسراره.. شهدنا على الشاشات رئيس الحزب السابق, يقتاده الأمن إلى خارج قاعة مؤتمر يشارك فيه آلاف.. حدث ذلك فى وجود رئيس الحزب والدولة وكل أعضاء المؤتمر – الآلاف – ويجوز لك أن تقبل أو ترفض المشهد.. لكنك لا تستطيع أن تنكر أن المجتمع الصينى "المليارى" يعيش استقرارا ورخاء مع رفاهية.. دون أن يعاير الحاكم شعبه بأنه حقق لهم "الأمن والاستقرار" مقابل فقر وجهل وتخلف!!

 

أخيرا كان ما نشهده فى "الولايات المتحدة الأمريكية" التى زرعت عندنا مع انجلترا وفرنسا رجالهم, لكى يعيثوا فى مصر فسادا بضمانات حماية فاجرة.. يحدث ذلك لأن رجالهم فى الحكومة والمعارضة.. ويحدث لاعتقادهم أن مصر ليست مجتمعا صنع معجزات من آلاف السنين.. فى "أمريكا" يصارع رئيس سابق – ترامب – مع رئيس يحكم – بايدن – والفيصل بينهما هو الدستور والقانون, اللذان يضمنان للشعب حرية هى حق لأفراده.. لم يصدر عن مواطن ولا حزب أو صحيفة ولا قناة تليفزيون إتهام لأحد بأنه خائن.. وهذا ببساطة لأن المجتمع كله دفع ثمنا فادحا للمكارثية.. وتعلم الدرس!!

 

كل هذا حدث خلال أيام قليلة فى العلن!

 

يحدث ذلك بينما نحن مكتوب علينا أن نتابع "أراجوزات التنوير" وكذلك "جامعى أعقاب السجائر" وقد امتلكوا صكوك الوطنية, يوزعونها كما شاءوا.. يرشقون من شاءوا بالخيانة, ويمنحون من شاءوا شهادات الوطنية العليا.. يتقاضون ثمن هذا الدور الرخيص من دم الشعب, وعلى حساب أمة عريقة لها تاريخ أغنى وأعمق من دول جعلونا نحلم بأن نكون مثلها!!

 

المؤسف أننا لم نقرأ تاريخ وطننا!!

 

المذهل أننا رهنا عقلنا وضمائرنا عند أعدائنا!!

 

عندما تفاخر أمة ببناء "عمارة" أو "مول" دون أن يلفت نظرها "الأهرام" و"السد العالى".. فهى أمة تم فرض الغيبوبة عليها.. إذا راحت أمة تذكر دوما هزيمتها, وتتجاهل انتصاراتها بداية من طرد "الهكسوس" ووصولا إلى "انتصار أكتوبر 73".. فيجب أن نؤمن بحقيقة تؤكد أننا عشنا سنوات طوال لم نكن فى أيد أمينة.. لا نحترم دستور.. لا يهمنا قانون.. نزهو بسحق الحرية.. نباهى بتبديد الثقافة والإعلام والسياسة.. وإذا وصلنا إلى حد أن "النائب عن الشعب" يطالب بسجن أصحاب الرأى.. ولو أننا تعودنا على أن الوزارة, لا تخدم غير من نصبها.. وإذا اكتفينا بسب منتحلى صفة "مفكر" وقبول "جامعى أعقاب السجائر" لكى يمارسوا دور "المثقف" و"الصحفى" و"السياسى" فنحن مجتمع يغلى.. ثم يتهم هؤلاء المجتمع بأنه يسعى للفوضى والتخريب.. مجتمع يكفر بالعقل والمنطق.. وهى حالة لم يصنعها الشعب, بل فرضها الذين ينتحلون صفة "الأولياء الصالحين", ويطالبوننا أن نعيش فى مولد دائم ضمن طريقتهم السياسية "كالدراويش"!

 

الحقيقة أن "المرعوبين" يراهنون على امتلاكهم القدرة على "التخويف" وهى صورة شديدة العبثية.. لأنهم سحقوا الدستور.. هزموا القانون.. إعتقدوا فى أن المجتمع أصبح لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم.. إطمأنوا إلى معادلة "الصمت مقابل الأمن" وهى واحدة من عجائب القرن الواحد والعشرين, وعلينا انتظار "البركة" التى جعلها أحد "دجاليهم" مقابل "الدولار" فى آخر الزمان!!

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات