علي الحفناوى
عندما تصرح منظمة
الصحة العالمية أن ثاني أهم أسباب الوفاة في مدن العالم هو التلوث السمعى، حيث أن
أولها هو التلوث الجوى، يجب أن ننتبه ونحاول التعمق في دراسة هذه الظاهرة الحضرية
وفهم مدى تأثيرها على الصحة العامة، خاصة في مدن كبيرة مثل القاهرة حيث يضرب
الجميع عرض الحائط بمثل تلك الاعتبارات الهامة.
وقد أوضحت منظمة الصحة العالمية
أن ارتفاع نسبة الضوضاء في المدن، ناتجة عن حركة سير المركبات في الطرق وأصوات
نفير سيارات الإسعاف والشرطة، بالإضافة إلى كل الأصوات الناجمة عن استخدام الآلات
المتنوعة في الإنشاءات والصيانات التي تستخدم المحركات الحرارية، وغيرها من أسباب
الضوضاء العام المحيط بسكان المدن... كذلك أوضحت المنظمة أن الوفيات التي تتسبب
فيها الضوضاء ناتجة عن التوترات العصبية المسببة لارتفاع ضغط الدم والأزمات
القلبية.
وكنت قد قررت بصفة
شخصية منذ سنوات الابتعاد عن الحياة في المدن، وأقيم حاليا في إحدى قرى الساحل
الشمالى طوال العام، حيث لا يوجد تلوث جوى أو سمعى، أدرك تماما حقيقة هذا التصريح
الذى أطلقته منظمة الصحة كلما اضطررت للحضور للقاهرة لقضاء بعض الأمور الإدارية...
ففي القاهرة، لا أنعم بهدوء الساحل، حيث أقيم بجاردن سيتى محاطا بأصوات أجهزة
التكييف المركزية على أسطح المباني المجاورة، وأصوات آلات تنبيه السيارات المكدسة
بشوارع الحي، وأصوات مكبرات الصوت، سواء تلك التي تخترق الحوائط لإذاعة الحفلات
والأفراح أو لإعلان آذان الصلوات (للأسف بأصوات تصرخ بشكل منفر غير ملائم لتحفيز
المصلين على قضاء الشعائر)... نعم مصادر التلوث السمعى عديدة لا حصر لها في المدن،
ولكن ما الحل؟
قامت بعض المنظمات
البحثية في العاصمة الفرنسية باريس، وهى أكثر مدن أوروبا في نسبة الضوضاء، بوضع
أجهزة قياس لدرجات الصوت وأنواعها ومصادرها في معظم شوارع باريس، ثم استخدمت نتائج
القياس في عمل خرائط للضوضاء وفقا لأيام الأسبوع ولساعات النهار، فاستطاعت
مقارنتها بخرائط الأمراض العصبية في العاصمة، وبخرائط النجاح والفشل المهنى
للسكان، فإذا بالنتائج تظهر صادمة؛ فحيث يزيد الضوضاء تزيد الوفيات بسبب الأمراض
العصبية، ويزيد الفشل المهنى للسكان، بل أظهرت الدراسة كذلك نفوق العديد من أنواع
الطيور التي كانت مستوطنة العاصمة، وهجرة البعض منها إلى خارج المدينة... لذلك،
قررت مدينة باريس تغيير نوع أسفلت الشوارع واستخدام أنواع جديدة لها قدرة مرتفعة
على امتصاص صوت احتكاك عجلات المركبات بالإسفلت، كما قررت زيادة المساحات الخضراء والإكثار
من الأشجار في الشوارع التي ثبت قدرتها على امتصاص نسبة من الضوضاء العام،
بالإضافة طبعا لقدرة الأشجار على التخفيف من التلوث الجوى. هذا بالإضافة إلى
إجراءات متنوعة لخفض مصادر الضوضاء.
علما بأن أكثر شوارع
باريس ضجيجا تصل فيها درجة الصوت المرتفع إلى 90 ديسيبل (وحدة قياس ارتفاع الصوت)،
نجد أن بعض العواصم في العالم لا تزيد فيها درجات الصوت عن 50 ديسيبل، وبعض
العواصم الأخرى، ومنها القاهرة، تزيد درجة الصوت المرتفع عن 160 ديسيبل... فماذا
نحن فاعلون للحفاظ على السكان من الأمراض العصبية ومن الفشل المهنى؟
قد تكون البداية
بالتوعية لإدراك أن الأصوات المرتفعة قاتلة.
0 تعليقات