آخر الأخبار

مملكة الصلصة مبضع جراح بالكلمات

 



بهاء الصالحى

 

جاءت قضية أدب الأطفال كمنتج حضاري قدم إلينا نتاج الحضارة الساسانية التي جاءت إلينا من الفرس مع ترجمة كليلة ودمنة علي يد ابن المقفع ليغبر نمط ووظيفة المؤدب في السرد العربي حيث كان المقصود هنا استمرارية النمط القائم علي تقسيم العمل حيث الفروسية للرجال الذين يعيلون النساء بعيدا عن فكرة تبادل الأدوار.
ولكن الجديد الذي قدمته كليلة ودمنة إنها أجابت علي الأسئلة الحضارية الأساسية لماذا وكيف وما هي العبرة ، الأول يجيب عن الدافعية والثاني يجيب علي العلم وخطوات الفعل والأخير عبارة عن تقييم لتصويب الفعل الإنساني وذلك تجاوزا لفكرة النصح المباشر الذي كان يقوم به المؤدب .

 

ثم جاء أدب الأطفال لنا كنوع أدبي من التثاقف مع الغرب بعد التعامل مع المدرسة الفرنسية في الآداب ولكننا كنا في مرحلة فقدان الهوية الثقافية وكنا اسري لمرحلة الشرح علي المتون وبالتالي غاب المشروع الحضاري ، فلم نكن ندرك وقتذاك ان تلك بضاعتنا ردت الينا ،وكأن محمد الهراوي هو الرائد الأول في شعر الأطفال وجاء كامل كيلاني في إطار مشروعه الايديولوجي ليقوم بتبسيط قصص الكبار للأطفال بلغة مبسطة .

 

ولكننا هنا بصدد معاملة قصص الأطفال كجنس أدبي مستقل عن الأنواع الأدبية المتعارف عليها وذلك لارتباطه بتطور مفهوم علم نفس النمو وبالتالي ضرورة تحديد الشريحة العمرية المقدم لها ذلك العمل وماهي المهارات الرئيسية المراد اكسباها والقيم المراد الترغيب فيها ، علاوة فكرة جماليات القص حيث تتجسر مابين المبدع والمتلقي النص والبيئة الفاعل خلالها ذلك النص ومن هنا تأتي نسبة القصدية كجزء رئيسي من اللغة الفنية حيث يتم قياس جودة اللغة ومدي تعبيريتها عن الغرض وبالتالي شروط قصص الأطفال كنوع أدبي مستقل .
وبالتالي ماهي ملامح المتلقي لأدب الأطفال الحالي وهو من يطلق عليه تعبير الجيل زد ، وهو كما أورده د ايمن السيد عبدالوهاب في فصلية أحوال مصرية الصادرة عن مؤسسة الاهرام العريقة العدد ٧٨ السنة التاسعة والصادر في أكتوبر ٢٠٢٠ :

 

 الانتقال من التساؤل لماذا إلي كيف ؟ وهي بداية حتمية لسد الفجوة القائمة بين هذا الجيل وغيره من الأجيال السابقة ،ولدفع مساحات الحوار والتواصل معه، بعيدا عما افترضته العوالم الافتراضية من تغذية معرفية أثرت في إدراكه لهويته وثقافته وأفقدته الكثير من الارتباط بواقعه الاجتماعي والحياتي .

 

هو جيل يمتلك من الذكاء والخيال الكثير، لكنه يعاني من تأثير الازدواجية المعيشية بين عالمه الافتراضي الذي يحبه ويحقق أحلامه والواقع بكل ما يحمله من تحديات وتناقضات تنعكس بوضوح في الأمراض الاجتماعية والسلوكية والتشوه القيمي .

 

وبالتالي يأتي كل ماسبق معايير تقييمية لقياس جودة النص المقدم ،وهو مدخل للسؤال الرئيسي لورقتنا هذه ، ماهو مدي تحقق ذلك في الإنتاج الإبداعي محل الدراسة لحنان اسماعيل ؟

 

في قصة الأجرب المقدمة عبر مجموعة بيت من خشب تأتي مواصفات ادب الأطفال وليست القصة القصيرة من خلال عدة مؤشرات :

 

تحقيق الأحداث عبر كائنات غير عاقلة مثل الدجاج وهو طائر أليف يتعامل معه الطفل بنوع من الفعل المحبب خاصة مع الفعل المبهج لفعلة الدجاج من خلال مفهوم الصياح الذي يتطور في معناه من أداء صوتي لفعل ووظيفة ودور اجتماعي .

 

وهي عودة لتقنية القص في كليلة ودمنة وهنا اختلط لماذا وكيف والنتيجة ،تمرد الديك علي دوره واخطأ بأن تراجع عن دوره الذي تعود عليه ، حيث بدأ بفعل ماضي علي طريقة كان ياما كان وكانت النتيجة انه عندما تخلي عن دوره عن القيام بدوره اضطرت الدجاجات ان تقوم بدوره علي حساب دورها فقامت لتجمع قوتها ، فوجد البيض بدون حاضنة فقرر ان يقوم بدور الحاضنة فلم يفلح في دور هو ليس معدا له ففشل وأصبح بلا وظيفة تعيد له ذاته ووجوده فاجتمعت الدجاجات عليه لنتف ريشه .

 

تحقيق الغرض التعليمي كهدف رئيسي لأدب الأطفال وهو التركيز علي نقض سلبية الكسل والاستسلام للنزوات هو طريق الهلاك ،وأن احترام النظام وتطبيقه هو سر النجاح ،وبالتالي إعادة الاعتبار لفكرة النظام والدور المرسوم كدرجة أولية لخلق التوافق المفقود لدي الجيل زد الموجه له ادب الأطفال.

 

ولكن هل يجوز اعتبارها قصة قصيرة ،فلنبحث عن السببية والتعبير عن فكرة المدنية كبيئة حاضنة ، مع اعتبار ان القصة القصيرة هي تطور طبيعي لتعقد نمط الحياة المدنية التي افرزت الرواية كام شرعية للقصة القصيرة .

 

ثم ندلف مباشرة الي صلصلة الترقيم وهي قصة عنونت عدد من القصص التي مارست فيها القاصة مهارة التعلم بالمثل وتوظيف فكرة الحوار الخيالي المبتكر وهي قصص تتناول الفترة الزمنية من ٦حتي ٨ سنوات حيث يتناوب المتحاوران مسألة الفعل حيث يقون التعلم من حيث فكرة تبادل الأدوار وهي تقنية نفسية حيث تبادل النصح وكذلك وجود التعلم من خلال خبرة اكتشاف الأخطاء وبالتالي تكون المعرفة سياقا متبادلا ، وهنا تكون المقابلة كبعد أسلوبي فالصلصلة تصبح مقابل لعلامات الترقيم من خلال الخطوات ،وكذلك القدرة علي توظيف الأفكار الخيالية لتسويق المعلومة من خلال طرافة طرق توصيلها من حيث حوار الطفل الذي ذهب لشراء الحلوى والشيبسي فإذا بالمادة الحافظة ترده الي أمه لتقوم بصناعة تلك الأشياء له في البيت دون مواد حافظة .

 

انسنة الأدوات الرئيسية التي يستخدمها الطلاب ليكون التحدث من خلالها وذلك كنوع من الإفلات من شكل قواعد الصنف الأدبي وكذلك اكتساب قيمة الإدراك والرؤية المغايرة لواقع الأشياء التي نتعامل معها ، والجيد هنا في تلك المجموعة استخدامها اللغة العربية الفصحى كنوع من اكتمال الجرعة التعليمية المراد توصيلها .

 

ولعل الوظيفة الرئيسية لأدب الطفل هو ربط الحاضر بالماضي حيث أن الحاضر هو المادة الخام التي تحمل ماضي تحقق وصورة قابلة للتطور في المستقبل ،وهنا تكون قصة المقعد هي الأقرب لذلك حيث تحمل عدة قيم من خلال مفهوم الملكية العامة .

 

تبقي اللغة هنا ملاءمة للكبار أكثر من الصغار وأن كانت اللغة الوسيطة هي الادق في ذلك المضمار خاصة في قصة المقعد حيث وردت عبارات قادمة من عالم الكبار كان الأمر يقتضي بنية حوارية لتوضيح أبعاد ذلك المصطلح : المنفعة العامة – تقصفون عمري الافتراضي وهو العمر المقدر لي أن اعيشه في حالة الاستخدام الخاص بي .

 

هنا تكون الصياغة مقدرة في بعض القصص لمن يجيد قراءة الفصحى السليمة من الأطفال، أو لمن يقرأ له ، وفي هذه الحالة يصعب الأمر علي من يريد المبادرة بالقراءة المفردة ، خاصة مع انتشار التعلم الأجنبي بواقع مصر الحالي. وضعف مستوي التعليم الحالي .

 

وأن كان التشكيل البصري للوحات المصاحبة قد التزم بالألوان الهادئة الأقرب للتلاشي كاقرب الألوان لسن الطفولة حيث وظف أهدأ درجات اللون الأصفر والأحمر وتفاعلهم مع اللون السماوي الأقرب الي الطبيعة ،مع مراعاة تنامي مفهوم الايجابية المتوافق مع الفعل الماضي الذي بدأت به قصة صلصة الترقيم، وهنا التوافق البصري مع الشرح من خلال الرسوم الايضاحية والتي تتوافق مع مادة المعرفة المراد تقديمها ،ففي اللوحة المصاحبة في صفحة ٥ تسود الألوان الهادئة مع مراعاة تفصيلة دقيقة للون ناري هو الأحمر والذي جاء ليعبر عن الصلصة وهنا الصدق ، هنا المأزق في قراءة قصص الأطفال خاصة من سن السادسة حتي الثامنة والتي نرجح ان تلك القصص موجهة إليهم توافق الألوان ودقتها لأنها مقدمة ضرورية للتوافق حيث أن اللون مادة معرفية خاصة وأن الكلمات المجردة تقتضي درجة من المهارة العقلية للربط مابين المفردات ، ولعل الربط مابين لون جلباب الام ومريلة المطبخ وتوافق تلك النقشة علي جلبابها هنا ضرورة فنية لإظهار لون الصلصة ليظهر هنا مستويات التلاشي لتتوافق مع درجات الأبيض والسماوي المتوافق في الشباك الخلفي ولمن أراد الاستزادة عليه بمراجعة لوحة العشاء الاخير لدافنتشي ، خاصة لمن أراد متابعة دلالة الألوان في قصة محل الحلوى نراها قريبة للون الحلويات المباعة في الحوانيت، مع مراعاة درجات التدرج وتوافقها مابين الألوان النارية والألوان الهادئة .

 

ولعل العودة إبداع حنان إسماعيل في بيت من خشب يشهد بامتلاك ناصية الخيال حيث وظفت فكرة التجريب حيث جاءت القدرة علي الرسم كنوع من أحلام اليقظة أو الانفصال التام عن الواقع بحكم المرارة الني أفرزت فكرة التعالي كألية نفسية ، الا ان صياغة الخيال والليونة اللغوية والقدرة الاقناعية من خلال سلاسة اللغة المتوافقة مع العنوان ولعل المقولة الخالدة لجارودي أن الإبداع إجابة عن عدد من الأسئلة الوجودية فيجيب عليها من خلال الطبيعة التركيبية التي صنعت شخصية المبدع .وبالتالي يكون مفتاح أعمال حنان إسماعيل هو البعد التنويري الذي تحرص عليه حنان إسماعيل كمثقف عضوي يحمل داخله توصيفا صحيحا من واقع عملها لازمة الواقع المصري ومن هنا جاء إبداعها الأدبي مادة ثرية ولكن الأمر اقتضي في بعض الأحيان الفصل المعنوي مابين العمل والإبداع الأدبي لان التوافق العام يقتضي قارئ متميز يتوافق مع الخلفية العقلية للمبدع وهو أمر وأن شديد التقدير في نظريات النقد الحديثة الا أن عمومية مستويات الوعي لدي المتلقي العادي بحكم طبيعة الواقع الثقافي المصري الا أنها أعمال نراهن علي بقاءها .

 

العالم الإبداعي لحنان اسماعيل

 

في بيت من خشب تأتي الأبعاد النفسية كمدخل رئيسي لتلقي العمل وهو بعد رئيسي في نظرية التلقي حيث يأتي ذكاء المبدع في التقاط اللحظة العاقلة التي يقر بها المشترك الثقافي في واقع ما ،ومن هنا يصبح المبدع لسان حال واقعه ولكن من خلال آليات النوع الادبي الذي يقدم به نفسه للواقع ، وفي توافق اللحظة الإنسانية مابين المبدع والمتلقي يكون الصدق الفني ويصبح العبء الرئيسي ايجاد معادل لغوي يقوم بوظيفة التعبير ومن خلال شكل يخلق المعادل البصري المساوي في واقع المتلقي .

 

تحقق ذلك في قصة الضحية ص ٤٣ حيث حققت :

 

المعادل البصري من خلال الإطار الحواري مابين المحقق والمتهمة / الضحية ، الأمر الذي يخلق الأبعاد الزمنية للقصة وفكرة تطوير العقدة الدرامية حيث يتم تجريد العقدة من تفصيلاتها ليصبح البعد الإنساني في اي علاقة وهنا تتوافق تماما مع تضاعيف فكرة الاجرب .

 

التعبير عن لب الصراع في السرديات الحديثة البعيدة عن فكرة الاغراق في تخييل لإحداث بناء حدثي بديل يتماس مع الواقع ليصبح الأمر استمرار لروايات جورج اوريل مع فارق فكرة الاحتواء الدولي للعمل بحكم إنتاجه في زمن فكرة المؤامرة التي سيطرت علي العالم في فترة الحرب الباردة ، ولكن الآن علي مستوي مفهوم التبادل مابين تقدير الذات في إطار الإنسانية والاستغلال الموضوعي وبالتالي تصبح سرديات الأدب السياسي مستوي من مستويات سحق ذات لتتحول لموضوع بعد تقزيم الذات لتصبح قابلة للاستغلال ،وهنا نجد أنفسنا باتجاه إدانة الفهم الاقطاعي لمفهوم الملكية وانعكاس ذلك علي العلاقات العائلية ،ومن هنا يحقق ذلك المدخل إعادة إنتاج للنسوية بدلا من الادانة المسبقة للنسوية وكأن المثقف المصري قد استكان في استراحة وهمية لمحارب بسيف من خشب لبقايا غير محققة داخل وعيه المحبط.

 

لمحات من القاموس اللغوي للقاصة

 

تأتي الألفاظ كدالة نفسية وبنائية تخلق نوعا من الارتباط الشرطي القابل للتأويل في قراءة الإبداع القصصي، وفي هذا السياق جاءت لفظة الاجرب كلفظة دالة علي النبذ والفرار والتقبيح ومن هنا يأتي مفهوم السياق من خلال توظيف احدي المعاني المترادفة ،وهنا جاء الاستبعاد من خلال التخلي علي الدور فيكون ذلك نوعا من الانتحار الإنساني وهنا البعد التنويري في أداء القاصة في قصة الاجرب .

 

ثم يأتي الاستبعاد والنبذ من خلال تجاوز الدور المرسوم والمتوافق عليه انسانيا وبالتالي هل يصنع القبح عالمه مهما كان مؤيديه ومن هنا كانت تدخل الطبيعة لاتحرق الغابة الصفراء

 

ونهاية نحن بصدد قاصة اثقلها وعيها الاجتماعي فجاءت تحارب بالكلمة ، ولكن الأعمال القادمة قصصيا تقتضي نوعا من الانفصال النفسي عن واقعها التنويري المباشر ومن هنا كانت اجادتها التامة في قصص الأطفال وحاجتها الي امتلاك ناصية التخييل في إبداع القصة القصيرة .

إرسال تعليق

0 تعليقات