محمود جابر
من العاصمة الصينية
بكين تم إعلان الاتفاق بين السعودية
وإيران يوم الجمعة الموافق 10 مارس/ آذار فى بيان ثلاثي، وحدد البيان بعودة
العلاقات بين البلدين فى خلال شهرين من تاريخ إعلان بيان الاتفاق، وقاد هذا
الاتفاق كلا من وزير الخارجية السعودي مسعد بن محمد العيبان، ورئيس مجلس الأمن
القومي الإيراني، علي شمخاني اللذين عقدا خمس جولات رسمية، بالإضافة للاجتماعات
التمهيدية، التي ساهمت فيها كل من العراق وسلطنة عُمان خلال العامين الماضيين.
وكانت هذه مفاجئة
للمتابعين للعلاقات السعودية الإيرانية والذين يقرؤون المشهد من خلال إطلالات
الأمين العام لحزب الله اللبنانى والذى صرح قبل يوم واحد من إعلان الاتفاق
وقال ان من يتوقع تفاهماً أو اتفاقاً بين
الولايات المتحدة الأميركية وإيران.. أو بين المملكة العربية السعودية وإيران..
عليه ان ينتظر مئة عام.. هذا الإعلان
وقبله التصريح من جانب الأمين العام يعنى أنه لم يكن على علم مما يدور فى أروقة
السياسة الإيرانية .
وهنا علينا ان نطرح
سؤالا أوليا وهو: هل الاتفاق سيحدث تغيرا إستراتيجيا فى العلاقات بين البلدين وفى
الإقليم وعلى المستوى الدولي ،
أم أن الاتفاق هو تكتيك وتهدئة
مرحلية بالنظر إلى الضغوط التى يتعرض لها كل من السعودية وإيران إقليميا ودوليا، بدرجات وسبل مختلفة؟! ..
وللإجابة عن هذا
السؤال لابد ان نقر حقيقي ان المملكة لا
تستطيع الخروج من افق السياسة الأمريكية مهما أضفنا عليها وعلي ولى عهدها الشاب من
صفات حقيقية وخياليه. مضت أمم عديدة في مسارات الاستقلال والتمرد علي سياسة أمريكا
والغرب ولاقت منهم الأهوال. آفاق التغيير والخلافات الداخلية الأمريكية والغربية
هي الأمر وفي القلب منها حتمية تقبل الصين كلاعب
عالمي إقرارا بأمر واقع .
هذا الإقرار هو إقرار مركب وفي جوانب منه توريط للصين وفي الأخر صراع
حاد معها.
فالمملكة مثل كل
مشيخات الخليج مجرد شركات نفطية عائليه، أنشأت واستمرت بإرادة أمريكية.
وأمريكا بالطبع ليست دولة
واحدة بل بها مراكز نفوذ تعبر عن صناعات وسياسات بعينها ولا تصطف معا إلا في عظائم
الأمور .
ووسط دخان المعارك
الحاليه وما يواكبها من تراجعات ومناورات علينا التنبه إلي الأمر الأمريكي الداخلي
والأزمة المالية العظمي في شمال غرب العالم فهي اخطر ما يدور …
الإمبراطورية الأمريكية
تعيد ترتيب العالم وتقبل ما كان عليها ان تقبله وتتنازل عما خسرته ولكنها هي صاحبة
الأمر والنهي علي توابع مصفوفاتها الإسرائيلية وشركاتها النفطية (المشيخات
الخليجية) رغم ما يبدو لها من استقلاليه
قرار وتجرأ درامي …
فالاتفاق السعودى
الايرانى مهما قيل فيه او فى بداية الحوار الى تم ما بين مسقط وبغداد، أو حتى
الصين ما كان له أن يتم إلا بموافقة أمريكية أو مناورة أمريكية، وكل طرف لديه
مصلحة فى إتمام هذا الاتفاق .
والأطراف المعنية فى
هذا الاتفاق هم أربعة أطراف هم : أمريكا/ إيران/ السعودية/ الصين .
فالطرف الأول يريد
إعادة ضبط ساعة طهران دون الحصول على وقود نووى، بطريقة أخرى تأمين علاقتها مع
الجيران، وهو يعلم أن إيران تعانى من تراجع وكساد اقتصادي لم تعد تتحمله مع
استمرار المظاهرات الغاضبة فى الداخل الايرانى ولم تستطع طهران ان تستمر فى صراعها
الاقليمى فى ساحات متعددة من اليمن الى لبنان وسوريا والعراق، وتبحث عن استراحة
محارب تحفظ لها ماء وجهها وفى نفس الوقت لا تكون هذه الاستراحة انسحاب خاسر من
الجانب الايرانى وهو مالا تقبل به إيران .
استغلال أمريكا
للحاجة الإيرانية هو ما جعل أمريكا توعز لوكلائها فى المنطقة وعلى رأسهم المملكة
العربية السعودية للدخول فى حوار مع إيران، تضمن فيه الولايات المتحدة عدم استهداف
مصافى البترول فى حالة العدوان على إيران من جانب إسرائيل، وكذلك تدعم وصول ابن
سعود لسدة الحكم فى المملكة من خلال إنهاء الحرب فى اليمن، ومزاحمة إسرائيل من
خلال وكيلها الحصرى (الإمارات) حتى تستطيع التحكم فى كل طرف وتبقى كل طرف عند حدود
لا يتجاوزها.
وامريكا تعلم ان خطة
التمدد الصينى عبر الحزام والطريق يتطلب تأمين ممرات برية وبحرية الى قلب المنطقة
العربية وأمريكا لو أنفقت مالا تستطيع انفاقه من اجل محاصرة الصين ومنع تقدمها فى
المنطقة العربية سوف تكون كلفة خسارتها كبيرة ولن توقف الزحف الصينى، وبالتالى فان
خطة وقف الزحف من خلال إدخال الصين الى معادلات الخلاف السياسي الايديولوجى
والدينى فى المنطقة وبالتالى تصبح الصين طرفا فى الصراع بدلا من كونها طرفا محايدا
اقتصاديا!!
الاتفاق تضمن إعادة
فتح السفارات فى خلال شهرين، وهذا يعنى انسحاب او تنظيم وجود فى ساحات الصراع من
سوريا ولبنان واليمن والعراق من الجانب الايرانى يشاركه فى الوجود او يملىء فراغ
الانسحاب الجانب السعودي، وبالتالي اذا لم يتم ما تم الاتفاق عليه فإن الاتفاق لن
يكون ساريا، وإن الدور الصينى سوف يكون مراقبا لهذا الانسحاب أو تقاسم النفوذ، وبالتالي
سوف تكون الصين فى قلب معركة الشرق الأوسط سواء تم الاتفاق أو لم يتم...
ويمكن فى هذا الخصوص
ان نضع مئات السيناريوهات المستقبلية للحدث ولكن مما سبق نقول ان ما تم من اتفاق
ثلاثى لم يكن بعيدا عن العقل الامريكى والمخطط الامريكى سواء كان واضحا أو خفيا .
0 تعليقات