آخر الأخبار

عن السد الإسرائيلي في إثيوبيا

 




د. حازم الرفاعى

 

المشروع الصهيونى بشأن المياه هو أحد روافد الرأسمالية ذاتها، التى تسعى لتحويل كل شيء إلى (سلعة). فالسلع والتجارة فيها وتعظيم الربح منها وتحديثها هو قلب الرأسمالية بدءاً من تجارة القطن والملابس فى مطلع الثورة الصناعية إلى التجارة الإلكترونية والإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم. ولهذا فإن النفط سلعة والحرير سلعة والماكينات سلعة يسعى الرأسماليون للتجارة فيها والتربح منها.

 

تحويل (الماء) إلى سلعة ليس مجرد فكرة أو حلم فلقد أخذ أبعاداً عملية فى أسواق المال؛ ففى الولايات المتحدة يوجد (مقياس الماء) تم إنشائه عام ٢٠٠٢ ! ويضم أكبر عشرين شركة للمياه فى العالم! وهو مقياس شبيه بمقاييس الأسهم والسندات.

 

ولقد ظهرت فكرة تجارة ( الماء مقابل النفط) فى تركيا بعد بناء سد الفرات فصارت هناك أحاديث وأفكار عن تبادل النفط بالماء مع دول الخليج. وصار من يتحدثون عن مشاريع المياه يتحدثون بوقاحة أنه: إذا كان النفط يباع فلِمَ لا يباع الماء ؟ فى تجاهل وقح أن الماء يجسد ثلثى جسد الإنسان وأن الماء كالهواء مكون أساسي للحياة.

 

ولكن لماذا تدور الدوائر وتعود لتصور أن لإسرائيل دوراً هاماً فيها، فمهما حصلت إسرائيل على الماء فإن مساحتها لن تسمح لها باستثماره زراعياً أو فى الثروة البيطرية كما يروجون. السبب هو الارتباط العضوى بين إسرائيل ودوائر أسواق المال الغربية فى شمال العالم، من نيويورك لكاليفورنيا للندن. فالوعي الإسرائيلي بآفاق الرأسمالية التجارية والعلمية أمر معاصر وطبيعي.

 

فما يسميه البعض نبوغاً علميا اسرائيلياً هو مجرد تداخل عرقى ضخم وقديم مع الولايات المتحدة تحصل من خلاله إسرائيل على مكاسب محدودة، وتتحول لحقل تجارب وتقدم نفسها من خلاله كحارس أمين لمصالح الولايات المتحدة فى الشرق. فالشعب الإسرائيلي ذاته من بسطاء الناس لا علاقة له بالأمر.

 

وعليه فلقد ظهرت مقولة ترتدى وشاح العلم والمال، ولكنها مقولة سياسية ترتبط بالشرق الأوسط؛ وهى أنه إذا كان النفط سلعة فلماذا لا يكون الماء سلعة. هذه المقولة لها دلالات شرق أوسطية عربية ومصرية وهى تتجسد فى السد العملاق المقام على منبع نهر النيل؛ وهو المشروع الذى يضرب بعرض الحائط العديد من شعارات الرأسمالية الأخرى بشأن منع التغيرات البيئية. فالنهر العملاق الذى سيتحول إلى سرسوب ماء فى شرق السودان، سيحدث تغييرات بيئية مذهلة وسيحدث هجرات متتابعة من تلك المناطق التى سيصيبها التصحر, فإلى أين سيذهبون؟

 

تلك التغييرات البيئية فى السودان هى ذاتها التى تحذر منها قيادات الولايات المتحدة والعالم الحر، والتى استخدمت ضد مشروع قناة جونجلى فى السودان والتى ستستخدم بلا ذرة شك ضد أية مشاريع لتحويل مسارات نهر الكونجو لتصب فى النيل.

 

هذا السد العملاق هو مشروع للتجارة بالمياه، وهو قاطرة اقتحام سلعة الرأسمالية الجديدة وما يحيطها من أرباح وهى الماء. السد ليس سداً إسرائيلياً فحسب، بل هو سد الرأسمالية بجشعها الذى لا يعرف حدوداً أمام الناس.

 

أما إسرائيل: فهى تقدم نفسها وتود أن تكون ( المندوب السامي) لإدارة السياسة والثروات فى الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

فما هو الحل؟ الحل هو إيقاف هذا المشروع بتوغله اللا إنسانى وبناء عولمة جديدة للشعوب بخطاب جديد. هذه العولمة هى صدى ما فعلته مصر ببناء تحالفات جديدة بعد مؤتمر باندونج! وبعد كسر احتكار السلاح سنة ١٩٥5. علينا خلق عولمة جديدة تدرك أن مصالح الإثيوبي والإسرائيلي والمصري والأمريكي والسوداني والروسي هى ضد التجارة فى الماء والهواء، وأن مصر تخوض معركة إنسانية، وليست معركة مصرية فحسب.

إرسال تعليق

0 تعليقات