آخر الأخبار

الخديوى عباس.. وقناة السويس!!





 

نصر القفاص

 

حكم "عباس الثانى" مصر بعد وفاة أبيه – الخديوى توفيق – وكان شابا دون الثامنة عشرة من عمره.. إلتف حوله الوطنيون على أمل أن يحمل راية تحرير الوطن من الاستعمار الانجليزى.. كان يسانده ويدعمه "مصطفى كامل" و"محمد فريد" و"أحمد لطفى السيد" و"سعد زغلول" والإمام "محمد عبده" فضلا عن الشيخ "على يوسف" صاحب "المؤيد" أى رئيس تحريرها.. وتطول قائمة الذين تفاءلوا بهذا الحاكم الجديد.. وبعد سنوات قليلة إنفض عنه الجميع – عدا على يوسف – وانقلب بعضهم إلى العداء الواضح والشديد, بعد أن اكتشفوا "مراهقته السياسية" واعتماده الخداع والكذب كمنهج حكم.. ثم ركب "قطار الفساد السريع" ليتصدى له فضيلة المفتى "محمد عبده" الذى استمر يحظى بحب وتقدير الشعب والنخبة الجديدة, التى راحت تتشكل!!

 

ذكر "الخديوى عباس" أن "كرومر" زاره بعد أن استقر على كرسى الحكم.. تحدث معه طويلا حول أمور عامة: "جعلنى أفهم أننى إذا تمسكت بكرامتى, ورفضت دور الكومبارس الذى ترغب انجلترا أن تتركنى له.. فإنه سيدفع الشعب المصرى للوقوف ضدى"!! وأشار "الخديوى" إلى كراهيته للثورة العرابية ورموزها.. لكنه حاول استيعاب الذين اعتقد أنهم يمكن أن يدعموه فى مواجهة "الداهية كرومر" وكان "محمد عبده" أبرزهم.. ويذكر "أحمد فتحى زغلول" شقيق "سعد زغلول" أن "الخديوى" قال له بوضوح: "إننى أكره الشيخ محمد عبده كراهية شديدة"!! لذلك أوعز إلى "محمد أبو شادى" أن يصدر جريدة "الظاهر" لكى تسقط "الإمام" وتحاول فض العلماء من حوله, وتجعل الشعب ينصرف عنه.. فى المقابل قدم الدعم السخى للشيخ "على يوسف" وجريدته لكى تجمع حولها شباب الحركة الوطنية التى بدأت تتشكل!!

 

يذكر "محمد فريد" فى مذكراته أنه و"مصطفى كامل" صارحاه بأ ن الرأى العام ساخط على الشيخ "على يوسف" وأن مساندته له تأخذ من رصيده.. يقول: "فوجئنا بأن الخديوى يقول لنا: رأى عام إيه.. هو فيه حاجة اسمها رأى عام أو أمة؟!.. ووجه كلامة إلى مصطفى كامل قائلا: أنا ما احبش حد ينصحنى.. أنا عارف واجبى"!!.. هنا قرر "مصطفى كامل" القطيعة معه, وكتب رسالة تحمل هذا المعنى بوضوح نشرتها جريدتى "اللواء" و"الأهرام".. خاصة بعد أن اكتشف "الخديوى" – أيضا – أن صديقه "على يوسف" يتجسس على "مصطفى كامل" خلال رحلاته فى أوروبا.. ثم اتجه إلى الرهان على "بطرس غالى" لكى يؤكد ارتماءه فى أحضان الانجليز!!

 

كان "سعد زغلول" متفائلا بالخديوى الشاب, وداعما له لحد أنه رافقه فى زيارة إلى "الآستانة" عام 1893 ليدعمه أمام السلطان العثمانى.. صاغ بيانا يحمل هذا المعنى وقع عليه "أحمد لطفى السيد" و"على يوسف" و"قاسم أمين" و"حفنى ناصف".. ومن المعروف أنه حتى هذه اللحظة كان عدد كبير من تلك النخبة لا يحملون عداء للدولة العثمانية.. ولا يرونها دولة مستعمرة لأرضهم.. ويركزون جل جهدهم فى مواجهة اللانجليز.. لكن "سعد زغلول" اكتشف فيما بعد أن "الخديوى" يحرض ضده من حوله.. واكتشف أنه يساند "الباب العالى" فى محاولاته لسلخ شبه جزيرة سيناء من مصر.. لكن انجلترا تصدت له وللدولة العثمانية دفاعا عن مصالحها فى مصر بعد أن وضعت يديها عليها.. ولما جرؤ على إقالة "مصطفى فهمى" والد السيدة "صفية زغلول" من رئاسة مجلس النظار – الوزراء – فوجئ بزئير "كرومر" فى وجهه, وأجبره على العودة فى قراره, القاضى بتعيين "حسين فخرى" الذى لم يصمد لأكثر من ثلاثة أيام.. بعث بإنذار شديد اللهجة إلى "الخديوى" وأجبره على تعيين "رياض باشا" كبيرا للوزراء.. بعدها حدث خلاف بين "الباب العالى" وسلطة الاحتلال الانجليزى على تبعية "طابا" إلى مصر.. أراد "الخديوى" دعم الموقف العثمانى, فسمع من "كرومر" قوله: "إذا رفعت إصبعى الصغير, يمكننى أن أجعل الأسطول البريطانى يتحرك من مالطا إلى الإسكندرية"!!

 

عندما يتكلم التاريخ.. على الجهلاء أن يصمتوا ويتعلموا!!

 

صحيح أن الجيل الأول من الأحزاب ظهر فى عهد الخديوى "عباس" .. وصحيح – أيضا – أن أول جامعة مصرية – القاهرة حاليا – تأسست فى عهده.. كما ظهرت صحف عديدة برعايته, ويرى البعض أنه كان وراء إنشاء خزان أسوان عام 1902.. لكنه فرط فى "السودان" ووقع اتفاقية الحكم الثنائى عام 1899, بقلم "بطرس غالى".. وكاد عبر الرجل نفسه أن يوقع على اتفاقية تقضى بمد امتياز "قناة السويس" أربعين عاما جديدة لينتهى عام 2008 بدلا من 1968.. وكاد الأمر يصبح نافذا قبل أن تنطلق رصاصات "إبراهيم الوردانى" فى صدر "بطرس غالى" ليغتاله عام 1910, وتم صرف النظر عن الاتفاقية.. ودفع القاتل حياته ثمنا لما فعل بتنفيذ حكم الإعدام فيه.. وكاد الخديوى "عباس" نفسه يدفع حياته ثمنا لآلاعيبه عندما أطلق عليه الشاب "محمود مظهر" الرصاص فى "إسطنبول".. ليتم نقله إلى "فيينا" لعلاجه.. ثم كان إعلان خلعه بعد أن قررت انجلترا فصل مصر عن الدولة العثمانية, وإعلان انتدابها عليها لاندلاع الحرب العالمية الأولى!!

 

كانت – ومازالت – سيناء وقناة السويس عنوانا وسببا فى صراع مصر مع قوى عظمى مختلفة.. وستبقى كذلك إلى قيام الساعة.. وهى المساحة والمكان السحرى فى كيان هذا الوطن.. وكانت – ومازالت – شرف مصر وعرضها الذى لا يقبل عبث أو مراهنة.. ومن هنا يمكن أن نستوعب أن قرار تأميم قناة السويس, كان هو الأخطر والأهم فى تاريخ مصر الحديث.. وتتعاظم الأهمية والخطورة, لأن القرار ارتبط ببناء "السد العالى" لحماية أمن مصر المائى.. فقد كان القرار سببا فى انهيار إمبراطوريتى إنجلترا وفرنسا, وظهور إمبراطوريتى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى.. وإذا طرحنا "قناة السويس" فيما يقال عنه "الاستثمار" فى هذه اللحظة, بإعلان ما يسمى "صندوق قناة السويس" سنكون كما لو أننا اخترنا إطلاق الرصاص على أقدامنا!! دون أن أخوض فى تفاصيل صراع دولى سينتهى إلى نظام عالمى يختلف عن "الزمن الأمريكى" الذى شاهدناه يتداعى يوم "اقتحام الكونجرس".. وتأكد ذلك عندما تابعنا "الهروب الكبير" من أفغانستان وتسليمها لجماعة "طالبان" دون خجل من "عيال أمريكا" الذين يعيثون فسادا فى "أرض الكنانة" لاعتقادهم وإيمانهم بما كان يراه الخديوى "عباس" القائل: "رأى عام إيه.. هو فيه حاجة اسمها رأى عام أو أمة"!!

 

وجدتنى أرجع إلى التاريخ هربا من أن أكتب عن مسرحية "الحب فى الصندوق" التى قدمها "محمد نوح" وحققت نجاحا كبيرا وقتها.. وكان يغنى خلالها: "مدد.. مدد.. مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد.. وان كان فى أرضك مات شهيد.. فيه ألف غيره بيتولد"!!.. والمفارقة أن أنوار المسرح المصرى إنطفأت حتى لا نشاهد مسرحية "الطبلجية" المعروضة على مواقع "التواصل الاجتماعى".. لأن "الشعب المصرى الشقيق" لا يعدم حيلة!!

 

إرسال تعليق

0 تعليقات