عز الدين البغدادي
سألني أحد الأخوة: هل
تعتقد فعلا بأن شخصا ولد قبل ما يقارن 1200 سنة ومع ذلك لا زال حيا؟ مع إننا لا
ندري متى يخرج من غيبته!
قلت له: يمكن أن نصوغ
السؤال بطريقة أخرى لا سيما وأن القضية إيمانية، بحيث يكون: هل هناك أدلة كافية
لمثل هذا الاعتقاد؟
أنا اعتقد أن الأحاديث والروايات التي وردت
كافية للإيمان بقضية المهدي المنتظر، نعم هناك إشكالات هامة على هذا الرأي ناقشتها
وبينت ما فيها في كتابي "المهدي المنتظر". مع العلم كما قلت له بأننا إسلاميا
أمام رؤيتين: المشهور عند معظم أهل السنة بأنه محمد بن عبدالله من ذرية الحسن،
والرأي الثاني وهو ما أطبق عليه الشيعة الامامية وعدد كبير من علماء السنة لا سيما
الصوفية من أنه محمد بن الحسن العسكري وأنه مولود فعلا، والرأي الأول عليه إشكالات
بينتها في الكتاب يصعب معها الأخذ به، ولهذا أنا اعتقد بالنظرية الثانية.
أعتقد أن المشكلة
ليست في القضية المهدوية بذاتها، بل في طريقة تعاملنا معها، وفي قبول كم هائل من
الروايات الموضوعة ورفض اي عملية لنقدها وغربلتها، إنها روايات مرعبة صورت لنا
علامات الظهور وكأنها نسخ من فلم "سيد الخواتم" أو تصور المهدي إذا خرج
فإنه يقتل الناس، ويقتل العرب بالذات ‼ وينبش قبري أبي بكر
وعمر ويجلدهما ويخرج السيد عائشة من قبرها ويجلدها‼ وانه رب الأرض المقصود بآية ( وأشرقت
الأرض بنور ربها) وأن المؤمنين يدعونه ويتوسلون إليه حتى يفرج عنهم، ويرسلون له
الرسائل في الماء أو في بئر وأن على المؤمن أن يعمل للحصول على رضاه وغير ذلك من
الخرافات.
الدين منظومة من
العقائد والأخلاق والفقه، والعقائد درجات أهمها وأولها الإيمان بالله والتوحيد ثم
يتفرع عنها النبوة التي يتفرع عنها الامامة التي إحدى قضاياها "المهدي
المنتظر" وتضخيمها هو نوع من التشويه، تصور لو رأيت شخصا له أصابع كبيرة جدا
اكبر من حجمها الطبيعي أو له رجل صغيرة جدا اصغر بكثير من الحجم الطبيعي، ماذا كنت
ستصفه؟ بالتأكيد ستقول انه مشوه، وتضخيم القضية هو تشويه، علينا ان نبتعد عن إرباك
عقول الناس بقصص وهمية ونظريات لا يمكن للعقل قبولها، فهذا الأمر وكذلك الحديث عن
لقاء هذا الشخص أو ذاك المجتهد بالمهدي أو قراءة الأدعية التي لا تصح (العهد،
الندبة) تعقد فهم الإنسان لقضية المهدي المنتظر. إنها تضخم القضية على حساب
العقائد الأخرى وتربك فهمنا بشكل خطير جدا جدا، وتجعل المؤمنين بالمؤمنين أبعد
الناس عن فهمه بسبب تعقيد النظرية.
إن عملية الإصلاح لا
بد أن تكون عملية واقعية، ومحاولة إلغاء فكرة المهدوية من التراث الإسلامي عموما
والشيعي خصوصا هو تصور غير ممكن، لان القضية ليست طارئة ولا عرضية بل هي قضية
عميقة متأصلة لا يمكن إزالتها ولا حذفها، هي لم تأت مع الصفويين مثلا ككثير من
الطقوس المبتدعة. لكن من الممكن إزالة الأوهام والأكاذيب عنها وتركها في الإطار الإيماني
وحسب. كما في قضية الخضر مثلا إن كان موجودا فلا مشكلة وان كان ميتا فلا مشكلة، مع
العلم ان قضية المهدي المنتظر في نقاط ايجابية يمكن استثمارها دون الدخول في الجدل
البيزنطي حيث يتناقش فيه طرفان دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل كلاهما
عن وجهة نظره.
0 تعليقات