عمر حلمي الغول
واحدة من الجبهات
المحتدمة على مدار الساعة، والتي لم تتوقف ثانية واحدة، هي معركة الصراع بين
الجلاد والضحية، بين السجان وأسير الحرية، بين المجرم القاتل والمغتصب للأرض
والثروات ولحقوق الإنسان والمواطن الفلسطيني صاحب الأرض، والمدافع عن حقوقه
الوطنية السياسية والقانونية والإنسانية، والتي أقرتها قرارات الشرعية الدولية،
وكفلت للفلسطيني حق استخدام كافة أشكال الكفاح لنيل حريته واستقلاله وعودته وتقرير
مصيره على ارض وطنه الأم فلسطين.
وإذا تتبعنا سيرورة
الصراع من محطة احتلال باقي أراضي فلسطين التاريخية والجولان السوري وسيناء
المصرية في الخامس من حزيران 1967، وفتح دولة التطهير العرقي الإسرائيلية أبواب
الباستيلات الصهيونية لقهر وقمع حرية وإرادة الشعب الفلسطيني، التي ارتكزت على
القانون البريطاني، الاعتقال الإداري المناف لحقوق الإنسان، والذي تخلت عنه الدول
كافة بما في ذلك بريطانيا، بقيت دولة الإرهاب والجريمة المنظمة متمسكة به حتى يوم
الدنيا هذا، وعملت وتعمل على توسيع نطاقه، وتعميق جرائم سلطات السجون ضد اسري
الحرية الإبطال داخل أسوار المعتقلات والزنازين لتضييق خناق القيد ومقصلة الموت على
رقاب جنرالات الأمل والحياة والكرامة من الفلسطينيين، وتم اعتقال ما يزيد عن
المليون فلسطيني، واغتيال 233 أسيرا أخرهم الشهيد البطل ناصر أبو حميد نهاية شهر
كانون 1/ ديسمبر الماضي، وشهدت السجون صراعا دمويا في العديد من المواجهات الناجمة
عن اقتحامات جنود جيش الموت الإسرائيلي لأقسام وغرف وزنازين رجال الحرية البواسل،
وارتكب العدو الصهيوني العديد من الجرائم البشعة ضدهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر،
ساورد ما رصدته المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وأبرزها هيئة شؤون الأسرى المحررين،
ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي
حلوة – القدس عن جزء من تلك الجرائم، التي ارتكبت خلال العام المنصرم 2022 فقط،
ومنها:
تم اعتقال 7000 ألاف
مواطن فلسطيني من الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة، من بينهم 882 طفلا و172
امرأة. وفي بعض حالات الاعتقال استخدمت قوات الجيش والأجهزة الأمنية أفراد
العائلات كدروع بشرية، ونفذت عمليات اعتقال بهدف الضغط على المطاردين لتسليم
انفسهم، وطال ذلك أشقاءهم وأصدقاءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وابناءهم. ولم تتورع
الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن ارتكاب مطلق جريمة لتنفيذ عمليات الاعتقال
للمناضلين الفلسطينيين
وهناك شبه اجماع بين
معظم مؤسسات حقوق الانسان، بان العام 2022 كان الأكثر دموية وتكثيفا لجرائم
الاعتقال، والتنكيل بالمناضلين وذويهم واصدقائهم خلال السنوات العشر الأخيرة. كما
وشهد العام الماضي عملية امنية عسكرية واسعة تحت عنوان "كاسر الأمواج" بعد
سلسلة من الهجمات الفدائية المسلحة ضد قواتها الاستعمارية وقطعان مستعمريها، كان
احد أهدافها اعتقال عددا من المناضلين بادعاء، انهم يخططون للقيام بهجمات فدائية
ضدهم.
ووفق بيانات تلك
المؤسسات، فإن عدد اسرى الحرية في السجون حتى نهاية 2022 (4700) اسير حرب، بينهم (29)
أسيرة، و(150) طفلا، وقرابة (850) معتقلا إداريا، بينهم (7) أطفال، واسيرتان، و(15)
صحفيا. وهذه الأرقام ليست ثابته، بل متحركة صعودا وهبوطا وفق تطور الاحداث، وحسب
خلفيات عمليات الاعتقال.
ولكن مع تولي ايتمار
بن غفير، وزير ما يسمى الامن القومي، الذي يشرف على السجون، فإن المواجهة ستحتدم
اكثر فأكثر، وبالضرورة ستأخذ عمليات المواجهة داخل الباستيلات منحا اكثر دموية
وتعقيدا، وقد ترتفع نسبة الشهداء نتاج تلك المعارك المفتوحة في مختلف السجون
الاجرامية.
ومن بين الجرائم التي
ترتكبها سلطات السجون ضد اسرى الحرية، الإهمال الطبي، حيث تفيد المعطيات، ان عدد
الاسرى المرضى حتى نهاية العام اكثر من (600) اسير يواجهون أوضاعا صحية خطرة تهدد
حياتهم، من بينهم (200) اسير واسيرة يعانون أمراض مزمنة، و(24) اسيرا مصابون
بالاورام الخبيثة والسرطان بمستويات متفاوتة، و(6) اسرى مقعدين، و(33) يعانون
امراض في العيون، و(34) امراض الكلى، و(120) اسيرا مصابا برصاص جيش الموت
الإسرائيلي، و(58) اسيرا يعانون من امراض القلب، و(16) يعانون من امراض في الدم
والاوعية الدموية، و(79) منهم مصابين بامراض العظام، و(45) يشتكون من امراض نفسية
واعصاب، و(27) من التهابات في الأجهزة التنفسية، بالإضافة للعشرات ممن يشتكون من
امراض الاسنان، وامراض الضغط والسكري المزمنة.
وكل ذلك جاء نتيجة
سياسة الإهمال الطبي الاجرامية، وهي احد أسلحة المواجهة، التي تستخدمها سلطات
السجون لتنفيذ عمليات الإعدام البطيء والممنهج، الذي يتنافى مع ايسط الشرائع
والقوانين الدولية، ونجم عن ذلك رحيل (74) شهيدا من اسرى الحرية منذ العام 1967 من
بين ال233 شهيدا. وسلاح الإهمال الطبي سيتضاعف اكثر فاكثر مع تولي نتنياهو حكومته
السادسة، أي الحكومة الأكثر فاشية.
فضلا عن سياسة العزل
الانفرادي باشكاله المتعددة داخل السجون، والتي تفاقمت في العام الماضي نتاج تمكن
اسرى جلبوع الستة من نيل حريتهم لبعض الوقت في أيلول / سبتمبر 2021، وبلغ عدد
الاسرى الخاضعين لعمليات العزل الانفرادي اكثر من (70) اسيرا، وهي النسبة الأعلى
منذ عام 2012.
وتؤكد المؤسسات
الحقوقية، ان سياسة العزل الانفرادي تمثل اخطر أنواع السياسات التنكيلية، التي
تنفذها إدارات السجون بحق الاسرى البواسل، وهذه السياسة الاجرامية تهدف الى اعدام
بطيء للأسرى نفسيا وصحيا من خلال الاحتجاز لفترات طويلة، وعزلهم في زنازين لا تصلح
للعيش الادمي، لانها مظلمة وضيقة وقذرة وجدرانها، التي تخنق الاسرى بعفونتها
ورطوبتها، وحماماتها آسنة وقذرة وبائدة، وتنتشر فيها الحشرات، وتعتبر زنازين العزل
الانفرادي مخزن لكل الموبقات وعمليات القتل العمد وعن سابق تصميم وإصرار.
معركة الاسرى هي
معركة الكرامة والحرية والدفاع عن السلام، معركة كل الشعب العربي الفلسطيني. لاسيما
وان هناك مستويات لعمليات الاعتقال، فالاستعمار الاجلائي الاحلالي الصهيوني، هو
معتقل كبير لكل أبناء فلسطين الصامدين على تراب وطنهم الام، وهناك الباستيلات ال23
والتي قد يتضاعف عددها في الفترة القادمة نتيجة صعود الفاشيين الجدد لمركز القرار.
بطبيعة الحال لن يغيروا كثيرا من محتوى الصراع، ولكنهم سيرفعوا من منسوب التحدي،
ومن مضاعفة جرائم القتل، وستصبح محاكم التفتيش الصهيونية اكثر وحشية. كما ان
المواجهات مع إدارات السجون ستأخذ منحا اخر، اكثر شراسة وعدوانية وهمجية.
واي كانت طبيعة المعارك
التي سيشارك بها اسرى الحرية ضد الجلادين الصهاينة، فإن النصر المؤكد لابطال
السلام والتحرير والعدالة، لابناء الشعب العربي الفلسطيني.
0 تعليقات