نصر القفاص
إتفق أو اختلف مع
ذهاب الجيش المصرى إلى حرب 1948 دفاعا عن فلسطين، وقت أن كان "الولد الذى حكم
مصر" واسمه "فاروق" يجلس على العرش.. وهذا الزمن يدافع عنه "خدم
الملكية والاستعمار" ويجاهرون باشتياقهم لهذه الأيام.. لا داعى للتوقف أمام
وقاحتهم حين يتحدثون عن "أحمد عبود باشا" كرجل أعمال، دفع للملك "فاروق"
مليون جنيه استرلينى ثمنا لإقالة حكومة "نجيب باشا الهلالى" الأولى!! وقد
عاد أحفاده ليعيثوا فى الأرض فسادا، وبينهم من انتهك أعراض الفقراء ومات مسجونا.. كما
أن بينهم من يقضى عقوبة السجن, متهما بتهريب وبيع الآثار.. والقائمة طويلة وتضم "توفيق
عبد الحى" و"رشاد عثمان" إضافة إلى آخرين نتابع مساخرهم وتمكنهم من
العبث بمقدرات البلاد!!
أرفض أو اقبل إعلان "تأميم
قناة السويس" الذى فرض على مصر "مغامرة عسكرية" حسب تعبير البعض.. لكنها
حرب كانت بسبب قدرتنا على انتزاع حقوقنا، وبناء "السد العالى".. والنتيجة
أن "قناة السويس" أصبحت من يومها "الدجاجة التى تبيض ذهبا" لمصر..
و"السد العالى"
أصبح منذ هذا الوقت "طوق النجاة" الذى يحمينا من العطش والجوع حتى هذه
اللحظة!!
قل عن ذهاب الجيش
المصرى لدعم "ثورة اليمن" أنه كان "مغامرة عسكرية" انتهت إلى
خسارة لمصر, وحررت اليمن.. كما حررت "قطر" و"البحرين" و"الإمارات"
وكلها أصبحت دولا كنتيجة لتلك "المغامرة العسكرية".. وصار البحر الأحمر
بحيرة مصرية من باب المندب حتى تيران وصنافير.. ودار الزمن لتكرر "السعودية"
الذهاب إليها بدعوى تحرير "اليمن" من "جماعة الحوثى" والقبائل
التى سبق أن أنفقوا عليها "ذهبا" لمواجهة الجيش المصرى!!
لك أن تعتقد فى أن "حرب
1967" التى انتهت بهزيمة الجيش المصرى، كانت
"مغامرة عسكرية" وانتهت باحتلال سيناء وأراض عربية أخرى.. لكنك لا يمكن
أن تسمى "حرب 1973" غير أنها كانت معركة الضرورة دفاعا عن الشرف والأرض
و"قناة السويس"..
وانتصر فيها الجيش
نفسه.. الشعب نفسه.. بعد ست سنوات فقط، كاسرا لأنف إسرائيل بالحرب.. حتى تمكنت من
أن تفرض علينا ما وصلنا إليه حاليا من انهيار اقتصادي بما يسمى "السلام"
الذى جعلنا نقف مذهولين أمام أخطر معاركنا – وربما آخرها – وتتمثل فى اغتيال معنوى
للجيش المصرى!!
ناقش ما شئت.. أتهم
من شئت.. دافع عمن شئت.. لكنك لا تستطيع أن تنكر ذهاب الجيش المصرى إلى "حرب
الجزيرة العربية" لمواجهة "الوهابية" فى "زمن محمد على" تنفيذا
لإرادة ورغبة الدولة العثمانية.. وخسرت مصر أرواح الآلاف من أبنائها خلال هذه
الحرب, إضافة إلى ثرواتها.. دون أن نسمع صوتا يقول أن هذه الحرب كانت "مغامرة
عسكرية".. ولم نسمع صوتا يصف ذهابنا إلى "حرب اليونان" بأنه كان "مغامرة
عسكرية".. مع ضرورة الإشارة إلى حروب الشام والسودان.. دفاعا عن الأمن القومى
المصرى, وقت أن كان هذا الأمن القومى يعنى الكثير.. لكن الاستعمار الانجليزى جعل
دفاع الجيش المصرى عن الوطن, بقيادة "أحمد عرابى" مجرد "مغامرة
عسكرية" قام بها "متمرد" دون خجل.. وجعلنا ننسى "على خنفس"
رمز الخيانة!!
يرى "خدم
الملكية والاستعمار" أن تحرير مصر بعد "ثورة 23 يوليو 1952" كان
انقلابا قام به الجيش على صاحب الفضيلة – فاروق – الذى كانت فضائحه الأخلاقية
وأسرته تزكم الأنوف.. لا يذكرون وصف "لامبسون" السفير البريطانى للملك
الذى يتباكون عليه بأنه "الولد كان كالدجاجة المذعورة".. يوم إجباره على
تعيين "مصطفى النحاس" رئيسا للوزراء بالدبابة والمدفع فى مشهد لا يرونه
انقلابا.. أصبحوا يذكرونه فقط بأنه "حادث 4 فبراير 1942".. ثم دفنوا هذه
الجريمة.. نسوا المأساة.. تجاوزوا العار.. والذين فعلوا ذلك هم أنفسهم الذين
يحدثونك عن "معركة الشرف عام 1956" على أنها "مغامرة عسكرية"..
ولا يتوقفون عن تذكيرك بهزيمة "يونيو 1967".. ولا يذكرون ببنت شفة "حرب
الاستنزاف العظيمة" التى جعلت إسرائيل تصرخ مستغيثة لإيقاف هذه الحرب.. وعندما
تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية طالبة اتفاقا لوقف إطلاق النار.. استجابت مصر
وكانت فرصتها لإكمال بناء حائط الصواريخ.. ثم يمرون مرور الكرام على "معركة
الشرف أكتوبر 1973".. بينما يفرطون فى تمجيد السلام الذى فرض على مصر "أبو
صلاح الاقتصادي" ليأخذنا من مصيبة إلى أخرى.. حتى بلغنا "الكارثة" التى
جعلت الشعب المصرى يفقد صوابه من هول الذهول!!
إعتقادى أن كل حرب
ذهبت إليها مصر, كانت كانت حربا مقدسة.. كانت مضطرة لها دفاعا عن أمنها القومى.. هكذا
فرض موقعها وقيمتها وأهميتها.. أقصد كل حرب, سواء كانت قبل "زمن محمد على"
أو بعده.. فنحن لم نختر الحرب ضد "الهكسوس" ولا "الصليبيين" ولا
"التتار" أو "الدولة العثمانية" ولا "الإمبراطورية الفرنسية"
أو "الإمبراطورية الانجليزية".. لم تكن أبدا أى من تلك الحروب "مغامرة
عسكرية".. كما أننا لم نزرع "إسرائيل" فى قلب العالم العربى وعلى
حدودنا الشرقية, لكى نذهب إلى الحرب معها!!
عندما نصل إلى "وقاحة"
صهيونى اسمه "إيدى كوهين" يكتب ساخرا ومطالبا بأن تتنازل مصر عن "قناة
السويس" مقابل أن تتولى إسرائيل إنقاذها من الكارثة.. فهذا لا يعنى غير أننا
أصبحنا نعيش "أم الكوارث" التى فتح بابها ما قيل عنه "صندوق قناة
السويس".. باعتباره طريق ما يزعمون أنه "استثمار" وأراه "استحمار"
تأدبا.. وتجنبا لغضب عارم يغلى فى صدر كل مواطن مصرى يعرف "يعنى إيه مصر"..
دون تعرض إلى من يعرف "يعنى إيه دولة"!!
حدث فى مطلع
التسعينات من القرن الماضى, أن جرؤ محام على طرح فكرة شاذة لاستثمار "قناة
السويس".. فانفجر الأستاذ "أحمد بهاء الدين" غاضبا.. كتب سلسلة
مقالات على صفحات "الأهرام" كشف فيها خطورة هذا "الشذوذ الفكرى",
لينتقل الغضب إلى المجتمع كله..
إضطر بعدها من جرؤ
على الاقتراب من هذا الخطر, إلى الاعتذار للشعب وإعلان الندم على جريمة حاول
ارتكابها!!.. لأن "قناة السويس" فى ضمير المصريين ليست مجرد ممر مائى.. ليست
مجرد "دجاجة تبيض ذهبا".. فقد صارت عنوانا "للعزة والكرامة" بعد
أن كانت علامة "للذل والمهانة".. حين ذهب أجدادنا لحفرها بالسخرة.. ولكل
من يريد أن يفهم معنى "السخرة" عليه أن يذهب لكتاب "السخرة فى حفر
قناة السويس" للدكتور "عبد العزيز الشناوى".. الذى أعادت "الهيئة
العامة للكتاب" طباعته عام 2015.. استجابة لطلب ابنه المستشار "محمد عبد
العزيز الشناوى" وقت أن كان نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا.. لأنه فيما
يبدو أن "المستشار الجليل" كان يشم رائحة خطر قادم, وواضح أن الهيئة
والقائمين عليها وقتها استشعروا الخطر نفسه.. فكانت إعادة طبع الكتاب, الذى لا
يملك من يقرأه غير أن يصمت وينحنى تقديرا لأجدادنا الذين حفروا القناة بالدم.. الكتاب
بما يضمه بين دفتيه سيجعلك تفهم لماذا قال نائب فى مجلس العموم البريطانى, عن "الخديوى
سعيد" أنه: "حاكم جاهل وساذج.. يقوم بإذلال شعبه من أجل نصاب اسمه
دليسبس".. وهى لم تكن مجرد جملة.. بل كانت جملة ضمن معارك داخل مجلس العموم
البريطانى عنوانها "الدفاع عن إنسانية مواطنين مصريين".. حدث ذلك قبل
الاحتلال الانجليزي.. وبيننا أجيال لا تعرف أن عدد سكان مصر وقت البدء فى حفر "قناة
السويس" كان أقل من خمسة ملايين نسمة.. وشارك فى حفرها نحو اثنين مليون نسمة..
أنجزوا المهمة مقابل كسرة خبز ورشفة ماء.. أجبروا على ترك الأرض الزراعية, لتدخل
البلاد فى أزمة اقتصادية كانت مقدمة للاستدانة.. بعدها جاء "صندوق النقد"
فى طبعته القديمة ليمسك برقبة الوطن.. أستمر "الخديوى إسماعيل" فى
الطريق نفسه حتى تم خلعه بعد إنجاز الجريمة.. جاء ابنه "توفيق" ليمكن
الاستعمار الانجليزى من احتلال البلاد.. ويتم إعلان "أحمد عرابى" عاصيا
وبطل "مغامرة عسكرية".. وتدور "ماكينات تزوير التاريخ", حتى
وصلنا إلى مطالبة نفر منا – وليسو منا – بإعادة تمثال "دليسبس" إلى
قاعدته فى مدخل القناة.. فى مدينة بورسعيد الباسلة.. لأن حفيد "الخديوى توفيق"
كان قد أصبح وزيرا لقطاع الأعمال العام.. بعد أن دار الزمن دورته عكسيا.. نجح فى
مهمته بإغلاق وبيع مصانع الحديد والصلب وغيرها من الصناعات الثقيلة.. وصفحته على "فيسبوك"
شاهدا على فخره بكونه حفيد "الخديوى توفيق".. ومعه شقيقه الذى يتم "تلميعه"
كخبير اقتصادى.. يفاجئنا هذا "الخبير" مؤخرا بطلبه رهن قناة السويس, لكى
نحصل على 60 مليار دولار نتجاوز بها أزمتنا!!.. حدث ذلك مواكبا لوقاحة "إيدى
كوهين" الصهيونى النافذ والمقرب جدا من "الموساد".. ويقدمونه إلينا
كخبير استراتيجي فيما يسمى "مركز بيجن – السادات للسلام".. بينما "دليسبس
الجديد" يسكن مقر هيئة قناة السويس حاليا!!
أكثر من ثلاثين عاما
مضت على طرح الفكرة المشئومة!!
جاء وقت التنفيذ.. يقولون
لنا أن مصر فى أزمة.. والحقيقة أن الذى صنع الأزمة, يجب أن يعترف بالخطأ إن شئنا
الذهاب إلى حل.. هكذا فعل القائد والزعيم "جمال عبد الناصر" بعد هزيمة
يونيو 1967, فكان انتصار اكتوبر 1973 بعد رحيله بثلاث سنوات.. بالجيش نفسه.. بالشعب
نفسه.. بالسلاح نفسه.. ونحن نستطيع أن نفعل المعجزات إذا كانت هناك إرادة للخروج
من الأزمة.. أما لو كانت الإرادة قد انعقدت على إطلاق ما يسمى "صندوق قناة
السويس".. فهذا ليس له سوى معنى واحد.. كلمة واحدة.. صعب أن أكتبها.. لأن
الذهاب لحظتها إلى "مغامرة عسكرية" يصبح واجبا مقدسا!!
0 تعليقات