آخر الأخبار

تصريحات "مهاب مميش" و"الخنافس"!!

 




نصر القفاص

 

 

حرصت على أعلى درجات ضبط النفس والهدوء مع الصبر, فى التعامل مع ملف "مشروع قانون بشأن قناة السويس".. الذى أعتقد أن إقراره سيكون خطا فاصلا بين ما قبله وما بعده!!

 

تابعت تصريحات – تفجيرات – الفريق "مهاب مميش" حول مشروع القانون, الذى فرض "حالة طوارئ" على العقل والوجدان المصرى.. أعرف ما يعلمه الذين أصابهم هول الصدمة.. وأعرف أكثر مما لا يجوز تناوله لأسباب كثيرة.. إنتظرت نفيا قاطعا لما ذكره الفريق "مهاب مميش" أو تأكيدا لما تم إعلانه.. لم يصدر هذا ولا ذاك.. وهذا معناه أن الرجل قال كلمته وكفى.. يكفينى من جملة تصريحاته وصفه لمشروع القانون بأنه "سرطان" إضافة إلى قوله: "مستحيل تنفيذ هذا القانون".. دون إغفال أن الرجل عهدناه مهذبا.. دبلوماسيا.. فقد أكد على الإشادة بالرئيس مع الإشارة إلى وطنيته.. ولكل منا أن يفسر الكلام بما يراه!!

 

أظن أن كلمة "سرطان" تم انتقاءها بدقة!!

 

أعتقد أن جملة "مستحيل تنفيذ هذا القانون" تحتمل معان ورسائل!!

 

دعنا من فهمى وتفسيراتى لأنها تأخذنى إلى "مستنقع السياسة"..

 

ووظيفتى كصحفى أن أضع المعلومات أمام كل من يهمه الأمر.. لا يعنينى أمر "الكلاب المسعورة" التى أعرف أن تجاهلها, يجنبنى شرها وأمراضها!!

 

نعلم جميعا أن "قناة السويس" فى الذاكرة الوطنية تستدعى اسم "دليسبس" وترتبط باحتلال انجليزى إستمر لأكثر من سبعين عاما.. كما تحمل قمة الشعور بالفخر يوم إعلان تأميمها.. فضلا عن أن الأمة المصرية جيلا بعد جيل, تعلم أن القناة تجرى فيها مياه ودماء آلاف الأجداد.. بقدر ما نعلم أنها أهم مصادر الدخل القومى, وأبرز عناوين سيادتنا على أرضنا!!

 

يغيب عن كثيرين منا أن "قناة السويس" كانت دولة داخل الدولة أثناء الاحتلال.. فقد كانت تتمتع بأن لها "علم" غير "علم مصر".. ولها "جهاز مخابرات" قبل أن يكون لمصر "جهاز مخابرات".. وكان يمثلها "دبلوماسى" بدرجة وزير خارجية أكبر من وزير خارجيتنا قبل الاستقلال عن الانجليز.. وكان رئيس مجلس إدارتها يملك حق لقاء "الولد الذى حكم مصر" واسمه "فاروق" دون موعد سابق.. دون أن يملك رئيس الوزراء المصرى شرف لقاءه أو حتى دعوته على العشاء.. كما أن هذه "الشركة" قبل تأميمها لتصبح "هيئة" دفعت الملايين فى تمويل حربين عالميتين.. أنفقت الملايين – مليارات بحسابات هذه الأيام – من أجل قيام دولة "إسرائيل" لأن الشركة كانت تؤمنها وتحميها أكبر قاعدة عسكرية فى العالم قبل تأميمها.. كل هذه حقائق لا تحتمل جدلا ولا نقاشا, لأن وثائق المستعمر نفسها تحمل تفاصيلها وأصبحت معلنة ومنشورة!

 

مقر الشركة – قبل تأميمها – كان فى "باريس" وحتى يومنا هذا!!

 

إدارتها وحمايتها وتحصيل رسومها كان فى "لندن" صاحبة القول الفصل فى أمرها!!

 

عندما اندلعت "الحرب العالمية الأولى" أعلنت شركة "قناة السويس" دخول الحرب إلى جانب "بريطانيا" كواحدة من الحلفاء.. صادرت كل البواخر المعادية للانجليز.. أعلنت – الشركة – أن "الدفاع عن قناة السويس يسبق حيادها".. بغض النظر عن الدولة التى يجرى على أرضها هذا "الممر المائى".. بالضبط مثلما أشار إليه بيان "حنفى الجبالى" الذى يرتدى عباءة رئاسة مجلس النواب!! يؤكد ذلك أن مقر الشركة تم نقله من "باريس" إلى "الجزائر" بعد أن استسلمت "فرنسا" أثناء "الحرب العالمية الثانية".. واجتاحها "هتلر", وقام بتنصيب "الجنرال بيتان" رئيسا لحكومة فرنسية "عميلة" كما أسموها.. وكان فيما سبق أحد أبطال "الحرب العالمية الأولى"!!
تولى "فرانسو شارل رو" رئاسة مجلس إدارة "شركة قناة السويس" لأن رئيس "حكومة فرنسا العميلة" فصله من عمله فى وزارة الخارجية, باعتباره أقرب إلى الحكومة البريطانية.. إنتهت الحرب.. تحول "فرانسو شارل رو" إلى قامة لا تقل عن رؤساء دول أو ملوك.. شارك فى وضع أسس النظام الاقتصادى العالمى, وأصبح يشار إليه باعتباره مفتاح منطقة الشرق الأوسط كلها.. كان يتحدث عن أن الشركة – قناة السويس – مسئولة عن مصر كلها.. بداية من الأمن إلى الصحة مرورا بالموانئ, لأنه يعلم أسرارا استراتيجية خطيرة عن حركة الأساطيل والتجارة العالمية!

 

قبل أن يفجر "جاهل" نفسه فى وجهى.. بأن هذا زمن فات!!

 

أرجوه أن يحاكينى فى هدوئى وصبرى.. لعله ينقذ نفسه من الانتحار!!

 

المعلومات هى مفتاح الحقيقة.. مازال متبقيا منها الكثير.. ضمنها أن إدارة الشركة, كانت شريكا فى سياسات البحرية البريطانية وطرفا فى شئون البحر الأبيض المتوسط.. فهى ليست مجرد شركة.. ليست مجرد مؤسسة مالية أو بحرية أو اقتصادية.. فالشركة التى كان يترأسها – وقت تأميمها – "فرانسو شارل رو" لك أن تعلم عنه أنه ابن "شارل رو" نائب "دليسبس" الذى ترأس مجلس إدارتها منذ كانت فكرة حتى رحل.. وكان مجلس إدارتها يضم "جورج بيكو" ابن الرجل الذى تعرف اسمه حين تذكر معاهدة "سايكس – بيكو".. وكان مجلس الإدارة يضم "لورد هانكى" سكرتير لجنة الدفاع عن الإمبراطورية البريطانية, والأقرب إلى رئيس وزراء بريطانيا.. ومعهم "ديوران فييل" رئيس أركان حرب البحرية الفرنسية.. إضافة إلى "بنكنى تاك" أكبر رجال الأعمال الأمريكيين, إلى جانب موقع رسمى كوزير مفوض فى السفارة الأمريكية بالقاهرة.. ومعهم من الجانب المصرى "على الشمسى" أحد "باشوات" زمن ما قبل الثورة, إضافة إلى "إبراهيم عبود" رجل المال الذى ثبت أنه دفع للملك مليون دولار مقابل إقالة وزارة "نجيب الهلالى" الأولى, لمجرد أن الأخير ركب رأسه مطالبا الرجل بدفع ما عليه من ضرائب.. ولن أتوقف أمام "خلفاء عبود" فى زمننا هذا, لأن القاصى والدانى يعلم أسماءهم جميعا!!

 

عندما قامت "ثورة 23 يوليو" تبعثرت أوراق كثيرة.. حاولت إدارة شركة قناة السويس" البحث عن طريق أو أسلوب مع رجالها, يختلف عما كان سابقا.. أدركوا أن قائدها – زعيمها – هو "جمال عبد الناصر" فقام "فرانسو شارل رو" بتقديم طلب للقائه.. كان الرد عليه بان يذهب لمقابلة وزير التجارة, باعتبار أن هذا اختصاصه.. راح "الإمبراطور" الذى كان يتحكم فى أهم شريان تجارى دولى على وجه الكرة الأرضية, يستنجد بسلطات الاحتلال.. عقد اجتماعات.. طلب دراسات.. إنتهى إلى رفض جلاء الانجليز عن مصر, لأن هذا سيعنى أن تكون "قناة السويس" فى مهب الريح!!.. شرح أسباب رؤيته فى مخاطبات رسمية – أصبحت منشورة فيما بعد – ولا أظن أنه يحتاج شهادتى بأنه كان يملك رؤية مستقبلية دقيقة وواقعية.. لأنه لم يذهب إلى ذلك بما فى رأسه.. إنتهى إليه فى ضوء عشرات الاجتماعات, ومئات الاستشارات مع عدد من الدراسات التى شاركت فيها "مطابخ" على أعلى مستوى.. فالأمر يتعلق بشركة "قناة السويس" التى كانت القوتين العظميين تديرانها – فرنسا وبريطانيا – كما كانت قوة عظمى أخرى قادمة – أمريكا – تضع أقدامها داخل إدارتها!!

 

دارت معارك "عض أصابع" و"صراع إرادات" بين هذه القوى والثورة!!

 

كان قائد – وزعيم – الثورة يدرك أبعاد هذه المعارك.. لدرجة أنه رفض دعوة السفير البريطانى لزيارة "قاعدة قناة السويس" بتأكيده أنه لا ينتظر دعوة سفير دولة احتلال لزيارة جزء من أرض مصرية.. كما أضاف: "الشعب المصرى ينتظرنى معه, وليس معكم خلف أسلاك شائكة تفصلهم عن القناة وسيناء".. وهذه المواقف والمعانى كشفتها – ونشرتها – وثائق أعداء مصر – آنذاك – الذين أصبحوا أصدقاء فى "الزمن الأمريكى" مع كل التقدير للصداقة إذا كانت على قاعدة "نسالم من يسالمنا.. ونعادى من يعادينا" كما أعلن "عبد الناصر" فى احتفالات "عيد الجلاء" وتحرير مصر من الاستعمار.. وهنا أسجل فخرى واعتزازى بأن أكون "مصنف ناصرى" كما اعتقد جاهل أنه يسبنى.. وظنى لو كان الدكتور "جمال حمدان" حيا, لأبلغ فى هذا الجاهل أجهزة الأمن باعتباره القائل "الناصرية هى الوطنية المصرية".. ورغم كل هذا أسجل براءتى من كل الذين تاجروا وتربحوا من "الناصرية" مع أنظمة مختلفة!!

 

لأننا نملك عقولا.. ننفق عمرنا فى قراءة التاريخ وفهمه.. علينا واجب "التنوير" بما لدينا من معلومات.. تأخذنا صدمة "الكارثة", أن يتم إعادة إنتاج ما دفعت مصر ثمنه فادحا .. دما ومالا وزمنا.. لمجرد أن يظهر بيننا "دليسبس مصر" يرفع لافتة "محام دولى" لا يهمه وطن.. لا يعنيه ماض ولا حاضر ولا مستقبل وطن – لا أقصد بالطبع مستقبل وطن الحزب – أعنى مصر التى أعلن "عبد الناصر" تأميم "قناة السويس" حينها باسم "الأمة".. وهى "الأمة" نفسها التى فرضت على "مهاب مميش" أن يقول كلمته لها.. ربما لأنه كان شابا وقت تأميم القناة, وكان مقاتلا خلال معارك هذه الأمة فيما بعد.. أما الفريق "أسامة ربيع" رئيس الهيئة الحالى, فهو يقول ما شاء – هذا حقه – وبيننا وبينه التاريخ.. كما سيكون التاريخ حكما عادلا, بين مصر وأولئك الذين جعلوهم "أعضاء مجلس النواب" لأنها لحظة فارقة فى التاريخ.. هذا التاريخ الذى لا ينسى "خاير بك" ولا "على خنفس" ولا كل "الخنافس" الذى أتوا بعده وحتى اليوم!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات