آخر الأخبار

ردة فعل جدية

 

 


عمر حلمي الغول

 

في الصراع العميق بين أقطاب الغرب الرأسمالي وربيبتهم إسرائيل الصهيونية وشعوب الأمة العربية وأنظمتها السياسية بمختلف تلاوينها من غير المقبول تهدأة الصراعات البينية بين الأشقاء العرب، وبينهم وبين الدول الإسلامية بمختلف طوائفها ومذاهبها، وبشكل خاص بين الدول ذات الأغلبية السنية والدول ذات الأغلبية الشيعية حتى ولو شكليا. لأنها تخشى تداعيات ذلك الهدوء بالتمهيد لتعزيز جسور العلاقات التكاملية بين تلك الدول، أو داخل حدودها، كونها المستفيد الأول من أية تباينات أو تناقضات، وتعمل على تعميقها وتوسيعها، وزيادة فتيل نيرانها لتبقى غارقة في دوامة الصراعات البينية، وفي ذات الوقت لتعزز من مكانة دولة المشروع الصهيوني الاجلائي الاحلالي في فلسطين، وترسيخ جذورها وتمددها بطرق مختلفة مباشرة كما في الأردن، وغير مباشر في باقي الدول العربية والإسلامية.

 

ما تقدم، بمثابة ناظم أساس للسياسات الإستراتيجية للدول العميقة في الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة. وإقامة ووجود إسرائيل الدولة الليقطة على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني ونكبته بالأساس لأحداث أكثر من غاية وهدف، أهمها الحؤول دون نهضة المشروع القومي العربي، وإغلاق كل الطرق بين دول الحضارة العربية الإسلامية من حيث المبدأ، ليس هذا فحسب، إنما إشعال الفتن الطائفية والمذهبية والاثنية فيما بينها، لتبقى تنزف ومتشرذمة.

 

ارتباطا مما تقدم، وبغض النظر عن خلفيات أي مراقب سياسي عربي أو إيراني أو تركي أو باكستاني أو هندي أو اندونيسي، وقربه أو بعده من النظامين السياسيين، فإن عودة العلاقات السعودية الإيرانية يوم الجمعة الماضي العاشر من آذار / مارس الحالي (2023) بعد قطيعة دامت سبع سنوات لم يكن مقبولا من قبل أي طرف إسرائيلي لا في الموالاة ولا في المعارضة، ولا في واشنطن سيدة الغرب الرأسمالي، لأنها تعتبر ذلك خارج سقف سياساتها، ولا يخدم توجهاتها، فعلى المستوى الإسرائيلي صرح زعيم المعارضة، يئير لبيد، إن "الاتفاق السعودي الإيراني هو فشل تام وخطر لسياسة الحكومة الإسرائيلية الخارجية.. إنه انهيار للجدار الدفاعي الإقليمي الذي بدأنا ببنائه ضد إيران." وعمق ذلك رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق نفتالي بينت بالقول، إن "الاتفاق فشل ذريع لحكومة نتنياهو، ونجم عن مزيج من الإهمال السياسي والضعف العام والصراع الداخلي في البلاد." وتابع "الحكومة (الحالية) هي فشل اقتصادي وسياسي وأمني مدوي." وتناغم معهما وزير المالية السابق، أفيغدور ليبرمان، الذي قال، ان الاتفاق من شأنه ان يعزل إسرائيل إقليميا. وعليه حمل زعيم حزب "إسرائيل بيتينو" رئيس الحكومة المسؤولية عن الاتفاق، وطالبه بالاستقالة، وأضاف ان الاتفاق سيكون له عواقب وخيمة على أمن إسرائيل. 

 

هذا والقي مسؤول إسرائيلي باللوم على ما وصفه بشعور الرياض بالضعف "الأميركي الإسرائيلي" تجاه طهران، مما ساهم في دفع السعودية لفتح ثغرة في جدار العلاقات المغلقة مع إيران، عوضا عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهذا ما لخصه مسؤول إسرائيلي لموقع "أكسيوس الأميركي". أضف لذلك، أكد احد الصحافيين المرافقين لنتنياهو في زيارته ل"روما"، ان عودة العلاقات السعودية الإيرانية كان نتاج تهاون الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة نفتالي بينت في التعامل مع الملف الإيراني.

 

وهناك حبر كثير سال على صفحات الصحف والمنابر الإعلامية الإسرائيلية والأميركية والأوروبية الغربية عموما حول تداعيات عودة المياه الى مجاريها بين نظامي السعودية وإيران، حمل في طياته اتهامات متبادلة بين أطراف المعارضة والموالاة الإسرائيلية. فضلا عن تحميل إدارة الرئيس بايدن المسؤولية عن إسراع القيادة السعودية لترميم الجسور مع القيادة الإيرانية، لأنها فتحت مجددا أبواب المفاوضات بينها وبين إيران لإعادة الاعتبار لاتفاق 5+ 1 لعام 2015، الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما مع طهران.

 

والاختلاف بين القوى الإسرائيلية بشأن عودة العلاقات الثنائية بين النظامين السياسيين العربي والفارسي ليس شكليا، لا بل جدي جدا.

 

وان بدا فيه مغالاة وتضخيم من كلا الطرفين. لان الموالاة والمعارضة الإسرائيلية تفترض ان شهر العسل الإيراني السعودي لن يطول بسبب حجم التناقضات بينهما. كما ان التناقضات بين النظامين قائم وموجود منذ وجد نظام الملالي الإيراني عام 1979، لان زعيمه الأول الخميني تبنى خيار "تصدير الثورة" لدول الجوار العربية. وبالتالي إن خفت صوت التحريض المتبادل مؤقتا، قد يعود للارتفاع ثانية بين لحظة وأخرى. مع ذلك أسوة بغيري من أبناء الشعب العربي الفلسطيني، افترض العكس، وان ينتصر صوت العقل والتعاون بين دول الإقليم العربية والإسلامية على أرضية التخلي عن سياسة الاحتلال والمصادرة للأراضي العربية في الاحواز وسوريا والإمارات من قبل الدول الإسلامية.

إرسال تعليق

0 تعليقات