علي الحفناوي
قدمت قناة الوثائقية
فيلما ممتازا ومتميزا عن حريق القاهرة الذى اشتعل يوم 26 يناير عام 1952... وسمعنا
خلال الفيلم التليفزيوني شهادات من مؤرخين ومتخصصين عن تلك الأحداث الفاصلة في
تاريخ مصر.
وقد رأيت أن أضيف
إليها شهادة الدكتور مصطفى الحفناوى (والدي) كما جاءت في مذكراته، لعلها تضيف
معلومات دقيقة لمن يبحث عن فهم خلفيات مؤامرة الحريق.
يقول الدكتور
الحفناوى:
كانت
حكومة العمال في إنجلترا، ووزير خارجيتها يومئذ "هيربرت موريسون" غبية
إلى أقصى درجات الغباء، فقد أطلقت السفاحين من القاعدة العسكرية في منطقة قناة
السويس لذبح المصريين وإراقة دماء الأبرياء، ومنهم الشهداء من رجال البولـيس الذين
قاوموا في الإسماعيلـية وحصدتهم الـنيران. وأشهد أن وزير الخارجية، الدكتور محمد
صلاح الدين، أطلق لمشاعره الوطنية العنان وقام بعمل ضخم أيده النحاس الذي كان شديد
العناد والإصرار على تحدي الإنجليز.
وأذكر أن حكومة
إنجلـترا في عديد من مذكرات وزير خارجيتها، وكنت أقرأها أولا بأول، كانت تتوسل إلى
مصطفى الـنحاس أن يخفف من قيود تفتيش السفن المشتبه في حملها مهربات لإسرائيل سواء
عبر قناة السويس أو في خلـيج العقبة، وفي مضايق تـيران وشرم الشيخ، ولكن النحاس لم
يقبل في هذا الأمر لينا أو مساومة، وغلب سياسة وزير خارجيته صلاح الـدين، ومن أجل
ذلك، ولهذا السبب بالذات، تآمرت الـصهيونية العالمية مع حكومة إنجلترا لإقالـة
حكومة الوفد بأي ثمن، ولو بارتكاب جرائم بشعة. وإني أتهم عملاء الـصهيونية
والاستعمار بجريمة حرق القاهرة في يناير سنة ١٩٥٢م، تلك الجريمة التي أعد لها ورتب
بهدوء للوصول إلى إسقاط حكومة النحاس بأي ثمن.
أقول هذا مستندا إلى
معلومات سبقت الحريق بأيام، رواها لي صحفي أمريكي، ذلك أني كنت أستقبل الـصحافيين
الأجانب بصفة غير رسمية، وأحدثهم في القضية في ندوات ومؤتمرات، وقت تأزم العلاقات
بعد إلغاء المعاهدة، وكنت ألتقي بهم في ولائم أعددتها لهم، وقد توثقت الصلة بيني
وبين صحفي أمريكي، كان يمثل صحيفة "هيرالد تريبيون" التي تصدر في باريس،
وكان يحضر اجتماعات يدعى إليها الصحفيون الأجانب بالسفارة البريطانية، وكذلك كان
يحضر اجتماعات مع السفاح "أرسكين" وغيرهم من العسكريين الإنجليز في
القاعدة الـبريطانية بمنطقة قناة السويس، وكان يتبرع بنقل ما يجري في هذه
الاجتماعات لي أولا بأول. وذات يوم اتصل بي في ساعة متأخرة من الليل وطلب مني
مقابلة في الحال.
وقد أنهى لى أنه كان
في "فايد" وعرف أن مؤامرة تدبر لإسقاط الحكومة، تحمل الملك على إقالتها،
وقد تكون هذه المؤامرة أعمال غوغائـية عنيفة ترتكب ضد الأجانب والمنشآت العامة
بالقاهرة لإثبات أن الحكومة عاجزة عن حماية الأمن، وأن أرواح الأجانب وأموالهم في
خطر شديد. وفي الصباح المبكر اجتمعت بصديقي صلاح الدين وأفضيت له بما سمعته من
الرجل الأمريكي العائد من "فايد"، وتحدث تليفونيا مع زميله وزير
الداخلية الأستاذ محمد فؤاد سراج الدين، وتواعدا على الاجتماع بي في مكتب وزير
الخارجية في الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وتم الاجتماع الثلاثي وسمع سراج
الدين الوقائع، كما رواها لي الصحفي الأمريكي، فنفى سراج الدين احتمال حدوث أي
شيء، وادعى أن سلطات الأمن في القاهرة تسيطر على الموقف سيطرة تامة، وتبين أنه كان
مخدوعا، فبعد يومين اثنين حدث حريق القاهرة، واختلط الحابل بالنابل. وكان الحريق
مسلطا بصفة خاصة على منشآت أجنبية مثل بنك باركليز وغيره، وعلى الأماكن التي يوجد
بها أجانب مثل فندق شيبرد، وقتل وإحراق إنجليز وغيرهم.
واضطرت الحكومة في
آخر الـنهار للاستعانة بالجيش للسيطرة على مجريات الأمور.
وحدث ما قاله الـصحفي
الأمريكي. ذلك أن الملك فاروق قبيل منتصف الليل أصدر أمرا بإقالة وزارة الوفد،
وأمرا آخر إلى رفعة المرحوم علي ماهر بتشكيل الوزارة.
هكذا تتالت الحكومات
المشكلة من الملك منذ 26 يناير 1952 بمعدل مرتفع حتى 23 يوليو 1952 وقيام حركة
الضباط الأحرار وخلع الملك.
0 تعليقات