عمر حلمي الغول
دولة قامت كلها من ساسها الى رأسها على التزوير والأساطير والخزعبلات،
ومازالت تروج لبضاعتها الفاسدة، وتؤصل لمشروعها الكولونيالي الاجلائي الاحلالي
الفاشي على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني ونكبته، ليس مستغربا، ولا مستهجنا ان
تقوم كل يوم على تزوير وقلب الحقائق، واستلاب التاريخ والحقائق، وفي ذات الوقت،
طمس الآثار الأصلية الفاضحة للدولة اللقيطة واللا شرعية الإسرائيلية.
ومع ان علماء الآثار الإسرائيليين بمختلف مسمياتهم وعلى مدار القرن والنصف
الماضي، ومعهم وقبلهم علماء الآثار البريطانيين والفرنسيين والألمان ومن ثم
الاميركان أعلنوا فشلهم في العثور على اية آثار في ارض فلسطين التاريخية تدلل على
وجودهم في فلسطين، او وجود ما يسمى الهيكل الثالث، الا ان الدولة المارقة والخارجة
على القانون تأبى الا ان تواصل انتاج وإعادة انتاج الأكاذيب، وتواصل ممارسة لعبة
التزوير للاثار لعل وعسى تتمكن من تمرير كذبة ما يربطها بالأرض الفلسطينية العربية.
ارتبطا بما تقدم، قامت إحدى الباحثات الاسرائيليات في سلطة الآثار وخبيرة
بالخط الارامي القديم زورت كتابة على قطعة فخار، تحمل اسم الملك الاخميني الثالث،
داريوس الاول الذي حكم فارس من العام 521 ق.م الى العام 486 ق.م. وقالت سلطة
الاثار يوم الأربعاء الموافق الأول من آذار/ مارس الحالي (2023)، ان مجموعة
متنزهين عثرت على القطعة، وعليها الكتابة "داريوس 24"، اثناء تجوالهم في
منطقة تل الدوير، المعروف بتل لخيش أيضا، وهي منطقة تقع جنوب شرق عسقلان، وعلى
الطريق بين القدس وغزة.
وفي أعقاب الإعلان، توجهت إلى سلطة الآثار، أول أمس باحثة من خارج إسرائيل
وكانت شاركت في حفريات في تل الدوير ضمن مجموعة علماء آثار أجانب، وأكدت التزوير
الحاصل. والباحثة الإسرائيلية هي أحد الباحثين القلائل في العالم المتخصصين في
كتابات باللغة الآرامية القديمة، واعترفت بتزوير القطعة أثناء إعطائها مثالا
لمجموعة طلاب حول الكتابة على قطعة فخارية قديمة، ثم تركت القطعة المزورة في تل
الدوير، "الامر الذي تبين لاحقا انه تضليل." حسب سلطة الآثار
الإسرائيلية، وادعت الباحثة، انها لم تتعمد هذا التزوير. من خلال تركها للقطعة المزورة
عن سابق تصميم وإصرار شاءت، ان تلعب لعبة الاستغماية، مرت اللعبة، وتم تسويقها،
فهذا يشكل خطوة في عمليات أوسع واعمق من التزوير والافتراء على التاريخ والاثار.
وعلى اثر افتضاح عملية التزوير، التي كشفتها الباحثة الأجنبية اضطرت سلطة
الآثار والباحثة الإسرائيلية للإقرار بان القطعة مزورة، وأصدرت السلطة بيانا يوم
الجمعة الماضي، انها "تتحمل المسؤولية عن هذه الواقعة." وكان دقق في
القطعة أيضا الفخارية الدكتور حغاي مسغاف، وهو خبير في الكتابة الآرامية القديمة، وكذلك
عالم الآثار ساعار غانور، الباحث في تل الدوير، اللذين اكدا، ان القطعة مزورة. وأضاف
بيان سلطة الآثار، "ان هذه واقعة خطيرة من الناحية الأخلاقية العلمية. وإبقاء
القطعة مع الكتابة في الموقع، مما أدى الى تضليل الباحثين وطمس الحقيقة العلمية. وبالامكان
العد على يد واحدة وقائع من هذا النوع التي حدثت في الأبحاث الاثرية.
لم يكن ممكنا اصدار البيان من سلطة الآثار، وإقرار الباحثة الإسرائيلية
لولا افتضاح وانكشاف لعبة التزوير، لا سيما وان احدى الباحثين من الفريق الأجنبي
الذي كان يبحث في ذات الموقع الاثري عادت فورا لمتابعة الادعاء بالاكتشاف الاثري
الجديد، ولتؤكد بشكل قاطع كذبة الاكتشاف، وتدحض اللعبة الإسرائيلية. وكان يمكن ان
تمرر اللعبة لو لم تعد الباحثة الأجنبية لمتابعة الحدث، ومن ثم يتم الزج بنماذج
أخرى من عمليات التزوير، لا تتوقف عند داريوس الأول. لا سيما وان سلطة الآثار
الإسرائيلية قامت بسرقة قطع اثرية، واحجار من المسجد الأقصى، كما وضعت يدها على
بعض القطع الاثرية التي وجدتها تحت الحرم القدسي الشريف، كما سرقت بعض الاثار من
الاديرة والكنائس القديمة بغية العبث فيها لاحقا، واستخدامها في عمليات تزوير. بتعبير
آخر، الامر لا يقتصر على داريوس، وانما على علاقة ذلك بوجود اليهود والهيكل في
القدس العاصمة، وأيضا محاولة تأكيد وجود علاقة لليهود بمدن الساحل الفلسطيني،
وخاصة وان المملكتين اليهوديتين المزعومتين حسب النصوص التوراتية تشير لوجودها في
القدس ونابلس، أي في الجبل. فضلا عن الادعاء بوجود علاقة لهم بالحرم الابراهيمي
الشريف.
النتيجة ان عملية التزوير الإسرائيلية الجديدة والخطيرة تكشف المحاولات
الإسرائيلية المتواصلة لتمرير وتعميم آثار مزورة كمقدمة لادراج ما يتعلق بوجود
اثار يهودية في فلسطين، وهو ما لم يثبت حتى الان وجود أي شيء من هذا القبيل في كل
فلسطين التاريخية وفق معطيات ومصادر علماء الاثار الإسرائيليين ذاتهم. وهذا يتطلب
من جهات الاختصاص الفلسطينية متابعة الجرائم الإسرائيلية على هذا الصعيد،
لملاحقتهم امام الهيئات والمحاكم الدولية ذات الصلة بعملية التزوير.
0 تعليقات