آخر الأخبار

ذكريات الصقيع .. والصبر.. والنصر أيضا

  

 

 


 

بقلم/ محمد شمس

 

نقيب احتياط قائد سرية رشاشات بالكتيبة 12 من اللواء الرابع

أبطال تحرير النقطة الحصينة (تبة الشجرة)

 

هذا الصقيع الذى نعيشه هذه الفترة يذكرنى بصقيع مماثل عشته بعد تخرجى مباشرة من كلية ضباط الاحتياط الدفعة 28 أواخر عام 70 وأوائل 71 برتبة الملازم .. حيث تم توزيعى ومجموعة من زملائى على الفرقة الثانية مشاة ، وقابلنا فى مكتبه بمنطقة عز الدين بالإسماعيلية قائد الفرقة الثانية سيادة العميد حسن أبوسعدة الفريق بعد ذلك (رحمه الله ) ولاأنسى شخصية هذا القائد أبدا وكلماته الوطنية القوية التى غرست فى نفوسنا حب هذا الوطن وعشق وشرف ان تكون ضابطا فى الجيش المصرى .. تم توزيعى على اللواء الرابع مشاة الكتيبة 12 .. كان اللواء الرابع والكتيبة 12 طبعا ومعظم الفرقة الثانية تقوم بتنفيذ مشروع تدريب ضخم بمنطقة صحراء الخطاطبة بالمنوفية .. فقلنا لأنفسنا أكيد سنبقى فى قيادة الفرقة بالاسماعيلية .. لكن ميزة الجيش أنه لايتركك تفكر طويلا مع نفسك فقد جاء الأمر الحاسم الفورى بأننى سأركب مع رتل القوات المتوجهة إلى منطقة المشروع بالخطاطبة ( الرتل مجموعة كبيرة من سيارات الجيش الناقلة للجنود ) وأننى سأكون مسئولا عن قيادة مجموعة من هذه العربيات بمن فيها من جنود وعتاد ، وهكذا جعلنى الجيش قائدا مسئولا من أول لحظة .. ركبت ومعى مخلتى الميرى (مهماتى) فى كابينة إحدى العربيات وجاء المساء ونحن مازلنا فى الطريق وكان معى راديو صغير ترانزستور ولن انسى أنه كانت حفلة على الهواء لنجاة كانت تغنى لأول مرة قصيدة نزار قبانى ولحن عبد الوهاب : متى ستعرف كم أهواك ياأملا أبيع من أجله الدنيا ومافيها .. المهم اننى وصلت إلى قيادة اللواء الرابع بمنطقة المناورات بالخطاطبة فى الفجر .. ولن أنسى كمية البرد والصقيع والمطر التلج بالإضافة إلى الظلام الدامس .. وكنا أيضا فى شهر يناير .. فقلت فى نفسى : أكيد هنبيت فى قيادة اللواء إلى الصباح أو حتى حد يسقينا كوباية شاى فى الجو التلج ده.. لكن مع الجيش دعك من نفسك فقد جاء الأمر الحاسم الفورى بركوب عربية تنقلنى فورا إلى الكتيبة 12 .. وصلت إليها فقلت فى نفسى أكيد هنبيت فى قيادة الكتيبة أو حتى حد يسقينا كوباية شاى .. واللى خلقك أبدا تم توزيعى فى نفس اللحظة على السرية الثالثة وكان قائدها النقيب حمدى عبد المقصود البندارى ( وبعد ذلك رائد رئيس عمليات الكتيبة أثناء الحرب ) وكان معه قادة الفصائل وأعتقد انهم إن لم تخنى الذاكرة :ملازم أول طلبة رضوان ( قبل ترقيته ونقله لقيادة السرية الأولى ) والملازم اول مدحت الميهى وأعتقد الملازم مفتى عبد العزيز إمام .. ولن انسى أبدا حسن استقابلهم لى وترحيبهم الكبير بى .. وقام الزملاء بتقديم بعض الطعام لى والمهم إنى شربت أول كوباية شاى .. طبعا ياجماعة هذه المنطقة صحراء تماما مفيش اى مبانى .. كل سرية معها عربية ( يونيماج ) سكل العربيات الدايهاتسو النصف نقل بس عالية ومجهزة بمشمع يغطى الصندوق وفيه مرتبة لكل ضابط وبعض البطاطين وهذا هو مكان نوم الضباط .. أما الجنود فكان مع كل جندى ( ضلع هايك ) عبارة عن مشمع بحيث أن كل 3 أو 4 جنود يصنعون من هذه الأضلع خيمة صغيرة ينامون فيها .. الذى لايمكن ان أنساه اننا فى المساء بعد انتهاء التدريبات القاسية نهارا كنا نغط فى نوم عميق طبعا .. وفى إحدى الليالى زاد المطر والصقيع بغزارة ونحن نائمون فوجدنا المشمع الذى يغطى السيارة قد تمزق وانصبت كل المياه المتجمعة عليه فوقنا .. طبعا المياه غرقتنا وغرقت المراتب والبطاطين وكل هدومنا ومهماتنا .. نزلنا تحت السيارة إلى الصباح لنحتمى من المطر .. لكم ان تتخيلوا قدرتنا على التحمل ونحن غرقانين فى المياه فى هذه الصحراء مع الرياح الرهيبة .. لقد قضينا أكثر من عامين ونصف فى هذه التدريبات الشاقة أحيانا فى عز البرد وأحيانا اخرى فى عز الحر .. فلا أحد يدرى متى ستقوم الحرب ..

 

لكن الصبر كان السبيل الوحيد لنا .. لذلك نصرنا الله .. فإن العمل والصبر هما مفتاح النصر .. تذكرت ذلك ونحن الآن فى بيوتنا حيث الأبواب المغلقة والدفايات الكهربائية والبطاطين المفتخرة .. أرجوكم ياشباب مصر تذكروا الآن وفى هذا الجو مايعانيه أفراد القوات المسلحة وهم فى الصحراء يحمون الحدود ويقاومون الإرهاب الأسود ..

 

على الأقل أدعوا لهم .. فاللهم ثبتهم وصبرهم وانصرهم 

إرسال تعليق

0 تعليقات