نصر القفاص
يتمتع "الممثل
الفاشل" بقدرات تميزه عن "المثقف الجاد" أمام الكاميرات!!
يخطف "الممثل
الفاشل" الأنظار.. بينما قضية "المثقف الجاد" هى مخاطبة العقول!!
هناك قاعدة تعلمناها
فى قاعات درس الإعلام تؤكد: "أمام الكاميرا ليس مهما ماذا تقول.. لأن المهم
هو كيف تقول!!.. وإذا كتبت فالمهم ماذا تقول"!!
تأخذنى القراءة بأكثر
من المشاهدة.. أستمتع بالكتابة أكثر من تقديم البرامج.. وشاء حظى أن أعيش زمنا
مارست خلاله كليهما.. لكننى تعلمت مما أقرأ الكثير.. ربما لإيمانى بأن أول فعل فى
القرآن الكريم كان "إقرأ" وهو أمر.. فرض.. ليس سنة!!
توقفت أمام صفحة من
كتاب "فى كواليس الشرق الأوسط" وهو مذكرات "إريك رولو" الفرنسى
من أصل مصرى.. اليهودى المقاتل لأجل القضية الفلسطينية.. الشيوعى الذى ينتصر
للحرية والليبرالية!! كان يحكى عن اللحظات الأولى للقائه مع "جمال عبد الناصر"
فى بيته بمنشية البكرى.. وصف الكاتب البيت وهيئة ساكنه, بأروع مما لو شاهدته عبر
كاميرا تليفزيون.. ثم ذكر: "أظهر عبد الناصر فضولا لا حد له, وقدرة على
الإصغاء خارقة للعادة.. وقبل أن أتمكن من طرح أسئلتى للحوار الذى جئت لإعداده
ونشره فى صحيفة لوموند"!!
أضاف أنه سألنى:
"كيف تمكنت من شراء الشقة التى أقطنها فى قلب باريس بالتقسيط.. وماهو معدل
الفائدة للقرض الذى حصلت عليه.. بأى نسبة تتسبب الأقساط فى إرهاق ميزانيتى.. حملته
إمارات الدهشة البادية على وجهى على الاعتذار على تطفله!! فسر ما فعله برغبته فى
معرفة إذا كان بإمكانه تزويد المصريين بمساكن مخفضة وتملكها.. ثم قال أن هذا
النظام لا يفى بدخل الأغلبية العظمى للمصريين الذين يعيشون على حد الكفاف"!!
الكتابة هنا ليست
لتمجيد "عبد الناصر" لأنه ساكن "قلعة المجد" رغم أنف أعدائه!!
أسعفنى هذا الموقف
لأطرق منه باب السؤال الصعب: "كيف يفكر الرئيس؟!".. أى رئيس.. كل رئيس..
والإجابة تأخذنى إلى "صداع فى رأس مصر" إسمه "الديون" ويجوز
لى القول بأن "الديون سرطان قاتل للمجتمعات" سواء لجأ إليها "خديوى"
أو "رئيس" من عهد "إسماعيل" حتى وقتنا هذا.. فإذا كان انحياز
الرئيس لمجتمعه, ستجده يتجنب الديون قدر ما يستطيع.. ولو اختار الانحياز لفئة أو
طبقة.. سيأخذه طريق الاستدانة بلا تردد.. لذلك لا أستغرب أن "محمد على" رفض
بحسم الاستدانة.. كما تجنبها بصرامة "جمال عبد الناصر" بينما تورط فيها
كل من حكم مصر طوال مائتى عام مضت.. حتى وصلنا إلى اللحظة الأخطر فى تاريخ مصر.. فقد
سمعنا من وزير المالية – محمد معيط – أنه لا يتورع عن الاستدانة لسداد الديون!! قال
ذلك بجسارة يحسده عليها أصحاب العقول.. قد يكون جرؤ على قوله هذا, لمجرد اعتقاده
فى أن "الخديوى إسماعيل" صنع نهضة.. تجاهل أنه "باع مصر" وسلمها
لابنه الخائن – توفيق – والاستعمار الانجليزى.. وظنى أنه صدق "ماكينات الكذب
وتشويه التاريخ" التى لا تكف عن الزعم بأن أزمة مصر الاقتصادية سببها "زمن
عبد الناصر" وسياساته!!
أخذنى كتاب "قصة
الاقتصاد المصرى" لمؤلفه الدكتور "جلال أمين".. وأصابتنى قراءته
بحالة ذهول.. شعرت بمعنى "الشلل العقلى والفكرى" لأن الكاتب ليس "ممثل
فاشل" يستعرض مهاراته فى الكذب والدجل أمام الكاميرا.. فالثابت أن الدكتور "جلال
أمين" أستاذ بالمعنى العلمى فى ميدان الاقتصاد.. وأستاذ بمعنى الكلمة فى مجال
علم الاجتماع.. شهدت بذلك جامعاتنا وجامعات مرموقة من "باريس" إلى "واشنطن"
وبينهما كل "مثقف جاد" يقرأ بأى لغة سواء كانت عربية أو انجليزية أو
فرنسية!!
صعبة هى لغة الأرقام!!
صادمة هى الحقيقة!!
ترك لنا "جلال
أمين" الحقيقة الصعبة بين دفتى كتابه.. إعتقادى أنه لا يصلح أن يكون وزيرا من
لم يقرأه.. لا يجب أن يكون نائبا عن الشعب, من لم يقرأ هذا الكتاب.. لا يجوز أن
يفتى "منافق" فيما يسمى "التنمية" إذا لم يقرأ كتاب "قصة
الاقتصاد المصرى" لأنه يحمل تبسيطا صعبا لمعنى أعتز بأننى صاحبه وهو "التنمية
المستدانة" التى لجأ إليها "الخديوى إسماعيل" وترك مصر فى قبضة
الاحتلال الانجليزى.. والمدهش أن "خدم الملكية والاستعمار" يعلنون
افتخارهم به.. فى الوقت نفسه لا يكفون عن الهجوم على الذى حرر مصر من الاستعمار.. هؤلاء
يرون فى "الخديوى إسماعيل" باعث النهضة رغم أنه باع قناة السويس.. ويلعنون
من أعادها إلى مصر بقرار التأميم, ويحاولون إقناعك بأنها كانت ستعود بعد انتهاء مدة
امتيازها.. يتعامون عن أن الانجليز حاولوا مد امتيازها قبل نحو نصف قرن من انتهائه..
لا يذكرون وقائع
اغتيال "بطرس غالى" رئيس الوزراء حين ذهب لتوقيع قرار تمديد الامتياز
إلى مطلع القرن الواحد والعشرين!!
يحدثنا "خدم
الملكية والاستعمار" عن أن "عبد الناصر" خرب اقتصاد مصر, رغم أنه
رحل وترك لنا الجنيه يساوى ثلاثة دولارات.. ثم يصفقون لسياسات وصلت إلى دولار
يساوى 30 جنيه .. بداية من حكم السادات حتى الآن.. ويحدثنا الذين تم توظيفهم فى
مشروع "تزوير وتشويه التاريخ" عن السلام الذى منح رقبة مصر إلى "صندوق
الدين" ويسمونه "صندوق النقد" باعتباره راعى "الحرية" وقد
أنتج لنا "القطط السمان" كما وصفها الدكتور "رفعت المحجوب" حتى
أصبحت "نمورا مسعورة" فى يومنا هذا!!
أعترف بأننى أجد
صعوبة فى عرض كتاب "قصة الاقتصاد المصرى" ربما لأن كثيرين يناقشون هذه
القصة.. بينهم الأصدقاء "إيهاب سمرة" و"عبد الخالق فاروق".. وأشفق
عليهما مع غيرهما من الذين يسبحون فى بحر الاقتصاد.. قد أحتاج وقت لأتمكن من ضبط
النفس والكلمة, لكى أستعرض ما جاء فى الكتاب.. لذلك رأيت أن أستأنف الكتابة – بعد
توقف – بإشارة إلى أسباب همى وحزنى ومعاناتى من حالة "شلل عقلى وفكرى" لمجرد
أننى قرأت هذا الكتاب.. هى الحالة نفسها التى عشتها بعد قراءة كتاب "اغتيال
مصر" للصديق "عبد القادر شهيب".. وكتاب "مذكرات قرصان اقتصادي"
لمؤلفه "جون بيركنز" وهو أمريكي حاول أن يتطهر من جريمته بالتكسب من "التنمية
المستدانة" لأن ضميره استيقظ.. وغيرها من الكتب التى استعرضت بعضها فى سلسلة
حلقات كتبتها بعنوان "بوابات الأموال القذرة".. حتى وصلنا إلى لحظة تفرض
علينا البحث عن إجابة لسؤال يقول: "كيف يفكر الرئيس"؟!
0 تعليقات